ملهاة بيروت

حجم الخط
6

قمة «اللاقمة» التي استضافتها بيروت يوم الأحد 20 كانون الثاني-يناير الجاري، كانت انعكاساً لواقع سياسي عربي لم يعد قابلاً للإعراب، كما كانت تعبيراً عن احتضار السياسة اللبنانية، ودخول النظام الفيدرالي الطائفي برأسماليته المتوحشة في منعطف الانتحار.
من المفترض أن يشعر المواطن اللبناني، مهما كان انتماؤه السياسي أو الطائفي، بحسرة على هذا الفشل المروّع. قمة غاب عنها كل زعماء الدول تقريباً، وأتت في ظل أزمة اقتصادية لبنانية طاحنة تلوح في الأفق. صحيح أن القمم العربية لم تعبّر يوماً عن رؤى عقلانية تبحث عن المشترك العربي، بل كانت أداة لتصفية حسابات ضيقة، تقوم بها أنظمة اعتادت على امتهان كرامة شعوبها. ومع ذلك، فإن مشهد الغيابات البائس لا يثير سوى الأسى في نفوس اللبنانيين الذين يشعرون بأن بلادهم صارت على حافة الهاوية.
لكنني أريد أن أعترف بأنني بدلاً من أن أحزن شعرت بأنني أمام مسرحية مضحكة. ملوك التطبيع والتحالف مع إسرائيل قاطعوا، والمحور المقابل أي حلفاء إيران قاطع أيضاً. كأن هناك ما يشبه الاتفاق غير المعلن بين المحورين على بهدلة القمم العربية وشرشحة لبنان. المحور الأول يتهم لبنان بأنه تحت حكم حزب الله، والمحور الثاني لا يحضر إلا إذا حضر بشار الأسد. والمضحك المبكي أن الأداة التي استخدمها المحور الأول كانت قوى الممانعة اللبنانية التي تصدرها رئيس المجلس النيابي، الذي قامت الميليشيا التابعة له بنزع العلم الليبي واستبدلته بعلم حركة أمل. في البداية أصرّ رئيس المجلس على دعوة الأسد، وعندما أبلغ بأن قرار الدعوة مرهون بالجامعة العربية ولا علاقة له بالموقف اللبناني، أخرج من جعبته مأساة خطف الإمام موسى الصدر من قبل الديكتاتور الليبي معمر القذافي، وكأن القذافي لا يزال حياً، أو كأن النظام السوري اعتبر قضية الإمام الصدر قضيته ولم يدعم القذافي حتى الرمق الأخير!
لماذا تعود بعض القوى السياسية إلى الاستقواء بالخارج من أجل تحسين مواقعها على مائدة تقاسم النفوذ اللبنانية بهذه الطريقة التي تهدد بنقل لبنان من حرب أهلية نائمة إلى حافة الحرب. هل هو الاستقواء بانتصار الروس والإيرانيين لنظام بشّار الأسد؟ أم هو إعلان بأن لا أحد يريد أن يتعلم من عِبر الماضي، لا رئيس الجمهورية «القوي» ولا رئيس المجلس «المستقوي»؟
غريب أمر هذه البنية السياسية اللبنانية المتآكلة، فالزعامات الطائفية لا تستطيع أن تنسى أو تتناسى أن مصدر قوتها هو الخارج، وأن لعبتها الداخلية ليست سوى محاولة للاستقواء بهذا الخارج من أجل أن تتابع تسلطها ونهبها لما تبقى.
أما حين يكون الخارج الإقليمي مبلبلاً ومستضعفاً وفاقداً لقراره، فإن زعامات الطوائف تفقد توازنها، وبدلاً من أن تعي بأن لعبتها الإقليمية أوصلت لبنان إلى الخراب، فإنها تتمادى في لعبتها لأنها لا تمتلك مجتمعة أو منفردة مشروعاً سياسياً وطنياً.
تجلت هذه البلبلة حين احتجز محمد بن سلمان رئيس الحكومة اللبنانية وأجبره على تلك الاستقالة التلفزيونية المشينة، ثم اتخذت شكلاً داخلياً مع العجز عن تشكيل الحكومة الذي اتخذ لنفسه أسماء شتى، لكنه كان جزءاً من اللعبة الإقليمية التي فقدت ضوابطها بسبب غموض أو عجز أو ارتباك السياسة الأمريكية في المنطقة.
وسط هذه التناقضات عقدت القمة، وأتى أمين عام الجامعة العربية ليبقّ البحصة معلناً أن الربيع العربي كان سبباً في دمار الأمة العربية!
الأمين العام يزهو بانتصار الديكتاتوريات على الشعوب، يتكلم وكأنه لا يعلم أن هناك انتفاضة شعبية في السودان، أو كأنه متيقن من أن انتصار الاستبداد بأسمائه المختلفة، سواء أكان انتصار الانقلابيين والعسكر أو انتصار ملوك النفط، أبدي وقدري.
ما فات الأمين العام الإشارة إليه هو أن النظام الإقليمي العربي مات، وأن قتلة هذا النظام هي الأنظمة الاستبدادية التي دخلت في صراعات وحشية مع شعوبها أولاً، ومع بعضها ثانياً، لأنها فقدت شرعيتها بشكل كامل، وسعت في صراعاتها من أجل البقاء الى التحالف مع كل الشياطين.
ما فات الأمين العام هو أن بلاد العرب محتلة، وأن الجيوش الأجنبية من سوريا الروسية-الإيرانية إلى القواعد الأمريكية في الخليج، إلى العربدة الاسرائيلية تطبيعاً وقصفاً، هي من يمتلك قرار الموت العربي.
المسألة أيتها السيدات والسادة هي أن الملوك والرؤساء العرب يعرفون اليوم أنهم بيادق لا حول لها في لعبة مجنونة لها اسمان:
الصراع المذهبي الذي جعل من إيران بعبعاً، والسياسة الأمريكية التي لا تحمل سوى هدف مركزي له اسم واحد هو أمن إسرائيل، وإنشاء تحالف يجمع إسرائيل والأنظمة العربية.
وحين تسود اللغة المتصهينة في العالم العربي، يصير الكلام عن نظام إقليمي عربي حديث خرافة. فحين تغيب فلسطين يغيب العرب.
وحين يتسلط الاستبداد ويصبح قتل الشعوب مباحاً من قبل الأنظمة، يتلاشى العرب.
أما لبنان فكان مسرحاً لقمة لم تنعقد، لعب فيها الكومبارس دور البطولة في مسرحية كوميدية اسمها قمة بيروت الاقتصادية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سنتيك اليونان:

    لا علم لمن يوجه كلامه السيد الياس خوري
    الا يعلم انه لا يوجد دول عربية بمعنى وطن أو اوطان لانه لا يوجد مواطن
    الموجود قباءل وشيع ومذاهب وملل
    الإنسان في العالم العربي مرجعيته الزعيم القاءد الشيخ يدين لهم الولاء بدرن أية محاسبة

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    الأحرار يؤمنون بمن معه الحق والعبيد يؤمنون بمن معه القوة! فلا تعجب من دفاع الأحرار عن الضحية ودفاع العبيد عن الجلاد!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول سنتيك اليونان:

      الغلبة داءما للقوة هكذا كان التاريخ على هذا الكوكب وهكذا سيبقى
      اما الحق

      الغلبة داءما للقوة
      هذا قانون الحياة على هذا الكوكب
      القوي يحصل على ما يريد والضعيف سوف يتعذب كما يجب هذا ما كتبه ثوكيديدس الإغريقي منذ آلاف السنين ولغاية اليوم لم ارى ما يناقد كلامه سوى بالأساطير والخزعبلات

    2. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      أرى يا أخي سنتيك اليونان أنك تريد أن تقول, أن الأنظمة العربية هي صاحبة الحق, وهي واقع وماعلينا إلا أن نطيعها ونشكرها وليس هناك بديل لها أو أفضل منها؟

  3. يقول سوري:

    أستاذنا الكبير الياس خوري
    من الصعب إضافة أي كلمة لهذا المقال الذي يختصر حال أمة تنتحر وترضخ تحت بساطيل العسكر وجبروت القوى الإقليمية والدولية ولبنان ليس سوى مثال يستشهد به للحالة العربية العامة: طائفية، فساد، ديكتاتورية، قمع للشعوب، تفقير، تهجير، تدمير، خيانة، .. وكل الصفات الخسيسة الاخرى

  4. يقول سنتيك اليونان:

    الى السيد اسامة كلية
    كتب حضرتكم. ماعلينا الا ان نطيعها ونشكرها
    طبعا ان لم اقل هذا
    مما قاله ثوكيديدس ان على الضعيف ان يتعذب كما يجب ولم يتطرق الى البديل وأنا لا ارى اليوم اَي بديل ما دام العرب مجموعة قباءل وملل وشيع ومذاهب مختلفة ويدينون بالولاء. للقائد للزعيم للشيخ وبدون مساءلة
    انظر الى القبائل العربية تتقاتل في فلسطين في سوريا في العراق في اليمن بينما اسرايل تزدهر وتنعم بالسلام. هذا حال العرب من أيام الجاهلية الى اليوم

إشترك في قائمتنا البريدية