قبل افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي بفترة ليست قصيرة، غصت مواقع التواصل الاجتماعي بمئات الإعلانات التي يضعها مبدعون يروجون لبضاعتهم، إعلانات عن روايات حديثة صدرت أو ستصدر خصيصا للعرض الأول في معرض الكتاب، إعلانات عن مجموعات شعرية وقصصية، وحفلات توقيع، لدرجة يخال فيها للمرء أن الدنيا كلها مبدعون، وأنه لو لمس الحجر، سيقطر من صلادته الإبداع، ويأتي السؤال الحتمي لا بد بعد مشاهدة كل هذا الزخم: من سيقرأ من في معرض القاهرة؟ وأي معرض آخر من المعارض العربية التي توجد الآن في كل الدول، فقط تختلف في حجمها وعدد الجمهور الذي يغشاها، وكمية البيع والشراء فيها.
ولكي أكون منصفا، فإن الإعلان عن الكتب التي ستتوفر في المعرض، ليس قاصرا على المبتدئين في سكة الكتابة، والباحثين عن ضوء في زمن معتم، والمتعشمين في قارئ، ربما يلتقط إبداعهم ويبهجهم، وحتى المحترفين والمخضرمين لم تنج صفحاتهم من الإعلان عن كتب جديدة، ومواعيد لحفلات التوقيع، يتمنى لو حرص الناس على حضورها، وتلقيت عشرات الرسائل التي تدعوني لحضور تلك الحفلات، إن صادف وكنت موجودا في معرض القاهرة، أكثر من ذلك، أشار البعض إلى وجودهم في أكثر من يوم، واستعدادهم للتوقيع على من يقتني كتبهم.
معروف طبعا أن التوقيع على الكتب ليس صناعة عربية، بل هو تقليد مستورد من الغرب مثل كثير من التقاليد التي نستوردها، ولا نسعى لتطويرها، أو تطويعها بما يناسب بيئاتنا، وحياتنا، ولكن نتركها كما هي، في الغرب لا يصدر الكتاب بصمت ويطرح بصمت ويباع بصمت، وإنما تصحبه في العادة دعاية لا بأس بها، يقوم بها الناشر، خاصة إن كان كتابا لمؤلفين على شاكلة بول أوستر أو دان براون، أو استيفن كينج، أو أي واحد آخر من المؤلفين السنويين في الكتابة، أي الذين ينتجون سنويا كتابا ينتظره الناس على أحر من الجمر، نعم أحر من الجمر بالفعل، وليس بمجرد الكلام كما نسمع عندنا، وأذكر أن قارئا راسلني مرة، بخصوص رواية لي، كانت ستصدر قريبا، وقال إنه ينتظرها على أحر من الجمر، ويتمنى، بل يرجوني أن أخبره بمجرد صدورها، حتى يسارع لاقتنائها. وشاءت المصادفة أن أكون واقفا في جناح دار النشر التي أصدرت الرواية، ويمر بي الأخ القارئ، وأناديه لأخبره بأن كتابه الذي سيطفئ الجمر متاح هنا، وها هو أمامي، أمسك القارئ بالكتاب، قلبه بين يديه، سأل عن سعره، ثم وضعه ومضى، وكنت مستعدا لمنحه الكتاب بلا مقابل، فقط لو أمسكت بلهفة الجمر التي من المفترض أنها عنده.
في الغرب لا يصدر الكتاب بصمت ويطرح بصمت ويباع بصمت، وإنما تصحبه في العادة دعاية لا بأس بها، يقوم بها الناشر، خاصة إن كان كتابا لمؤلفين على شاكلة بول أوستر أو دان براون.
أقول، إن الأمر جلب من الغرب إذن، وأحدث بلبلة كثيرة لدى من يكتب ومن لا يكتب ومن يريد أن يكتب. الكتّاب يريدون التوقيع على الكتب، وغير الكتاب مدعوون دائما وبتزمت شديد لحضور توقيع الكتاب، والذين يريدون الكتابة، يحلمون أيضا بأيام طيبة، يمسكون فيها بكتب تحمل أسماءهم، ويكتبون على صفحاتها الأولى إهداءات لكل مشتر، إنه توقيع البهجة، نسميه في المشرق حفل التدشين، ويسمونه في أماكن أخرى مثل الجزائر، وربما المغرب أيضا: البيع بالتوقيع، وأظن أن الجملة المغاربية معبرة بالفعل، وفيها صراحة وإشارة إلى أن الذي يمنح إهداء من المؤلف، هو من يشتري، وليس من يقتني الكتاب من دون أن يدفع، وكنت أوقع كتابي النظري: ضغط الكتابة وسكرها في معرض الجزائر مرة، ومرّ أصدقاء عديدون، لم يطلبوا إهداء مجانيا، ولكن بيعا بالتوقيع.
معارض الكتب، خاصة الكبيرة منها، ليست في الحقيقة أجنحة غاصة بالكتب، وناشرين ممتلئين حماسا لتسويق إنتاجهم، وليست أيضا حفلات التوقيع المهولة التي ذكرتها، ولكن توجد تلك الفعاليات المصاحبة، ولعل كلمة مصاحبة تقلل كثيرا من أهمية الفعاليات، تماما مثلما تذكر، رئيسا زائرا لبلد ما، والوفد المرافق له، الفعاليات بالضبط، وفد مرافق لمعارض الكتب، وكانت ستكون أكثر زخما وحشدا للحضور لو وضعت أولا بسخاء شديد، بحيث تضم كل فكر شارد ووارد، وكل ثقافة ممكنة،، ووضعت الكتب مصاحبة لها، بحيث يخرج الناس من الندوة لصالة الكتب. هذه مجرد أمنية طبعا، وحتى لو حدث ذلك، فمن الممكن جدا أن لا يهتم أحد بالندوات، ويهتم فقط بالكتب ويذهب.
الذي أشاهده، أن قليلين فقط يعلنون عن مشاركتهم في أمسيات أدبية وثقافية، عكس جيش التوقيع الكبير، وكأنني بهم يتوقعون أن لا يحضر أحد، أو يحضر قليلون فقط بدافع المجاملة أو صداقة المتحدثين، أو حتى تعاطفا مع الأمسيات غير الجاذبة، فالكلام وإعادة الكلام، والنقد والفلسفة، وقراءة التجارب الخاصة بالمسيرة الكتابية للناس، جافة بعض الشيء، والقارئ يفضل دائما أن يقرأ كتابا في الوقت الذي يحبه، على أن يلتزم بسماع كاتب يتحدث.
على الرغم من كل ذلك، توجد بلاد لا تكتفي بالمعارض، ويحب جمهورها الفعاليات الثقافية بشدة، والذي يحضر أمسية شعرية أو أدبية عامة في السودان مثلا، سيفاجأ بجمهور كبير جدا، يحضر، وفيه عدد غير قليل، يرفعون أصابعهم، يودون أن يتداخلوا أو يسألوا، وتنتهي الأمسية وأصابع كثيرة مرفوعة لم تتح لها فرصة. أيضا شاهدت زخما غير عادي في مهرجان القراءة في الدمام، الذي نظمته أرامكو منذ سنوات ربما خمس أو ست سنوات، لا أذكر، وكأنني بالجمهور الكثيف كله، قراء جاءوا يشاركون في ذلك المهرجان.
على العكس حضرت مرة ندوة مصاحبة في أحد المعارض العربية، وكانت عن ترجمة الأدب من لغات عدة إلى العربية كما أذكر، حيث تحدث المحاضر عن إيجابيات وسلبيات عديدة، وكان الحضور أربعة فقط: أنا وصديق لي، ومصور فوتوغرافي، وصحافي كان ينظر إلى ساعته بين لحظة وأخرى، منتظرا أن تنتهي المحاضرة الخالية من الجمهور، ليدون شيئا متخيلا عنها.
حقيقة لا أنتقد توقيع الكتب في المعارض كما قد يتخيل الناس، وفقط أتساءل عن الذي سيقرأ والناس كلهم يكتبون؟ عن الذي سيحضر حفل توقيع لواحد وهو نفسه لديه حفل توقيع في الوقت نفسه، في صالة أخرى، وبي فضول شديد لأحضر كثيرا من حفلات التوقيع، وكلي أمل أن يكون موسما جيدا للكتاب وكاتبه.
٭ كاتب سوداني
سءاعطيكم سر السعادة وبدون كتاب او بحث فريق من علماء النفس ،
إن سر السعادة هو العطاء لمن يحتاج العطاء ،
إنكم ستحسون بسعادة من اعطيتم ، إن السعادة كالمرض المعدي ، فإن اسعدت ، سعدت .
العطاء حقا لمن يحتاج العطاء ، هو الذي يسعد وليس العطاء لشراء السعادة .
صح الله منطوقك
تحياتي لك