لا للبشير ولا للسيسي بل ديمقراطية غير منقوصة!

«لا فلول ولا إخوان / لا عسكر ولا إخوان، لسّه الثورة في الميدان» هما الهتافان اللذان أطلقهما الشباب الثائر في مصر في عام 2012، لاسيما في ميدان التحرير في القاهرة إثر الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية واحتجاجاً على نتيجتها. والكل يتذكّر كيف فاز بالمرتبتين الأولى والثانية في تلك الدورة مرشّح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، ومرشّح المؤسسة العسكرية وفلول نظام مبارك، الفريق أحمد شفيق، بينما كانت مفاجأتها الكبرى فوز المرشح الناصري الديمقراطي حمدين صبّاحي بالمرتبة الثالثة بفارق قلّ عن المليون صوت عن كلّ من الآخرَين، فضلاً عن فوزه بالمرتبة الأولى في القاهرة والإسكندرية وسواها من التجمعات المدينية الكبرى.
وقد رفض شباب الثورة ما رأوا فيه تهديداً للديمقراطية والحرية اللتين قامت «ثورة 25 يناير» من أجلهما، بالإضافة إلى المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي تقتضي تلبيتها تغييراً عميقاً في سياسات الحكم، الأمر الذي لم يكن مدرجاً على جدول أعمال أي من المرشحَين الفائزَين بالدورة الأولى. وإذ يقرّ معظم الناس بأن الحكم العسكري بكافة تلاوينه منافٍ للديمقراطية، ثمة غالبية عظمى من الناس ترى كذلك أن حزباً يريد إرساء السلطة على تفسيره للدين إنما يتنافى موقفه مع مقتضيات الحريّة والديمقراطية. لذا صاحبت تولّي محمد مرسي رئاسة الجمهورية المصرية ريبةٌ لدى غالبية شعب مصر مما سوف يحصل، وهي ريبة تشارك فيها جميع الذين لم يصوّتوا لمرسي في الدورة الأولى، أي أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين. وقد شكّل من صوّت منهم لمرشّح الإخوان في الدورة الثانية 60 في المئة من مجموع الأصوات التي حصل عليها، والحال أن معظمهم فعل ذلك من باب اختيار «أهون الشرّين».

الحقيقة ان مثال علاقة جماعة الإخوان في السودان بحكم عمر البشير الإستبدادي إنما يشكل تاكيداً صارخاً لريبة الناس من موقف الجماعة من الديمقراطية والحرية

هذا ما يفسّر السرعة التي تصاعد فيها الاستياء الشعبي من حكم محمد مرسي، الذي كان في حقيقة الأمر حكم مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، إذ أن الجماعة نسيت أن مرشّحها فاز بغالبية تألّفت من أصوات الذين لم يرغبوا به خياراً أولاً، فأخذت تستأثر بالحكم وتتصرّف بما أثار الذعر في نفوس غالبية المصريين، وهو ذعر عرفت المؤسسة العسكرية كيف تستفيد منه وتجيّره لصالح إعادة إمساكها بزمام السلطة السياسية مباشرة. والمصيبة أن شعار شباب الثورة نسيَه الكثيرون ومنهم قسمٌ كبير من شباب الثورة أنفسهم، فارتموا في أحضان المؤسسة لكي تنقذهم من الجماعة، وكانت النتيجة أنهم حصدوا حكم العسكر بديلاً عن حكم الإخوان، كالمستجير من الرمضاء بالنار!
والحقيقة أن مثال علاقة جماعة الإخوان في السودان بحكم عمر البشير الاستبدادي إنما يشكّل تأكيداً صارخاً لريبة الناس من موقف الجماعة من الديمقراطية والحرّية وتفضيلها لفرض الشريعة وغيرها من مظاهر التديّن على الالتزام الحقيقي بهاتين القيمتين الأساسيتين. ومهما تنصّل حالياً فرع الجماعة في السودان من عمر البشير إزاء الموجة الشعبية العارمة التي تهدّد بالإطاحة بدكتاتوريته، يبقى أنهم تواطأوا مع حكمه معظم الوقت منذ استلامه للسلطة قبل ثلاثين عاماً بواسطة انقلاب عسكري أطاح بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً التي كان يترأسها الصادق المهدي. وهذا التاريخ من شأنه أن يُبطل المصداقية عن احتجاجات الجماعة في مصر على الإطاحة بالرئيس المنتخب باسم تمسّكها بالشرعية الديمقراطية، إذ أن أي التزام بالديمقراطية يكيل بمكيالين حسب إن راق المنتخَبون لدعاة الالتزام أو لم يروقوا لهم، إنما هو متناقضٌ مع مقتضيات الموقف المبدئي. والأمر نفسه ينطبق بالطبع على الذين يتحجّجون بالدفاع عن الديمقراطية إزاء تهديدها من قبل الإخوان تبريراً لتأييد إستلام العسكر للسلطة كما حصل في مصر وصولاً إلى حكم عبدالفتّاح السيسي.
وبعد، فإن السيرورة الثورية طويلة الأمد التي انطلقت شرارتها من سيدي بوزيد قبل ثماني سنوات ونيّف، والتي تشهد اليوم في السودان إحدى أبرز محطّاتها، لن تعيد وضع المنطقة العربية على سكّة التقدّم التاريخي إلّا إذا عرفت كيف تشقّ طريقاً ثالثاً ملتزماً بالحرية والديمقراطية والمساواة الاجتماعية الحقيقية على مسافة واحدة من كافة أصناف الاستبداد، سواء تستّر بالدين أو تذرّع بمنع غلاة الدين من احتكار الحكم.

كاتب وأكاديمي من لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د.مصطفى سالم:

    شخصيا ، لست معجب fالإخوان ، وغير مؤيد لهم، لكنهم فازوا بانتخابات ، لم يعترض على نزاهتها ، ومع إعجابي بما يكتب الاستاذ جلبير الاشقر لكن قوله “صاحبت تولّي محمد مرسي رئاسة الجمهورية المصرية ريبةٌ لدى غالبية شعب مصر” هو مناقض للحقيقة، إذن من أنتخبه وكما ذكرنا إن الانتخابات نزيهة ..
    قضينا عمرنا نحلم بالديمقراطية، كان يجب المحافظة على التجربة المصرية وليس خيانتها .. بعد هذا العمر أدركت إن الثورية تعني لي إحترام الديمقراطية التي قد تقود لتيار أعتبره رجعيا مثل الإخوان ..
    ولو بقت التجربة المصرية لما كنا نتحدث عن مجازر و اعتقالات وما كنا نرى اخوتنا في غزة في حصار ، ولا تطاولت إيران في المنطقة بعد أن قزمت تجربة السيسي دور مصر
    إن انتصار الحركة التقدمية يحتاج تطوير خطابها وتفعيل دورها والإبداع في نشاطها ، وليس مواجهة خصومها خلف مؤسسة عسكرية، ستأكلها وفي أحسن الاحوال تحولها لطبول وشاهد زور ..
    .. نعم الديمقراطية تحتاج إلى وعي ، لكن عدم وصول الشعب لنفس مرحلة الوعي لا يبرر حجبها والتأمر عليها وخيانة نتائجها ..
    @mustafasalem

  2. يقول أحمد - لندن:

    تحية طيبة للكاتب

    هل لك ان تورد للقراء أمثلة تدلل كيف و أين استأثر الإخوان المسلمين بالسلطة في مصر؟ و اذا تم هذا الشئ أليس سيطرة و استثار حكم السيسي بالسلطة عشرات بل مئات أضعاف ما استطاع فعله الإخوان في أقل من عام في الحكم!

    هل لك ان تفسر لنا لماذا لم ينتفض الشارع على السيسي كما فعل على مرسي. لماذا استأسد الشعب المصري على مرسي و الى الان لم يتجرأ ببنت شفه على السيسي. الجواب بسيط يا سيدي لان حكم مرسي كان لا يؤمن بالعنف بل بالديمقراطية كان الدكتور مرسي يحمل رسالة و هي زرع الروح الديمقراطية و بناء مصر قوية ذات سيادة. لذلك فكانت اسرائيل اول المهنئين و المطبلين بالسيسي !
    اما السيسي فقالها بوضوح “اللي حيأرب من ام الدنيا، أنا حشيلوا من وش الارض”

  3. يقول سوري:

    كل من يعتقد أن الثورة المضادة انتصرت وأنها دفنت الربيع العربي إلى غير رجعة يكون مخطيء جدا فطالما استمر الاستبداد العربي ستستمر الشعوب المقهورة بثوراتها وما يشهده السودان اليوم هو حلقة جديدة من حلقات الربيع العربي وباعتراف من البشير نفسه
    والربيع العربي سينتقل إلى حلقات جديدة في بلاد الاستبداد

  4. يقول عمر:

    لو بحثت وقمت بتحقيق دقيق عن دعاة الديمقراطية, تراهم, عموماُ, هم الد اعداء الديمقراطية واشد المؤيدين للدكتاتوريات التي جميعهم بدون اسثناء يتم دعمهم من دول الغرب اللاديمقراطي التي تدعي الديمقراطية!؟ عن اية ديمقراطية إذاً تتحثون؟ دعاة التقدمية والليبرالية وبقية المذاهب, يحكمون بالحديد والنار منذ حوالي مئة عام, والعلمانيون بكل مذاهبهم ساكتون عليهم, لأن هذه الانظمة تحارب الاسلام فقط! المصيبة يدعون لديمقراطية غير منقوصة في نفس الوقت ايضاً!؟ إذاً من هم الذين ينادون ويؤمنون بالديمقراطية التي لا وجود لها بالاساس, وهل لنا ان نصدقهم, وإلى اي مذهب وفكر ينتمون هؤلاء الظلاميون الدمويون الذين دمروا الحرث والنسل؟ هل يستطيع احد ان يقارن بين السيسي وبشار, الذين بالتأكيد لا ينتمون للتيار الاسلامي, من جهة والبشير من جهة اخرى؟ طبعاً لست مؤيداً للبشير و لا اراه بالحاكم السوي!

إشترك في قائمتنا البريدية