الرباط –« القدس العربي»: تصاعدت المواجهات الإعلامية بين أحزاب الائتلاف الحكومي المغربي، مهددة استقرار الحكومة التي يرأسها سعد الدين العثماني، والتي ولدت ضعيفة، في نيسان/إبريل 2017. المواجهات التي أطلق رصاصتها الأولى التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي) بانتقادات عنيفة لأداء الحكومة.. كان لافتاً أنها تتحدث عن القطاعات التي يتولاها وزراء ينتمون للحزب نفسه، وهم من قدموا للحكومة مشاريع القوانين لإجراءات قوبلت برفض واسع انتقدها الحزب الذي يقول إن هذه المشاريع وما دامت قد نوقشت بالحكومة وأقرتها فإن رئيس الحكومة يكون هو المسؤول الوحيد عنها.
وشكل التجمع الوطني للأحرار، الذي يقول إنه سيفوز في تشريعيات 2021، رأس الحربة في مواجهة حزب العدالة والتنمية، ووجه له اتهامات بالإرهاب والارتباط بالخارج، كما شكل المعارضة داخل الحكومة وتحميل رئاستها مسؤولية كل الأزمات التي تعيشها البلاد رغم أنه يتولى كل الحقائب المرتبطة بالتنمية والاقتصاد والمالية بالاضافة إلى حقائب العدل والشباب والرياضة.
وحمل بلاغ للمكتب السياسي للأحرار مشاكل التجار الصغار إلى الحكومة السابقة والحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وهي المشاكل التي خلقها قرار للحكومة قدمه وزير المالية عضو قيادة الأحرار، بإجبار التجار على «رقمنة الفوترة» وأيضاً تصريحات الملياردير عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار ووزير الفلاحة والصيد البحري، التي حملت حكومتي العدالة والتنمية كل المشاكل التي يعاني منها المغرب، وهو ما دفع مصطفى الرميد الوزير المكلف بحقوق الإنسان والقيادي بحزب العدالة والتنمية، لمهاجمه التجمع الوطني للأحرار وزعيمه اخنوش.
وجاء هجوم الرميد في رسالة مطولة موجهة إلى أخنوش، نشرها على صفحته الرسمية على «فيسبوك»، متهماً أخنوش بكونه يهدم «مبدأ أساسياً من مبادئ الديمقراطية، التي اعتمدها الدستور المغربي، وهو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة»، وخاطبه: «كان مثيراً طريقة حديثكم عن موضوع (الصعوبات التي يعاني منها التجار) حيث لم تترددوا في تحميلها كاملة للحكومة السابقة والحالية. لقد جاءت صيغة البيان وكأن حزبكم يقع خارج الحكومة لا داخلها، حزباً أجنبياً عن التدبير الحكومي، وليس حزباً له وزراء يتحملون النواة الصلبة من المسؤوليات الحكومية ذات العلاقة المباشرة بالموضوع، (وزير الاقتصاد والمالية ووزير الصناعة والتجارة) …».
وقال الرميد مخاطباً اخنوش: «إذا لم تكونوا في التجمع الوطني للأحرار مسؤولين عن سلبيات التدبير باعتبار أن رئيس الحكومة هو من وافق على مشروع قانون المالية في الأولى والثانية، وبالتالي تحملون رئيس الحكومة السابق والرئيس الحالي المسؤولية الكاملة عن مشاكل التجار، فهل تقبلون بتحميل رئيس الحكومة كل المشاكل والعثرات، في مقابل مسؤوليته أيضاً عن كل الإنجازات والنجاحات؟ أم أنكم ستحملونه فقط الأولى وتنسبون لحزبكم الثانية؟ أليس عدم تحمل المسؤولية عن سلبيات التدبير الحكومي كما الحال بالنسبة لإيجابياته هو ما يدفع الناس إلى النفور من العمل السياسي، لقيامه على الغموض والانتهازية…؟ أين هو إذن خطاب الوضوح والصراحة في كل هذا؟ مع العلم أن الأمر يتعلق بمشكل وطني له أهميته وحساسيته التي يمحص فيها من يتحمل المسؤولية في الأوقات الصعبة، ومن يتملص منها بالشعبوية والسياسوية التي تفضلتم مشكورين بالتحذير منها عن حق».
وأكد الرميد على أهمية تبني خطاب الوضوح والصراحة ونبذ السياسوية، منتقداً تهرب أخنوش وحزبه من تحمل المسؤولية: «إنه إذا كان من حق حزبكم المحترم أن يطالب الحكومة بكل الإجراءات التي يرى اقتراحها لمعالجة كل النقائص والمشاكل، فإنه من غير المقبول أن يحمل الحكومتين السابقة والحالية المشاكل والصعوبات الناجمة عن التدبير الجماعي للسياسات العمومية، بصيغة تبعث على الظن بعدم مسؤوليتكم عنها، باعتبار حزبكم مشاركاً في الحكومتين»، وأن «مشكل التجار يرتبط بقطاعين يدبرهما حزبكم، وبالتالي فإنه إذا كانت الحكومة مسؤولة مسؤولية تضامنية، وهي كذلك، فإن التدقيق يفضي إلى أن الحزب الذي يدبر قطاع الاقتصاد والمالية والصناعة والتجارة تبقى مسؤوليته أكبر وأثقل».
وتساءل الرميد: «إذا كنتم في التجمع الوطني للأحرار غير مسؤولين عن تدبير وزرائكم، فمن المسؤول إذن عنهم وقت تقديم الحساب في زمن الانتخابات؟»، وقال إن بلاغ التجمع «تضمن مغالطات ما كان ينبغي أن يقع فيها حزب بمستوى حزبهم الذي يفترض أن فيه أطراً عليا محترمة تنتمي إلى عالم المال والأعمال».
واستغرب الرميد انتقاد التجمع قرار اعتماد نظام رقمنة الفواتير، الذي أثار غضب التجار الصغار، مع أنه من اقتراح وزير الصناعة والتجارة وهو عضو ينتمي إلى التجمع، وأكد أن رسالته المفتوحة «لا تتوخى سوى تأكيد القواعد البدهية في أي عمل حكومي، والمسؤولية الثابتة لكل مكونات الحكومة، لا فرق بين وزير ووزير، أو حزب وحزب، إلا إذا كان قد رفض الإجراء المتخذ قبل أن يُتخد، وعبر عن رفض القرار قبل أن يقرر، أما المصادقة الجماعية على مشروع قانون في الحكومة، وفي البرلمان من قبل الأغلبية ثم بعد ذلك التنكر له فإنه يتنافى مع بدهيات الديمقراطية والمسؤولية الحكومية المشتركة».
ورد عبد الله غازي، عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، على رسالة الرميد وكتب على صفحته تحت عنوان «إحالات لطيفة لتذكير صاحب الرسالة المفتوحة!» واتهم فيها الوزير الرميد بأنه يضع «رِجلاً هنا وأخرى هناك، ويمارس معارضة الويكاند بعنتريات انفصامية، لم تستثن خراطيشكم كل ما يتحرك بما في ذلك كل البنيان المؤسساتي وكل ما تبقى من منسوب الثقة في الممارسة السياسية!..كل هذا كان في إطار ما أحلى الزبدة وثمن الزبدة في الآن نفسه!..».
وذكّر البرلماني غازي، المقرب من أخنوش، الرميد بما حصل ليلة تشريعيات 7 تشرين الأول/ أكتوبر «حيث «الازدواجية الحقيقية»، والوقوف خلف أمين عام حزبك «المتقاعد الگبري» عوض الحضور بجانب وزير الداخلية محمد حصاد لتعلمنا النتائج الأولية للانتخابات؛ حيث مكانك الطبيعي لأنك كنت المشرف القانوني في اللجنة المركزية للإشراف على الانتخابات كوزير للعدل!» وأن ذلك «موقف جبان استباقي لاتهام الإدارة بالتزوير في حالة عدم تبوؤ حزبكم للريادة !..هذه كانت في إطار «لاعبين أو لا محرّمين !!!”
خاطب غازي الوزير الرميد: «قمة الانفصام يا ربان إصلاح العدل والقضاء هي أن تجحظ عينيك مدافعاً عن استقلال القضاء هنا وإزاء هؤلاء، وبـــنفس «السنطيحة» أو أكثر تشككاً في نزاهة نفس القضاء هنالك ولصالح مواليك !!! تفعلها وأنت وزير سابق للعدل يسجل أجرأة استقلال السلطة القضائية ضمن إنجازاته، تجرؤ على نقيضها وأنت وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان في حكومة يقودها حزبك في ظروف أمّ أزماتها هي انـــعدام الثقة في المؤسسات! كل هذا الانفصام».
واتهم القيادي في التجمع في رسالته المفتوحة للرميد بـ«الازدواجية في القناعات، بل في الولاء، أيها الوزير الشاهد على عصور غير عصور الرق، هو أن تتحمل أنت وإخوتك أسمى المسؤوليات والمهام في دولة لها خياراتها التشريعية المؤطرة للحياة العامة والمدنية، وتنتصبون شهوداً على قرآن الفاتحة لعراب جماعة خونجية الكنانة؛ ضاربين عرض الحائط مجهودات الدولة طيلة عقود للقطع مع تصرفات عرفية لا تتماشى مع المقومات المؤسساتية للدولة الحديثة!» وصف رسالة الرميد بأنها «خرجة زوبعة تستهدف الأبصار، زوبعة لن تحجب ولن توجه الأنظار عن افتضاح العورات، ولن تعيد ورق التوت لمكانه».