بيروت – «القدس العربي»: تحت عنوان عريض على الصفحة الاولى «20 عاماً… وما خلصت الحكاية» أوقفت جريدة «المستقبل» الصدور بالنسخة الورقية طاوية 6585 عدداً منذ 14 حزيران/يونيو 1999 أرّخت عقدين من عمر البلد، تأرجح كما لفتت الصحيفة «بين الأفراح والأتراح، السلم والحرب، النضالات والخيانات، التسويات والتحالفات، الغزوات وجلسات الحوار التي امتدت على منوال ألف ليلة وليلة، فكان بعضها مثمراً أو مسكناً في الساحات التي احتدمت بالمطالب المعيشية والوطنية وبغايات الأحزاب والأطراف والطوابير».
وأوجزت الصحيفة في عددها الورقي الأخير قبل انطلاقتها الرقمية الجديدة التي ستكون في 14 شباط 2019 حكاية وطن وجريدة بمختارات من أبرز «المانشيت» السياسي والأحداث التي عصفت بالبلد على مر العقدين الأخيرين، ومنها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومحاولة اغتيال النائب مروان حماده وذكرى 14 آذار وتشكيل المحكمة الدولية ووفاة الرئيس ياسر عرفات. وأوضحت «أن العدد الاول من الجريدة أكد على مهمة عودة الإنماء والإعمار وهو الهدف الذي سعى إليه الرئيس رفيق الحريري من خلال مجموعته الإعلامية التي استمرت على النهج المعتدل وفق ثبات الرئيس الشهيد في أن «ما حدا أكبر من بلدو» ومقولته الشهيرة «لا تصدق كل ما تسمعه أذناك وصدق نصف ما تراه عيناك واترك النصف الثاني للعقل». وأكدت الصحيفة « أنها كانت المشروع المناوئ لمشاريع التمديد والتهديد والوصاية وضرب السيادة والفوضى ومحاولات تفريغ البلد وكتم أصوات الأحرار ورفض الاغتيالات»، مشيرة الى أن لها «حصة».
من حصار بيروت في السابع من مايو/ أيار من العام 2008 دمار أصاب المبنى في الرملة البيضاء وأذى لحق بالعاملين والإداريين الذين حرصوا على الصدور من دار الصياد إنما لتبقى الكلمة بالمرصاد في مواجهة الحركات الانقلابية وفوضى الشارع والانتصارات الوهمية ومحاولات الاستفزاز والتهويل والتشبيح، ولتشهد «المستقبل» من بعد اتفاق الدوحة على مرحلة جديدة فيها «مانشيت» ثورة الأرز والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ووصايا الشهداء وحكومات العهود وبناء دولة المؤسسات والانسحاب السوري ونبض أهالي العسكريين الذين استشهدوا في مقاومة ودحر الإرهاب، وفيها العين الراصدة لآلام النازحين واللاجئين وأفول أنظمة عربية وارتقاء أخرى «.
وختمت الصحيفة « أن العزاء يبقى في أن «الحكاية ما خلصت»، وتستمر المهمة بأشكال أكثر حرفية وأنماط إعلامية باتت تفرض نفسها على الساحة الإعلامية، تماماً كما يحدث في العالم ومن حولنا.
إلى ذلك، كتب مستشار الرئيس سعد الحريري هاني حمود على الصفحة الأولى أنه «قبل انقضاء القرن والألفية الماضيين بعام، أطلق رفيق الحريري جريدته، «المستقبل». يومها كان في المعارضة، في معركة ظاهرها مع إميل لحود، وحقيقتها مواجهة مع نظام الوصاية، ومع مشاريع متقاطعة لشفط النخاع الشوكي من وطن سحر رفيق الحريري بتركيبته وأهله وإمكاناتهما. بعد ذلك بخمس سنوات، دفع رفيق الحريري ثمن وقوفه في وجه هذه المشاريع، بدمه. ولم تنتهِ المواجهة. تحوّلت جريدته من المعارضة إلى الثورة، ثورة اللبنانيين على واقع كان العالم كله يتواطأ على إقناعهم بأنّ شيئاً لا يمكن أن يغيّره، فإذا بهم يثبتون العكس». وقال «عشرون عاماً حوّلت جيلاً من القراء إلى مستهلكين يشعرون أنّ 120 حرفاً، أنّ كلمات لا يتخطى عددها مساحة شاشة هاتفهم الذكي، كافية لجعلهم يعرفون. فباتت معركة المحررين اليومية في جريدة «المستقبل» – كما كل صحف العالم على ما أفترض – إيجاد عنوان لا يشعر القارئ أنه رآه في الليلة السابقة، على شاشة هاتفه الذكي، بين رسالة نصية من قريب أو صديق، ومقتطف فيديو غريب وإن مركّب، رافقه إلى وسادة نومه.
وعشرون عاماً، أنتجت في نهايتها جيلاً جديداً، تحوّل من قارئ إلى ناشر، يُنافس الصحف بأخبار ينشرها هو، ويبارز كتابها بآرائه هو، على وسائل التواصل الاجتماعي. جيل لم يعد يقبل أن يقف بينه وبين الخبر محرر محترف في التدقيق باللغة والمعلومات والمصادر، ولا كاتب اعتنق الفكر قضية قبل أن يجرؤ على إبداء الرأي. جيل بعض معرفته من 120 حرفاً، ينشر الخبر ويبدي الرأي عبر الفضاء الرقمي المفتوح، حتى لو اختلط الخبر بالشائعة ولم يتجاوز الرأي الغريزة».
وأضاف حمود «حسناً، غداً، يبدأ جيل جديد. جيل بلا… «مستقبل» في طبعتها الورقية، وجيل ستنتهي معه، عاجلاً أم آجلاً، كل الصحافة المطبوعة. عشرون عاماً جديدة، تبدأ اليوم، ولن تتنتهي فيها المواجهة. وستبقى فيها «المستقبل»، هذه المرة على منصة رقمية، تتنافس فيها مع قرائها – الناشرين الجدد، تتأقلم مع الفضاء الجديد، وتواكب ثورات التكنولوجيا، والاتصالات، خدمة لثورتها الأصلية، لثورة من أطلقها أساساً، في مواجهة المشروع الأصلي لقتل وطن، لا يموت، بل يتأقلم ويصمد، ويبقى دائماً شاخصاً إلى … «المستقبل».