نواكشوط من دون “عبد الناصر”.. تعزيز للهوية أم اعتداء على الذاكرة؟

حجم الخط
4

نواكشوط- محمد البكاي: تشهد موريتانيا سجالا سياسيا وتاريخيا منذ أن أشرف رئيسها محمد ولد عبد العزيز، في 27 يناير/ كانون الثاني 2019، على تغيير اسم أبرز شوارع العاصمة نواكشوط، والذي سُمي، منذ سبعينيات القرن الماضي، باسم الزعيم المصري الراحل، جمال عبد الناصر (1918- 1970).

الشارع صار اسمه “الوحدة الوطنية”، بعد أن كان يحمل اسم عبد الناصر، الذي يعتبره البعض أبرز زعيم عربي، لما قدمه من دعم لدول عربية وإفريقية في مواجهة الاستعمار الغربي.

أقامت الحكومة حفلا لإعلان تغيير اسم الشارع، بعد نحو أسبوع من مسيرة نظمتها الحكومة في العاصمة، وشارك فيها ولد عبد العزيز، ضد ما تقول الحكومة إنه “خطاب كراهية وتفرقة بين مكونات الشعب الموريتاني”.

وشهد الشارع مسيرات عديدة مناهضة لنظام ولد عبد العزيز، الذي وصل إلى السلطة، عام 2008، عبر انقلاب عسكري أطاح برئيس منتخب، هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

قبل أن يحمل الشارع اسم جمال عبد الناصر، كان يُسمى شارع “الكثيب”، بحسب وسائل إعلام محلية.

يبلغ طوله حاليا 3 كيلومترات و320 مترا، ويقع في قلب نواكشوط، ويمر غير بعيد عن كل من قصر الرئاسة ومبنى البرلمان.

يضم الشارع مؤسسات حكومية وبنكية ومرافق خدمية، منها المستشفى الوطني والإذاعة الرسمية وقصر العدل.

يضم الشارع، الذي يقع في قلب نواكشوط، مؤسسات حكومية وبنكية ومرافق خدمية، منها المستشفى الوطني والإذاعة الرسمية وقصر العدل

** الوحدة الوطنية

وخلال حفل تغيير اسم الشارع، قال وزير الداخلية أحمد ولد عبد الله، إن إطلاق اسم “الوحدة الوطنية”، على أهم شارع في نواكشوط، يمثل “أصدق دلالة وأعمق معنى على ما تعيشه البلاد من وحدة وانسجام، في ظل البرامج الجادة والملموسة لحماية حقوق الإنسان، والقضاء على مخلفات الرق، ومحاربة الجهل والفقر، وكافة أشكال التهميش، في سبيل الوحدة والانسجام، استلهاما للمرجعية الإسلامية للشعب والدولة”.

واعتبر ولد عبد الله، أن هذه الخطوة تمثل حرصا على صيانة الهوية، وتعزيز دعائم الوحدة الوطنية.

ولفت إلى أن الشارع احتضن في 9 يناير 2019، “مسيرة الشعب الموريتاني لنبذ العنف وخطاب الكراهية”.

وأعلنت الحكومة أن تغيير اسم الشارع “يأتي ضمن استراتيجية ستشمل العديد من شوارع العاصمة، حيث سيتم إعطاؤها الطابع الوطني”.

** سجال سياسي

ومنذ تسربت أنباء عن اعتزام الحكومة تغيير اسم الشارع، يتصاعد جدل في الأوساط السياسية وبين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حول هذا الشأن. وأعربت قوى سياسية عديدة عن رفضها لقرار تغير اسم الشارع.

ومنذ اعتزام الحكومة تغيير اسم الشارع، يتصاعد جدل في الأوساط السياسية وبين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حول هذا الشأن

وقال حزب الاتحاد والتغيير (معارض)، إن نظام ولد عبد العزيز، “دأب خلال السنوات الأخيرة على تغيير الذاكرة الوطنية، من أجل أن تكون الدولة بدأت مع مجئيه فقط، ولا تملك تاريخا ولا ذاكرة”.

واعتبر الحزب، في بيان، أن تغيير اسم الشارع “اعتداء على الذاكرة الوطنية للبلد”.

وتابع: “نرفض التعامل مع الرموز والذاكرة الوطنية بمنطق التجارة، وهو المنطق الذي يطبع جل قرارات وممارسات النظام”.

كما عبر “تيار الطليعة التقدمية”، عن رفضه لتغيير اسم الشارع، معتبرا أن “نزع اسم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، عن أهم وأشهر شارع في نواكشوط، أمر غير مناسب”.

ودعا التيار ذو التوجه الناصري، في بيان، السلطات إلى التراجع عن هذا القرار.

لكن وزير الثقافة، المتحدث باسم الحكومة، سيدي محمد ولد محم، قال في مؤتمر صحافي، الخميس الماضي، إن تغيير اسم الشارع “ليس استهدافا ولا تقليلا من قيمة أحد.. نحن أعطينا الأسبقية لأنفسنا فقط”.

** رموز موريتانيا

بشكل أكبر، تفاعل الموريتانيون مع القضية على منصات التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ورافض لحذف اسم عبد الناصر.

وعلق الروائي والمحامي، محمد أمين، على هذا السجال بقوله: “عبد الناصر، رحمه الله، ليس محل إجماع لا في مصر ولا في غير مصر، وبالمناسبة فقد كان عسكريا مصريا فاشلا في كل حروبه”.

واعتبر أن عبد الناصر، “من قضى على التعددية ببلاده، له مناقب كثيرة، منها دعمه لحركات التحرر في إفريقيا والعالم.. وعلى كل حال لم يكن موقفه من استقلالنا وديا”.

وأضاف أمين، عبر حسابه بموقع “فيسبوك”: “بالعكس موريتانيا وقفت معه في محنه، والرئيس المؤسس (المختار ولد داداه 1960- 1978) احتفظ له بكثير من الإعجاب والتقدير. تسمية الشارع الأكبر بالبلاد عليه لا تليق وفيها ترخص مع تاريخنا وتتفيه لرموزنا، وأظنها خرجت من لحظة عاطفية جدا”.

** عقلية التغيير

على الجانب الآخر من السجال، قال الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (إسلامي/ معارض)، محمد جميل ولد منصور، إنه “ليس من المناسب أن نتعامل مع كل ما ورثناه من تاريخ الدولة الوطنية بعقلية التغيير والتغيير فقط”.

وتابع ولد منصور، في تدوينة على “فيسبوك”: “هناك أمور ورموز وأسماء تعَوّد الناس عليها، وليس من اللائق محو هذه الذاكرة والإساءة للمناسبات التي أفرزتها، وأسماء الشوارع تعبر عن استحضار لحظات تنتمي لوقتها وزخمها، وليس واردا محاكمتها خارج سياقها وزمنها”.

واستغرب عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي تغيير اسم شارع يحمل اسم زعيم عربي بارز، بينما لم يتم تغيير أسماء شوارع أخرى غير بعيدة تحمل أسماء زعماء غربيين، بينهم الرئيسان الفرنسي شارل ديغول (1890- 1970)، والأمريكي جون كيندي (1917- 1963).

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول tarrasteno:

    أستغرب لبعض الموريتانيين.
    عبد الناصر ليس مواطنا موريتانيا بل هو مجرد مواطن مصري بارع في الثرثرة لكنه فاشل في السياسة و العسكرة و كل من يدافع عن الذاكرة عليه أنْ يعرف أنّ عبد الناصر هو صاحب ” كيف تخسر الحرب في 6 أيّام ” …

  2. يقول الصعيدي المصري:

    الاجيال الجديدة في مصر .. ذاتها .. اعادت النظر في قراءة شخصيات يعينها في التاريخ المصري الحديث والمعاصر
    خاصة بعد انعتاق الاجيال الجديدة نت صوت الابواق والاعلام والمناهج الدراسية ذات الاتجاه الواحد
    اغلب من قادوا الوعي المصري خاصة بعد ما سمي بثورة 52 – هم نخب يسارية وناصرية حرفت التاريخ والمناهج الدراسية للصغار والكبار
    لم يعد عبدالناصر بالنسبة للاجيال الجديدة في مصر هو ذاته عبدالناصر في وعي جيل الاباء والاجداد والذين غالبهم من البسطاء الذين تم السيطرة على عقوبهم باعلام لم يكن يحمل اي ذرة من ضمير صور لهم الهزائم والفشل والاستبداد – نصرا ونجاحا وحرية
    فإذا كان المصريون بأنفسهم اعادوا قراءة تاريخ بعض رموزهم – فأولى بالشعوب العربية ايضا ان تنعتق من ثقافة – صوت العرب – البائدة لصاحبها عبدالناصر – وبصوت مذيعها احمد سعيد

  3. يقول مراكش:

    وأستغرب أيضا للموقف العام منه مع العلم أنه لم يحقق أي شيء للعرب ولا لغيرهم، ذاكرتي تحتفظ له بإعدام مجموعة من الشيوخ أبرزهم سيد قطب؛ الكلام عنه في نظري يدخل ضمن ما يقال فيه تمخض الجبل فولد فأرا.

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    والامر نفسه ينطبق على صدام والقذافي وغيرهم ولكنهم فقط كانوا مساندين للقضية الفلسطينية اكثرر من غييرهم من القادة العرب والمسلمين رغم انهم سبب خراب بلدانهم ,كل ما في الامر اننا عاطفيون ولا نستخدم عقولنا لنقيس الامور

إشترك في قائمتنا البريدية