في السرديات الشفهية هناك كثير من القصص التي يتم تداولها، والتي تدور حول تاريخ البغاء كممارسة اجتماعية في العالم العربي، بما في ذلك التقنين الذي كان سائداً خلال القرنين الأخيرين في عدد كبير من الدول لبيوت الفاحشة.
مشكلة السرد الشفهي، وإن كان يمثّل جانباً لا يمكن للباحث، خاصة في مثل هذه القضايا، أن يتجاوزه، هو أنه يكرّس لمجموعة من الأساطير التي قد لا تستند إلى وقائع موضوعية، فمن ادعاء البطولات الشخصية، إلى التنميط الذي يتم فيه جمع بعض الأشخاص من خلفية معينة داخل وعاء واحد أو صفة واحدة، إلى غير ذلك مما يقدّم كونه «حقائق» مثبتة، في حين أنه لا يعدو أن يكون مجرد أساطير.
من تلك الأساطير و»الحقائق غير الحقيقية» ارتباط نشأة بيوت الدعارة بالمحتل الأجنبي، وهي ما كان يتم التأكيد عليه إبان مساعي تجريم تجارة البغاء، التي انتشرت في أكثر من بلد منذ أواسط القرن العشرين، حيث كان كثير من أصحاب دعاوى التجريم يبنون دفوعاتهم على كون هذه العادة الدخيلة وغير الأخلاقية، قد وردتنا مع وصول المحتلين الذين كانوا يحرصون على إلهاء الناس ونشر الفساد في المجتمعات العربية. هناك ارتباط لا ينكر بين وجود الاحتلال ورعايته لحركة التغريب، وازدهار هذه البيوت على جوانب المدن، لكن الاحتلال لم يكن ليجرؤ على فرض هذه الثقافة، لولا أنه كان لها أصل مجتمعي وقدر من الاستحسان، فالمعروف أن معظم الغزاة كانوا يتعاملون بحذر شديد في ما يتعلق بالمسائل ذات العلاقة بالأخلاق، لعلمهم بحساسية الشعوب إزاءها. أما ما قامت السلطات الأجنبية الغازية بالاجتهاد فيه فهو، في المقام الأول، تنظيم هذه المهنة وحماية العاملات فيها، وتوفيق أوضاعهن بحيث يصبح نشاطهن إيجابياً عليهن وعلى الدولة، من خلال المردود والعوائد المالية التي تعود عليها نظير الحماية والرعاية.
لتوضيح ذلك يمكن التمثيل بالدعاية التي رافقت التغيير السياسي الذي أتى به المهدي المؤسس في السودان، التي كانت تستند إلى محاربة الفساد الأخلاقي، بما فيه انتشار البغاء. كان السودان يخضع في ذلك الوقت، الربع الأخير من القرن التاسع عشر، للحكم العثماني، تحت مظلة التاج المصري، إلا أن بلاد مصر والسودان لم تكن استثناء في هذا، حيث أنه، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، أصبح التصريح بفتح بيوت للدعارة أمراً معتاداً في أكثر من بلد من البلاد العثمانية. المبررات خلف ذلك التصريح والتقنين قد تكون هي المبررات نفسها التي يطرحها البعض اليوم داعين لإعادة فتح هذه البيوت، أو عدم التعرض لها إذا كانت ما تزال مفتوحة، فهؤلاء يرون أن جمع المومسات تحت بيوت معروفة، وفي أماكن محددة هو أفضل من ذوبانهن في المدينة، باعتبار أن القضاء التام على البغاء غير ممكن، وأن كل ما سيحصده المجتمع في حالة الإصرار على إلغاء التقنين سيكون ممارسات عشوائية قد تقود صحياً إلى استفحال الأمراض، واقتصادياً لخسارة الدولة لجزء كبير من عوائدها.
كان أحد المبررات كذلك، إذا استحضرنا الواقع السياسي المضطرب الذي كانت تعيشه السلطنة العثمانية في أواسط القرن التاسع عشر، هو توفير ملاذات جنسية للجنود، الذين كانوا مطالبين بالتواجد على أكثر من جبهة. هذه النقطة الأخيرة في غاية الأهمية، وربما يجب على من يتطرق لهذا المبحث، عوضاً عن التركيز على اتهام «الآخر» بأنه قد تسبب في ازدهار هذه البيوت، أن يبحث منهج السلطات الحاكمة، وعلاقتها ببيوت الدعارة، وفق ما سبق إليه باحثون غربيون كانوا أكثر جرأة وهم يفصّلون لرؤاهم عن الارتباط بين السلطة والجنس في المجتمعات الأوروبية. إن ما يحدث عندنا هو تجنب أغلب الباحثين في التاريخ الاجتماعي للمدن العربية التطرق لهذا الموضوع، الذي يعتبرون أنه من ناحية حساس، ومن ناحية أخرى مسيء لصورة البلد الذي يجب أن يظهر تاريخه مشرفاً وناصعاً. هذه المشكلة لا تعيق البحث في هذا الموضوع فقط، بل في أغلب الموضوعات ذات الطبيعة التاريخية أو الاجتماعية، حيث نميل في غالب الأحوال لانتقاء ما نرى أنه جدير بالتقديم، في حين نغض الطرف عن كل ما هو مشين. هذه الطريقة الانتقائية تفقد الدراسات التاريخية فحواها وجدواها، فإذا كان التاريخ قد وجد للاستفادة منه ومدارسته فإنه يجب أن يحكى بشكل كامل ومحايد. التطرق بشكل جاد لهذا الموضوع قد يسلط كثيراً من الضوء على قضايا كنا نظن أنها ليست ذات صلة. يمكننا، على سبيل المثال، طرح تساؤل حول الارتباط بين ازدهار بيوت الدعارة في عدد من المدن العربية إبان تبعية هذه الدول للظل العثماني، الذي يرفع الراية الإسلامية، وقبول العرب السهل لفكرة الانسلاخ عن ذلك التاج الذي فقد مع مرور الزمن مبررات الانتماء إليه.
الاحتلال لم يكن ليجرؤ على فرض ثقافة البغاء، لولا أنه كان لها أصل مجتمعي وقدر من الاستحسان
هذا السؤال سوف يعيد إنتاج أسئلة أخرى حول حقيقة السلطة العثمانية في أواخر أيامها، وهي السلطة التي كانت تستمد شرعيتها السياسية من كونها خلافة وامتداداً لسلطة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، رضي الله عنهم أجمعين، خاصة أن هناك من اعتبر أن نقض تلك الخلافة كان كبيرة من الكبائر، وأن العلماء الذين رأوا أن نظام الخلافة ليس أولوية، خاصة إذا بدأ في الإضرار بمصالح الغالب من الشعوب الإسلامية، إنما كانوا عملاء أو، على أحسن تقدير، مغررا بهم.
الكتب والدراسات التي تتناول بعمق هذه القضايا ما تزال نادرة، وفي كثير من الأحيان يحدث نوع من الفصل بين الكتب التي تتناول التاريخ الاجتماعي، أو السياسي للمدن بشكل عام، وتلك التي تتناول الموضوعات ذات الطبيعة الجنسية، ما يولّد انطباعاً بأن هذه الأخيرة مجالها مجالس الترفيه واللهو، في حين يكون مكان الأولى هو حلقات العلم والدراسة. آخر ما اطلعت عليه من الدراسات الجادة في هذا المجال كان كتاب «بيوت الخفاء في حلب الشهباء» للكاتب إياد جميل محفوظ، الذي يتناول تطور انتشار هذه البيوت في مدينة حلب السورية خلال القرن العشرين، الذي عاشت فيه المدينة تحت الحكم العثماني، ثم الفرنسي، قبل أن تدخل العهود الوطنية ليتم في عام 1961 إلغاء تراخيص هذا النشاط إبان الوحدة مع مصر. من الفوائد التي نجدها في هذا الكتاب تأريخه لحركه الرفض المجتمعي التي صاحبت تقنين هذه البيوت وشرعنتها، حيث تظهر هنا شخصية الشيخ محمد راغب الطباخ، الذي اعترض على قرار الوالي العثماني الذي صدر عام 1900. اعتبر الشيخ أن التحجج بالتخفيف عن الجنود غير منطقي، وأن الأولى هو منحهم عطلة للعودة إلى زوجاتهم بما يكفل إحصانهم وإحصانهن.
لا يمكن فهم كل ذلك بمعزل عن السياق التاريخي الذي كانت تعيشه السلطنة العثمانية التي بدأت تفقد مع نهاياتها بريقها الإسلامي، لتصبح أقرب إلى الليبرالية السياسية على الطريقة الأوروبية، تحت حجة التمدين كانت السلطنة تقترب أكثر فأكثر من العلمانية التي لم يكن أتاتورك ليأتي بها من فراغ لولا أن افتتاناً كان قد أصاب بالفعل جمهرة المتعلمين والمثقفين بالحضارة الغربية. لم يأت كل ذلك التغيير من لا شيء، تماماً كما لم تأت بيوت الدعارة التي رعتها سلطات الاحتلال والانتداب من عدم.
كاتب سوداني
في إحدى حواري اليهود في مدينة عربية كان ” انحَيِّس ” يشتري من الفَلّاحة المادة الأولية لصنع الخمر يقوم بالتقطير ويتبوّل فيه ثم يبيعه لشاربي الخمر من تلك المدينة في حانته وكل منهم يعرج على الماخور ودار القمار . كان يحصل ذلك في حارة اليهود زمن الإستعمار الفرنسي إلى أن فروا إلى فلسطين.
هو التناقض الصارخ في احوال مجتمعاتنا فنحن نعمل بالخفاء دائما فكل من يريد ان يلغي دور البغاء ان وجدت او تجريم البغاء ستراه هو اول من يمارسه بالخفاء ولكن بطرق مختلفة,فان كان العثمانيون وهم خلفاء المسلمين لم يغلقوها في دولتهم الواسعة لمعرفتهم باهميتها ولا زالت في ترركيا الحالية منتشرة
زرت تركيا لاول مرة في عام 1976 و من جملة ما لاحظت فيها ان الشحاذين يحملون رخصة على صدورهم و ان هناك دور بغايا مرخصة. و أذكر عندما ناقشت بعض الشباب الاتراك عن مبرر وجود هذه الدور قالوا انهم بعيدون عن زوجاتهم وان وجود هذه الاماكن يحمي المجتمع لانه يشكل البديل عن تصيد بنات الناس !!
I think this is only relates to small percentage of the society. We cant generalize that the whole society is corrupt. Additionally, I dont the issue is importance to write an article on it at a time where Sudan and other Arab countries are going through Social change.