هناك مواقف، شئت أم أبيت، تفرض عليك أن تقف لها احتراما وتقديرا وتنحني إجلالا لأصحابها، لأنها مواقف نابعة من منطلقات إنسانية وأخلاقية ومبدئية، تحترم القوانين الدولية والإنسانية وقرارات الشرعية الدولية التي لا تحترمها «رائدة العالم الحر» الولايات المتحدة، التي تسمح لنفسها وطبعا إسرائيل بانتهاك كل هذه القوانين والقرارات، كما حصل في الحرب على أفغانستان وعلى العراق، وتدمير سوريا وليبيا واليمن، وطبعا كما حصل ويحصل مع أم القضايا فلسطين، من خروج عن الإجماع الدولي وحتى الموقف الأمريكي المتعارف عليه، بشأن القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها.
وتحاول ادارة ترامب أن تزيد هذا التخريب والتدمير والقتل وتفتيت النسيج الاجتماعي في هذه الدول، وللعرب طبعا نصيب الأسد فيها، لأنهم عاجزون عن الذود عن حماهم، وتحاول هذه الادارة أن تزيد جرائمها بالعمل على الإطاحة بالرئيس الفنزويلي الشرعي نيكولاس مادورو، بمبررات وذرائع لا تقنع سوى من يريد أن يقتنع بها، وبالتأكيد فإن أهداف هذه الحملة الظالمة على الشعب الفنزويلي، ليست من أجل حريته وكرامته.
أنا لن أدافع عن نظام مادورو والاخطاء التي وقع فيها، ولن اختلف كثيرا مع من يقول إنه نظام غير ديمقراطي، وإن الانتخابات التي جاءت به رئيسا للمرة الثانية كانت انتخابات مزيفة، ولكنني اختلف معهم في الاستنتاجات. فهذه الإدارة ومن يقف إلى جانبها، يمارسون اعتداء صارخا على الشعب الفنزويلي، وهو اعتداء حتما سيقود إلى حرب أهلية وإلى مجازر، خاصة إذا ما نفذت إدارة ترامب تهديدها بغزو فنزويلا، في حال لم يسلم مادورو السلطة لصالح خوان غوايدو رئيس البرلمان الذي تعترف به.
إنها مؤامرة معدة مسبقا، فبعيد إعلان نفسه رئيسا بدقائق، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تأييده، داعيا الجيش إلى استعادة الديمقراطية وتقديم عون اقتصادي قدره20 مليون دولار.
وهم يتحدثون عن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها الشعب الفنزويلي، رغم اعترافهم بان العقوبات التي تفرضها واشنطن على فنزويلا لعبت دورا أساسيا في خلق هذه الأوضاع. ألا يدفعنا ذلك إلى طرح السؤال التالي «أليس ممكنا أن التدخل الامريكي له علاقة بالنفط، خاصة أن فنزويلا تجلس على أكبر احتياط نفطي في العالم، خاصة بعدما طردت كراكس في عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز جميع شركات النفط الأمريكية؟».
كل الحروب التي خاضتها الإدارات الأمريكية خلفت وراءها بلدانا وشعوبا مجزأة ومفتتة لطوائف وإثنيات متناحرة ومتقاتلة
هذه الادارة وحلفاؤها يحاولون تبرير تدخلاتهم في شؤون بلدان مستقلة، بالوقوف ضد الفساد والانظمة الديكتاتورية، بينما هي التي تدعم ديكتاتوريات وأنظمة أكثر سوءا وفسادا.. أنظمة ثيوقراطية دينية متخلفة ومتزمتة. مثل هذه الأنظمة تجد دعم «كبرى ديمقراطيات العالم» رغم الجرائم التي ترتكبها بحق شعوبها، ورغم الفساد المستشري فيها، كما تدعم أو لنقل تغض الطرف عن أنظمة أخرى ترتكب مجازر بحق أقليات فيها مثل مانيمار، ولا تقدم شيئا لإنقاذ مسلمي الروهينجا هناك، كما لا تتدخل ضد الأنظمة الديكتاتورية في إفريقيا وغيرها. إذن هذه المواقف مهما حاول البعض تصويرها وتجميلها أو تبريرها، بالزعم أن الغرض منها التخفيف من معاناة شعوب، ستضاعف هذه التدخلات العدوانية معاناتها والدلائل عديدة. فكل الحروب التي خاضتها الإدارات الأمريكية بدءا بالحرب على أفغانستان انتقاما لتفجيرات11 سبتمبر2001، وعلى العراق 2003 بحجج واهية مثل، أسلحة الدمار الشامل المزعومة، وضد إرادة المجتمع الدولي، ومن بعدها ليبيا فاليمن ثم سوريا، خلفت وراءها بلدانا وشعوبا مجزأة ومفتتة لطوائف وديانات وإثنيات متناحرة ومتقاتلة، تقودها الأحقاد العمياء، وأحيت في أوساط الشعب الواحد الرغبة في الانتقام والثأر بعد سقوط ملايين الضحايا، ولا نتمنى لفنزويلا ولا شعبها الصديق الطيب أن تؤول فيها الأوضاع إلى ما آلت اليه في إقليمنا المضروب.
وها هي السلفادور ودول أخرى في امريكا اللاتينية، منكوبة أيضا بالعنف والفساد. فلماذا لا يتدخل الغرب فيها لإنقاذ شعوبها من الفساد والظلم وتغيير انظمتها؟ أم أن المسألة مزاجية، طبعا انا لا أدعو إلى ذلك، بل أن التدخلات الخارجية في شؤون دول العالم مرفوضة رفضا قاطعا، أيا كان مصدرها، خاصة إن كانت أمريكية.
وربما تغض واشنطن الطرف الآن حتى ترى ما سيفعله الرئيس السلفادوري الجديد الشاب نجيب ابو كيلة (37 عاما) وهو فلسطيني الأصل من مدينة بيت لحم ورئيس سابق لبلدية سان سلفادور، الذي نجح في إلحاق الهزيمة بنظام الحزبين الذي حكم السلفادور لنحو ثلاثة عقود، والفوز بالرئاسة من الجولة الأولى بنسبة 54% من الأصوات.. ألف مبروك لأبو كيلة ونبارك لفلسطين بفوز ابنها، ونتمنى له نجاحا باهرا في مهمته العسيرة، لإنهاء الفساد، كما نتمنى أن تكون السلفادور في عهده سندا قويا لفلسطين وقضيتها وشعبها، لكن ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي لا تبشر كثيرا بالخير، فقد تحدث بعضهم عن زيارة له لدولة الاحتلال في فبراير الماضي، ولكنه في الوقت نفسه زار فلسطين ومسقط رأس أجداده في بيت لحم والقدس.
وعودة إلى المواقف الاخلاقية والمبدئية التي يتخذها البعض لقناعات خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هذه المواقف التي تحسب للبعض وتستحق التسجيل، وهذا حق لاصحابها علينا، ليس فقط لانها تخص قضيتنا، بل لأنها ايضا مواقف تحكمها المبادئ والأخلاق، ورفض الظلم والوقوف مع الحق. مواقف يجب أن تكون مشاعل تضيء الطريق لمن ضلها من عربنا، وفقد بوصلتها، ولم يعد يفرق بين الحق والباطل ومنهم من يمعن في الباطل. ومن أصحاب هذه المواقف المشرفة فرقة غنائية بريطانية تطلق على نفسها «توتس»، قالت إنها رفضت عرضا لتمثيل بريطانيا في مسابقة الأغنية الاوروبية «اليوروفيجين» التي تقام كل عام في شهر مايو، والسبب إقامتها في تل أبيب. ولم يتوقف الرفض على هذه الفرقة الشابة، بل وقّع أكثر من55 من أشهر الشخصيات في مجالات الفن والموسيقى والثقافة في بريطانيا، على رسالة نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية تطالب هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بتغيير مكان اليوروفيجين لهذا العام بسبب انتهاك اسرائيل المنتظم والمتواصل لحقوق الإنسان الفلسطيني. وطبعا وكما كان متوقعا رفضت «بي بي سي هذا الطلب، وهي الاكثر انحيازا لإسرائيل في تغطياتها الإخبارية لأزمة الشرق الأوسط.
ومن الشخصيات الموقعة الموسيقاران بيتر غبرييل، وروجر ووترز الذي يقود حملة مقاطعة إسرائيل في أوساط أهل الفن، والممثلة جولي كريستي والمخرجان مايك ليي وكين لوخ ومصممة الأزياء فيفين ويستوود والمهندس المعماري بيتر آهريندس والكاتب والناشر كارمن كاليل والكوميدي جن بريستر وغيرهم الكثير. والمواقف الاخرى التي لا بد من التوقف عندها وتسجيلها، هي لشركة البناء الإسبانية «سي أيه أف» التي رفضت عرضا لبناء جزء من سكة القطار الحديد الخفيف في القدس، الذي تبنيه حكومة الاحتلال، لانه سيتسبب في مصادرة أراض فلسطينية في انتهاك صارخ لقرارات الشرعية الدولية. ويقدر أيضا لماليزيا رفضها مشاركة رياضيين إسرائيليين في بطولة العالم للسباحة «باسم الإنسانية وفلسطين» حسب قول وزير الشباب والرياضة الماليزي سيد صادق، رغم أن ذلك ستكلفها استضافة بطولة العالم للسباحة عام 2019. وأضاف الوزير: «إن كانت استضافة فعالية رياضية دولية أكثر أهمية من دعم أشقائنا الفلسطينيين الذين قتلوا على أيدي نظام نتنياهو، فإن ماليزيا تكون قد خسرت ضميرها».
واختتم بمقارنة هذه المواقف من القضية الفلسطينية بمواقف عدد من الدول الخليجية التي تنتهز مثل هذه الفرص لفتح الخطوط مع دولة الاحتلال، وتوجيه الدعوات المفتوحة لرياضييهم ورسمييهم. ونتوجه للوزير الماليزي وحكومته والشعب الماليزي بتعبيرات الشكر والامتنان على هذا الموقف المبدئي والأخلاقي والانساني. فالشعب الماليزي كان دوما سباقا في دعم فلسطين وشعب فلسطين وقضيته. فالاخلاق والمبادئ لا تباع ولا تشترى يا عرب.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
ابوكيلة … موالاته للصهيونية وزوجته اليهودية واصول امه اليهودية واجداده النصارى …كل تلك الاسباب في وصوله للحكم لاتبشر بالخير ابدا لفلسطين ولا لاهلها وهو من سينقل سفارة بلاده الى القدس ..
أثار عنوان (الأخلاق والمبادئ لا تباع ولا تشترى يا عرب) عن أي أخلاق وأي مبادئ ومعنى معاني أي قاموس وبأي لغة، للعلماني أم للمؤمن وفي أي دولة يقصد الكاتب؟!
مثلما حصل في الرابط التالي:
https://www.alquds.co.uk/مثال-الألوسي-لا-يقتدى-به/
تعليقا على مقال بعنوان (الألوسي: مثال لا يقتدى به) للكاتب علي الصالح (كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»)
علمانية النائب المنتخب ديمقراطيا: مثال الآلوسي (العراقي) والنائب المنتخب ديمقراطيا: فجر السعيد (الكويتي) بعد 2/8/1990 جعلتهم يزورون الكيان الصهيوني،
هذا واقع مثل واقع حكم المشير عبدالفتاح السيسي وعمر البشير وحكم أبو مازن في السلطة كنتيجة لمفاوضات أوسلو، التي رفضت مؤتمر مدريد عام 1991، الذي أقامه جورج بوش الأب، في الذكرى ال 500 لطرد المؤمن الآخر،
من أهل ما بين دجلة والنيل (أي تشمل تركيا وأثيوبيا والمقصود هنا اليهود والمسلمين بواسطة المسيحي الكاثوليكي وغيره) من إسبانيا،
فمن هو المثال الذي يجب أن يقتدى به، في تلك الحالة العلماني أم المؤمن؟!??
??????