مَن ينتشلنا من هذا الظلام الدامس؟

هي ثلاثة نماذج سياسية، لكنها معبِّرة عن حالة عامة. والأهم أنها كفيلة بقتل الناس يأسًا وإحباطًا في العالم العربي هذه الأيام: عمر البشير في السودان، عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر وعبد الفتاح السيسي في مصر. يشترك الثلاثة في الكمِّ الهائل من الاخفاقات التي جلبوها لبلدانهم، وفي حبهم الشديد للسلطة وتمسكهم بها تحت شعارات الاستقرار والاستمرارية والأخطار الخارجية (رغم أن البلدان الثلاثة ذاهبة بخطى ثابتة نحو المجهول). لكن كل واحد من الثلاثة وجد لنفسه ما يتفرد به ويجعله مختلفا. البشير ببقائه ثلاثين عاما في الحكم ثم قراره تعديل الدستور ليبدأ مسيرة أخرى بالسودان نحو الخراب. بوتفليقة بتمسكه بالرئاسة وهو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، وعلى الرغم من عمره المتقدمة وحصيلته الكارثية. والسيسي بالقمع غير المسبوق الذي مارسه بحق المصريين والذي صدَّق (السيسي) أنه طريقه نحو الخلود في الرئاسة.
اللغة المستعملة في الجزائر والتي تكاد أن ترفع بوتفليقة إلى صف القديسين والأنبياء، خطيرة وعلامة على انحطاط سياسي غير مسبوق. وما يصدر عن محسوبين على النخب الإعلامية والسياسية في مصر من تمجيد للسيسي يدعو إلى الرثاء. ومثله ما يُسمع في السودان من لغة لا تفرّق بين البشير والدولة وتتهم من اختلفوا معه بالعمالة.
إذا أضفنا النماذج الثلاثة أعلاه إلى ليبيا وسوريا واليمن، وأزمات الأردن والمغرب والفلسطينيين المزمنة، وأوجاع الخليج التي لا شفاء منها، سنكون أمام لوحة لنكسة جديرة بالقرون الوسطى، بينما يسير العالم، من الصين إلى أمريكا، مسابقا الزمن نحو التقدم بكل أنواعه. وبينما تنفض دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية عن نفسها غبار الأزمات الاقتصادية، وتلملم دموع حروبها الأهلية.
ما يحدث في الدول العربية ردّة سياسية ترتبت عنها كل أنواع المشاكل الأخرى. بتعديل الدستور المصري في الربيع المقبل (لا شك في ذلك) سيكون المصريون قد قطعوا الخطوة الأخيرة في مسيرة فقدان كل ما خرجوا في سبيله في كانون الثاني (يناير) 2011. وسيقطع السودانيون خطوة أخرى نحو الحضيض إذا نجا البشير من امتحان شوارع الخرطوم المستمر منذ شهر ونصف الشهر، وإذا تجرأ على تعديل الدستور ليبقى في الرئاسة بعد 2020. أما ولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة في نيسان (أبريل) المقبل، فستكون صفعة أخرى لأحلام الجزائريين وطموحاتهم.
أصل البلاء سياسي، لأن الحكام يصلون إلى كراسي الحكم غالبا عن طريق الصدف والدسائس. وعندما يستلمون الحكم، أو يستولون عليه، يجدون أنفسهم بلا كفاءة ومن دون برامج ومن دون خطط اقتصادية وعلمية. وبعد أن يثبتوا في الحكم ويطول بهم الزمن، يتكوَّن لديهم إيمان بأنهم الأفضل لحكم البلد والأجدر بذلك، وما دونهم خليط من الفاشلين والخونة والمتآمرين.
وهذا بدوره يولّد لديهم الخوف من ملل الشعوب منهم واحتمال ثورتها عليهم، واستطرادا الخوف من مؤامرات الإطاحة بهم ومحاسبتهم، فيكرسون جهودهم وإمكانات البلد لحماية عروشهم على حساب أيّ خطط اقتصادية وعلمية وتعليمية.

ولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة في نيسان (أبريل) المقبل، ستكون صفعة أخرى لأحلام الجزائريين وطموحاتهم

بالمنطق، وبمرور السنين وتراكم الإخفاقات، تكون النتيجة كوارث متعددة الأوجه ودول فاشلة من مثل ما نرى في السودان ومصر وسوريا وغيرها. ويزداد الوضع سوءا وخطورة عندما ينتقل إلى عامة الناس ذلك الاعتقاد الخاطئ بأن الحاكم فلان ضرورة ورحيله يقود البلاد نحو الكارثة، وتستفحل في المجتمعات ثقافة الاستسلام للدجل السياسي وللخوف من المستقبل.
ليس صعبا أن يلاحظ المرء توقف كل شيء في المجتمعات العربية المأزومة باستثناء عقارب الساعة. التفكير السليم مشلول، ومثله الأمل والعمل وروح المبادرة والإيمان بالذات وبالآخر. الترهيب الذي تمارسه أنظمة الحكم تجاه شعوبها بحجة المخاطر الأمنية والتدخلات الأجنبية حق يراد به باطل للإبقاء على المجتمعات مشلولة كما هي الآن.
ولهذا يبدو مصطلح ثورة قليل ومتأخر في الأوضاع المزرية التي تعيشها منطقتنا هذه. ثورة لن تكفيها لأنها أصبحت بحاجة إلى معجزة متعددة الأوجه لتنقذها مما هي فيه. يحتاج الناس إلى سواعد داخلية وخارجية، تختلف عن التجارب السابقة، لانتشالهم من الظلام الدامس. يحتاجون إلى وقت وصبر لقطع طريق طويلة تكون بدايتها بما يشبه «خطة مارشال» جديدة متنوعة.
إذا لم تتعلم الأنظمة الحاكمة من تجارب الآخرين، القريبة والبعيدة، وإذا لم تنتبه إلى أن دوام الحال أمر مستحيل، ثم تبادر إلى تحريك المجتمعات ومساعدتها على الخروج شيئا فشيئا من حالة الشلل التي سبَّبتها لها، فعليها أن تستعد ليوم الانفجار الأكبر. قد يتقدم أو يتأخر قليلا، لكنه حتما قادم وثمنه سيكون باهظا، ليس على الحاكمين وزبانيتهم فقط، بل على الكل كما يُرى في تجارب قريبة جغرافيًا وزمنيا.
السبب واضح وهو أن الأصوات التي لا تتوقف عن التطبيل للحاكم مضلِّلة وليست هي الأصل، وليست الأغلبية، ناهيك عن أنها، بطبيعتها، قابلة للتقلب 180 درجة ما أن يقترب هذا الحاكم من السقوط، لتضع نفسها تحت تصرف الحاكم المقبل.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول good:

    هذه الأوبئة الثلاثة لاترياق لها.ولا أمل في الشفاء منها أو الوقاية من خطرها.وشرهاالمستطير الا (الحرقة) والهروب الى ارض الله الواسعة ولو الى استراليا أو القطب المتجمدالشمالي خاصة بعيدا عن هؤلاء الأمراض والأوبئة الخبيثة الفتاكة….

  2. يقول الحرحشي-المفرق:

    صدق المنصف المرزوقي حين قال ان النظام العربي هو شكل متطور من اشكال الاستعمار بل هو شكل قبيح من اشكال الاستعمار بل اعتقد جازما ان الاستعمار المباشر ارحم.

  3. يقول ابن الجاحظ:

    …..” عمر البشير في السودان، عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر وعبد الفتاح السيسي في مصر. “…..
    سيجن جنون اعلامى السلطة فى مصر الحبيبة لاقحام بطلهم مع من هم دونه …
    ذلك فكرنى فى امتعاض اليهود فى فرنسا لما كان الاعلام يقحمهم مع السود والعرب …

  4. يقول ابن الجاحظ:

    الله …الله …عليك يا أستاذ توفيق …!! تشخيص دقيق واضح وضوح الشمس ومع ذلك لن يكون له أى تداعيات لأن الامة تفشى فيها السرطان و هى تأمل فى الشفاء ب ….” رقية شرعية ” ….

  5. يقول فاقد الامل:

    كما تكونوا يولى عليكم

  6. يقول Abdelaziz Ananou (المغرب):

    ما علاقة ما يقع في الجزائر من شيء لم يخطر على بال أحد حتى في الخيال، وما يسميه الكاتب في مقاله ب “أزمات الأردن والمغرب والفلسطينيين” … فلسطين قضيتها معروفة وهي قضية تنتمي للعالمية… أما حاكم السودان فهو دكتاتور ميغالوماني كما كل الإنقلابيين…
    .
    ليس المقصود أن أنغص أو أعكر على أحد وأنا أقول ما يلي : إن النظام في الجزائر ليس نظام فاشي، ولا هو لا نظام نازي ولا حتى نظام دكتاتوري بمفهوم دكتاتورية الفرد أو الحزب، إذ حتى هذه الأنظمة فعلت لبلدانها شيئا ما وخدمت بلدانها وتجد عندها رؤيا… أما نظام الجزائر فهو نظام “غبي”، وليس هناك غباء أكبر من أن يفعلوا ما يفعلون أمام العالم الذي ينظر إليهم مندهشا…
    .
    السؤال يبقى ماذا فعل هذا الشعب ليستحق كل هذا ؟؟.

  7. يقول عبد المجيد - المغرب:

    لا أعرف لماذا كلما تعلق الأمر بالحديث عما يجري بالجزائر من مهازل ومضحكات، يلجأ بعض الكتاب وبعض المعلقين إلى ( حيلة) التعميم فيحاولون تصوير العالم العربي وكأنه كله مثل الجزائر مقعد ومشلول وهذا الأسلوب هو محاولة لتعويم الحقيقة وتضليل القارئ.
    تحدثوا لنا أيها السادة بدون لف ولا دوران عن المسرحية/ الملهاة التي تجري بالجزائر والمسماة انتخابات رئاسية حيث يدفع إلى عهدة خامجة رجل هو في حكم الميت أو هو جثة حية إذ لم ينبس ببنت شفة ولم نسمع له حسا منذ أكثر من خمس سنوات والمفارقة أن الشعب الجزائري صامت ينتظر وكأن الأمر لا يعنيه أو كأنه في انتظار ( غودو)
    إنا لله وإنا إليه راجعون.

  8. يقول Abdelaziz Ananou (المغرب):

    ظاهرة التعويم التي يتكلم عنها الأخ عبد المجيد هو ما ختمتُ به تعليقي فوق بعد علامة الإستفهام، لكن الجريدة حذفته، ربما لأن أسلوبه كان أكثر حدة، وتبقى مشكورة…
    .
    عندما تكون الفضائح من الوضائح لا أحد يستطيع تغطيتها، النرجسية تدفع إلى التعويم كوسيلة لتحويل الأنظار… وقد قلتُ يوما في تعليق عندما رأيت بأن وزايرا أولا (ما قبل الأخيرين) لا يليق بالجزائر : “السؤال ليس هل الرجل في المكان الصحيح أم في المكان الخطأ ؟؟ الرجل لا مكان له”… لكن بعدما اكتشفت بروفايلات أخرى فهمت بأن المشكلة أعمق… وأشكر الله على ما حبانا به اطلاعا وتجربة في علم النفس…
    .
    هذه الملاحظة حول “التعويم” هي مدخل لفهم البنية العقلية عند المسؤولين وعند عسكرهم… والتي وجد النظام في المغرب نفسه مرغما للتعامل معها على مدى 60 سنة… إنه الإنحراف النرجسي الذي أشرت إليه في إحدى تعاليقي والذي لم يكتشفه علم النفس إلا بداية التسعينات… وإذا رجعنا إلى أدبياتهم في النقاش فسنجد إما التعويم أوالإتهامات أوالتبريرات… ولا أريد أن أزيد أكثر لأن المشهد قاتم….

  9. يقول يوسف ابو سمرة:

    ابدعت عزيزي في تشخيص المرض والمرضى،،،،رحم الله الجزائر ،،،ولماذا لا ينزل الجزائريون للشوارع،،،

إشترك في قائمتنا البريدية