صنعاء ـ «القدس العربي»: كشف مركز أبعاد للدراسات والبحوث في صنعاء أمس عن الاندفاع القوي للجماعات المسلحة نحو (نزعة العنف) والذي أدى الى تراجع الفرص أمام (خيارات السلام) في اليمن، وأسفر عن مقتل أكثر من ثلاثة ألف شخص في حروب الجماعات المسلحة أو (جماعات العنف) منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل مطلع العام الجاري.
وقال مركز أبعاد في تقريره الجديد الذي أصدره أمس «ان هناك تراجعاً ملفتاً لخيارات السلام في اليمن، مقابل ازدياد واضح لمؤشرات العنف وبوتيرة غير مسبوقة… وإن الحالة الانتقالية في البلاد مهددة بالفشل، بسبب فشل القائمين على الانتقال السياسي في اتخاذ إجراءات جدية تلبي مطالب التغيير وتكسب ثقة اليمنيين».
وأكد المركز على أن فكر العنف بدأ يكسب أنصارا جددا بالذات في أوساط الشباب وأن الجماعات المسلحة تحقق توسعا على الأرض وتكسب نفوذا جديدا مع كل يوم تفشل فيه سلطات الانتقال في تحقيق مكاسب لصالح مشروع بناء الدولة.
واضاف «هناك شعور مخيف يظهر اليمن وكأنها تتدحرج تدريجيا إلى حضن جماعات العنف، وهناك مخاوف كبيرة من مؤشرات احتمالية سقوط وشيك للدولة اليمنية، في حال نجحت محاولات بعض الجماعات المسلحة في إسقاط العاصمة صنعاء من خلال سيناريوهات متعددة ومختلفة».
وكشف التقرير عن إحصائيات جديدة للضحايا نتيجة العمليات المسلحة التي نفذتها جماعات العنف ضد مؤسسات عسكرية ومدنية منذ اختتام مؤتمر الحوار الوطني في 25 كانون ثاني (يناير) من العام الجاري.
وقال التقريرالذي تسلمت «القدس العربي» نسخة منه «ان العمليات العسكرية للجيش ضد القاعدة أدت إلى مقتل ما يقارب من 300 عنصر من أعضاء التنظيم، فيما قتل في العمليات العسكرية وفي هجمات مسلحة للقاعدة ضد عسكريين ومدنيين ما يقارب 200 من العسكريين بينهم حوالي 15 ضابطا، وما يقارب من 30 مدنيا خلال تلك الفترة».
الى ذلك أدت هجمات جماعة الحوثيين المسلحة على مدينة عمران ومعسكر اللواء 310 ونقاط عسكرية أخرى في صنعاء والجوف إلى مقتل حوالي 400 عسكري بينهم ضباط وقيادات على رأسهم قائد اللواء العميد حميد القشيبي ومصرع أكثر من 250 شخصا من المدنيين، في مقابل فقدان الحوثيين لأكثر من ألفي مسلح، قتلوا في حروبهم التي شنوها على مؤسسات عسكرية ومدنية منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني قبل اكثر من نصف عام.
وأوضح أن الحرب التي شنتها الحركة الحوثية المسلحة لإسقاط محافظة عمران التي لا زالت تفرض سيطرة عليها، أدت إلى تدمير مئات المنازل وتشريد ونزوح مئات الآلاف من السكان واعتقال ما يقارب من ألف مدني من قبل الحوثيين الذين فجروا أيضا عشرات المدارس ودور العبادات والمساجد ومقرات الأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني.
وذكر التقرير أن هناك عوامل ساهمت في وضع اليمن في حالة انتقال خطرة وغير آمنة، وأن «أهم عامل يعود إلى عدم إدراك القائمين على العملية الانتقالية بخطورة المرحلة، وارتكابهم أخطاء فادحة أهمها عدم الإسراع في إجراءات عملية لفرض تطبيق مخرجات الحوار الوطني، المسنود بدعم لا محدود محليا وإقليميا ودوليا».
واضاف تحولت ثلاثة قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي كدعم للانتقال السياسي السلمي للسلطة في اليمن إلى قرارات عديمة الجدوى في نظر اليمنيين كونها لم تلب مطالبهم في تحقيق التغيير والانتقال.
وانتقد تفعيل القرار الأخير الذي تضمن عقوبات لمعيقي الانتقال السياسي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ضد جماعة الحوثيين المسلحة التي اسقطت محافظة ومعسكرا في حرب شنتها على مناطق عمران وصنعاء المحيطة بالعاصمة بعد الاتفاق على مخرجات الحوار الوطني الذي شاركت فيه بفاعلية بين 18 أيار (مارس) 2013 و25 كانون ثاني (يناير) 2014.
وأشار إلى أن «عدم الاستفادة من قرار العقوبات يعد أكبر اختراق لمخرجات الحوار الوطني، مما جعل اليمنيين يتخوفون من ان تكون العقوبات عبارة عن ورقة تستخدمها جهات محلية ودولية ضد نشطاء التغيير وأحزاب سياسية، دون الضغط بها على الجماعات المسلحة للاندماج في العمل السياسي وترك السلاح».
وذكر تقرير أبعاد ان «التساهل في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني من قبل القائمين على العملية الانتقالية يعود لاحتمالات متعددة، إما لعجز وضعف في السيطرة على الوضع، وإما لعدم المبالاة وعدم إدراك خطورة الوضع، أو محاولة لإحداث توازن من خلال ما يعرف بإضعاف تأثير قوى سياسية واجتماعية نافذة في الدولة».
مضيفا «إذا كان الهدف من عمليات بتر أطراف جهات فاعلة سياسيا واجتماعيا لها بعد وطني ينطلق من الحرص لإنهاء مخاوف بعض الجماعات المسلحة واستمرار تشجيعها للاندماج في العملية السياسية، فإن كل ذلك سيثمر في تحقيق عملية السلام، أما إذا كان لها بعد غير وطني فإنه لا ينتج سلطة ونفوذا جديدا لقادة في الحكم الانتقالي كما يعتقدون، بل سيؤدي لتقوية الكيانات المسلحة على حساب الكيانات الاجتماعية والسياسية المستهدفة».
وانتقد السلطة الحالية برئاسة هادي وقال «ان القائمين على العملية الانتقالية يتحملون المسئولية الكبرى أمام الوضع الخطر الذي وصلت إليه الحالة الانتقالية .. وكانوا قادرين على ترتيب الأوراق وفق سيناريوهات الحالة المتوقعة، فإذا كان هناك عجز وضعف أو حتى عدم إدراك مسبق لخطورة الوضع، كان يمكن استدعاء ورقة مجلس الأمن والعقوبات الدولية، وإذا كان كل الذي يحصل هو نتيجة لإحداث توازن من خلال تقليم نفوذ كيانات اجتماعية وسياسية لتشجيع كيانات مسلحة للاندماج السياسي، فكان يفترض البدء بإجراءات فرض سلطة الدولة، وتدشين سحب السلاح من الجماعات المسلحة التي تمتلك أسلحة ثقيلة، ثم من بقية الكيانات الاجتماعية والسياسية التي تمتلك سلاحا متوسطا وخفيفا».
وأضاف «إن النتيجة الظاهرة للأداء السيء للسلطة الانتقالية تبدو مخيفة ومعادلاتها مختلة، حيث أدى ذلك الأداء إلى توسع سيطرة الجماعات المسلحة وزيادة نفوذها وتسليحها، في حين زاد غياب الدولة وضعف أدائها، وظهرت الكيانات السياسية والاجتماعية مقصوصة الأجناح عديمة التأثير».
وأوضح التقرير أن العامل الثاني الذي أدى إلى وضع سلبي وخطر لحالة الانتقال السياسي في اليمن كان توسع الميلشيات المذهبية المسلحة التي يمثلها الحوثيون في شمال البلاد، واستمرارها في فرض واقع بقوة السلاح من خلال ضم محافظة عمران وأجزاء كبيرة من محافظة صنعاء ومحيط العاصمة إلى جانب محافظة صعدة المسيطر عليها من قبلها منذ ثلاث سنوات، بمثابة الضربة الأخطر للعملية الانتقالية «حيث شجعت تلك الخطوة الخطيرة والجريئة جماعات عنف أخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة التابعة لها للعودة ثانية للظهور في محاولات للسيطرة على مناطق في ابين وشبوة والبيضاء وحضرموت».
وقال «هناك معادلة واضحة للعنف في اليمن تتفاعل أطرافها مع بعضها كلما غابت الدولة ويتكرر المشهد باستمرار، ففي حين سيطر الحوثيون على مدينة صعدة الشمالية بشكل كامل في 2011، سيطرت القاعدة على محافظة أبين الجنوبية في ذات التأريخ، وهذا العام بعد إسقاط الحوثيين لمحافظة عمران ومعسكراتها، ازدادت عمليات عنف القاعدة في محاولة لإسقاط حضرموت النفطية شرق البلاد».
وأشار التقرير إلى أن العامل الثالث الذي جعل من عملية الانتقال تمر بحالة خطر هو العامل الاقتصادي، قائلا «الوضع المعيشي السيء وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وزيادة الأعباء الاقتصادية التي ضاعفتها الإجراءات الحكومية باتخاذ خطوة رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية، دون القيام بأية إجراءات لتحسين البيئة الاقتصادية ومكافحة الفساد وإحالة مسئولين سابقين وحاليين متهمين بالفساد للمحاكم وعدم مراقبة أسواق التهريب السوداء وعدم محاربة عصابات تخريب المنشئات النفطية وخطوط الطاقة، كل ذلك أفقد المواطن الثقة بالدولة، وبذلك سهل على جماعات العنف استقطاب وتجنيد الكثير من اليمنيين وهو ما يعد مؤشرا قلقا للحالة الأمنية في اليمن خلال المرحلة القادمة».
وذكر ان الدور الخارجي المرتبك هو العامل الرابع الذي شجع جماعات العنف للتوسع في اليمن، وقال ان «مجلس الأمن والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية لم تتحرك بإجراءات عملية وواقعية ضاغطة ضد القائمين على عملية الانتقال لمعاقبة الجماعات المسلحة، وقد تحول المجتمع الدولي والدول الكبرى إلى مراقبي اتجاه تصاعد العنف في اليمن، خاصة بعد حصول تطورات في سوريا ولبنان والعراق وليبيا ومصر ومدينة غزة بفلسطين».
خالد الحمادي