عبد الواحد حركات لم يتـفــق المصريون على شيء بعد سقوط ‘مبارك’ .. وكذلك فعل جيرانهم الليبيون بعد سحلهم ‘القذافي’ .. فكلاهما تورط في وحل تطهير وعزل سياسيين واستعجل قيامة ‘الحساب’ لخصومه، وأوقف وطنه على ضوء احمر مشؤوم، يتاخم هاوية سقوط في رعب الجريمة والسطو والحروب الأهلية والطائفية والعرقية والقبائلية.الماكياج المطلبي الحقوقي الإنساني لثورات الأشقاء غابت ألوانه وتاهت عطوره وسط لون دم الشوارع ورائحة بارودها، الذي لم يهدأ ليوم ولم يعـف طفلاً أو امرأة حُـبلى من أزيزه البغيض، بعدما صار متاعا جامعيا وبرلمانيا، وامتد جبروته الجهنمي ليطرق أبواب الوزارات ونوافذها نهاراً.ثورة مصر انتهت من حيث بدأت .. وثورة ليبيا أضاعت سبيلها وأدمنت أيدلوجيا الثأر والقصاص والاستحقاق واستباحت شعاراتها عنوة.مصر تعاني .. فتوات سياسة وسلاح ينهشون جسد وطنهم ويمتهنون جيشه ‘العربي الوحيد’ وأجناده ويسفكون عزته على أرصفة الشوارع ليتحول إلى ‘هول’ بلا أنف ويجالس أباه في الجيزة لتصفعه نظرات سواح شقـر .. ويبكيه مصريون أنقياء كما بكوا قبله على أمجاد ضائعة .. الخلاص في مصر معلق بشخص صاحب النصيب ‘الرئيس’ .. الإنسان ‘الكوكتيل’ والخلطة السحرية المستحيلة الذي سيرضي أهواء وغايات المتنازعين لغرض النزاع ..والخلطة الموجودة والمعروضة والمتمثلة في ‘محمد مرسي’ مواصفاتها متواضعة ولن تحقق مطامح من ثاروا على ‘مبارك’ .. ولن تحقق الاستقرار بل ستدفن مشروع أسلمة المحروسة وتقضي على حركة الاخوان شعبياً . ليبيا تعاني أيضاً .. كيمياء سياسة اجتماعية خطيرة متورطة في تاريخ الأحقاد والثأرات ومدعومة بأرباح وغنائم النفوذ والقوة والسلطة المكتسبة بصيت القضاء على الديكتاتور واسترداد حقوق إنسانية وثروات وطنية ضائعة من قبل وازدادت الآن ضياعاً .. بعدما تعثرت خطى المؤدين على ركح المؤتمر الوطني والحكومة عمداً لهيكلة دولة على مقاس المصالح وحسب الهوى . الاستخبارات الأجنبية تسرح في ليبيا تحت أغطية كثيرة .. وسلال التقارير اليومية تسجل ‘DNA’ ليبيا بدقة رهيبة .. والدعوة مفتوحة لدخول قوات حفظ سلام أو حماية دولية لمناطق مهددة بالوأد تحت ركام حرب التحرير. ليبيو السلطة ابعد الناس عن إمكان توطين الديمقراطية في مجتمع تغولت فيه القبائلية، واشتدت صراعاتها إلى حد الإبادة الجماعية والتمييز العنصري.ليبيو الشارع شملهم قانون عسكرة الثورة ‘الحسنة تخص والسيئة تعم’ .. وأقصاهم الفرز الثورجي ‘ثوار درجة أولى وثانية’ الذي صار سنة مؤكدة للمؤتمر والحكومة .. والشرعية الثورية تفعل الكثير مما يجانب أو يتعارض نسبياً مع مواد الإعلان الدستوري وحقوق الانسان ويحبط محاولات بناء دولة قانون وعدالة اجتماعية في الوقت القريب.سقط الـ’لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم’ الذي مزقه ‘القذافي’ من قبل تحت أقدام ثورجيي ليبيا .. وسقطت أجساد بريئة وأملاك عامة وخاصة ومبادئ اسلامية وقيم ثورية وأخلاقية .. وتحولت ليبيا إلى تكساس ‘جريمة’ جديدة .. ضد سيادة الدولة وضد كرامة الانسان المتأصلة فيه. الفارق ‘الحضاري ـ المدني’ بين مصر وليبيا شاسع .. والتجربة السياسية المصرية يقابلها نمط عشائري مربك في ليبيا سرعان ما لجأ إلى إعادة سيناريو استقلال ‘1951’ وما سبقه وما تبعه من مواقف وأحداث .. ومازالت الأمية السياسية في ليبيا تحرك ببدائيتها الجميع باستثناء الأمازيغ .تمت لبننة ليبيا بطريقة دراماتيكية مسهبة طوال سنتين .. بأيدي ثوارها..! تهذيب الثورة في ليبيا سيتم باستمرارها تحت الفصل السابع، والتعديلات المؤدلجة التي صاحبت تمديد ولاية ‘طارق متري’ ليست سوى بوابة دخول القبعات الزرقاء .. وحجة توطين لــ’يونفيل’ على مقاس ليبيا .. وكما فشل المصريون في لملمة ثورتهم من الشارع والاستفادة من حالة الصحو الاجتماعي، فشل الليبيون باسلوب اكثر فظاعة مما توقعه الجميع .. وعادوا ستين سنة الى الوراء بايدلوجياتهم وطموحاتهم .الخلاص الليبي رابع ‘الغول والعنقاء والخل الوفي’ بدون تدخل أطراف خارجية قادرة على حماية ‘جسد’ الدولة من خروقات مواطنيها وحماية المواطنين من سطوة السلاح .. لتتمكن من إصدار كتالوج ليبيا المستقبل بعيداً عن المؤثرات القبائلية وغائية ‘القادة الجدد’ ومصالحهم الفئوية .. أو انتفاضة واعية للنخبة المعطلة والمحتجبة وراء اصحاب المال والنفوذ والمتخوفة من الارهاب والعنف المليشوي الصريح. العرب جميعاً آمنوا بضرورة التغيير .. وربما سئموا خيالات حكامهم المؤلهين، ولكنهم ‘العرب’ لم يضعوا منهج التغيير ولم يتعرفوا على حقيقة غاياتهم ويحافظوا على مبادئهم ويمنحوا السلام والحقوق التي حرموا منها سابقاً لمن يحتاجها اليوم. ديمقرطة العرب مشروع يحتاج إلى نزع بداوتهم المتوارثة قبل كل شيء آخر، ولن تنزع البداوة العربية بل ستزداد ضيقاً بعد تساقط منظومة الاخلاق البدوية في وحل الكسب والمصالح. العرب اشد عداوة لانفسهم من سواهم ..!.’ اعلامي ليبيqmd