حسين مجدوبي مدريد ـ باريس ـ وكالات ‘القدس العربي’: ‘انتهى المشوار السياسي لساركوزي’، هذه من ضمن الخلاصات التي يؤكدها المحللون في فرنسا بعدما قرر القضاء في هذا البلد الأوروبي توجيه تهمة ‘استغلال شخص في حالة ضعف’ للرئيس السابق نيكولا ساركوزي للحصول على الأموال لتمويل الحملة الانتخابية التي قادت الى الإليزيه سنة 2007. وهذا واحد من الملفات التي تنتظر ساركوزي وقد ينفجر آخر متعلق بتمويل معمر القذافي لحملته الانتخابية سنة 2007 كذلك.وفي الوقت الذي تتحدث فيه فرنسا عن احتمال عودة ساركوزي للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة لاسيما في ظل تراجع شعبية الرئيس الحالي فرنسوا هولند، أو دخوله عالم المال والأعمال بدعم من قطر، انفجرت القنبلة السياسية والإعلامية ليلة الخميس الماضي عندما قرر القضاء الفرنسي ملاحقة ساركوزي كمتهم في ملف التمويل غير الشرعي للانتخابات وهو ما يعرف بـ ‘قضية بيتانكور’ بدل صفته كشاهد كما كان من قبل.وتعود وقائع هذا الملف الى سنة 2010 عندما نشرت الجريدة الرقمية ‘ميديبار’ مقالا ضمن صحافة التقصي تلقي فيه بشبهات حول علاقة إريك وريث وزير العمل في حكومة ساركوزي بالمليارديرة ليليان بيتانكور صاحبة شركة لوريال للصناعة التجميلية، حيث شككت ‘ميديبار’ في دور لهذا الوزير لتمويل حملة ساركوزي مقابل إعفاء المليارديرة من ضرائب مستقبلا. وتطور الأمر الى رصد علاقة مباشرة لهذه السيدة بتمويل حملة ساركوزي سنة 2007، حيث زارها هذا الأخير أربع مرات في منزلها للحصول على الأموال. وتتجلى التهم الموجهة لساركوزي في: أولا، استغلال حالة الضعف ‘الخرف’ التي توجد عليها ليليان بيتانكور البالغة من العمر 90 سنة للحصول على الأموال، ثانيا، الحصول على أموال لتمويل الحملة تتجاوز المبلغ المسموح به لكل فرد أي حوالى 4500 يورو.ويستعرض قاضي التحقيق جان ميشيل جونتيل في محضر الاتهام الزيارات التي قام بها ساكوزي الى منزل المليارديرة وعمليات سحب أموال من حسابها في اليوم الموالي التي يبدو أن بعض العاملين مع بيتانكور حملوها الى السياسي الذي تحول لاحقا الى رئيس البلاد. ويهاجم ساركوزي واليمين القاضي المكلف بالتحقيق، ويعتقدون في دوافع سياسية وراء الاتهام.ويجري التحقيق مع ساركوزي بعدما تم رفع الحصانة عليه، وسبق وأن استمع له القاضي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لقرابة عشر ساعات، وشهور قبل ذلك في يوليو، فتشت الشرطة مكتب ساركوزي في العاصمة باريس.وجاء توجيه الاتهام المفاجئ والذي اصدره قاضي الاتهام جان ميشال جانتي في بوردو (جنوب غرب) في ختام يوم من المواجهات مع اربعة من العاملين لدى وريثة مجموعة لوريال العالمية العملاقة لمستحضرات التجميل. ويسعى القاضي الى تحديد ما اذا كان ساركوزي استغل ضعف ليليان بيتانكور (90 عاما) المراة الاكثر ثراء في فرنسا عندما طلب منها نقودا لتمويل حملته الانتخابية في العام 2007. وعقوبة استغلال الضعف هي السجن لمدة ثلاث سنوات مع غرامة من 375 الف يورو كما تؤدي الى فقدان الاهلية لمدة خمس سنوات كحد اقصى. واعتبر ساركوزي انه عومل بطريقة ‘مشينة’ خلال التحقيق معه، كما نقل عنه محاميه الجمعة، مشيرا الى تعدد جلسات الاستماع مع الموظفين لدى ليليان بيتانكور. وقال هيرتزوغ ان ‘نيكولا ساركوزي ما زال يتمتع بروح قتالية لكنه يعتبر في الوقت نفسه ان المعاملة التي خصصت له مشينة’. من جهة اخرى، تساءل المحامي عن نزاهة القاضي جان ميشال جانتي في هذه القضية. وقال ‘هل كان التحقيق فعلا متوازنا؟’، مشيرا الى الجلسات المتكررة للاستماع من قبل القاضي، لعاملين مع بيتانكور وهم شهود للاتهام في هذه القاضي. واضاف ‘سنرى ما ستفعله غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف في بوردو’ التي ينوي ابلاغها في اسرع وقت ممكن بهذا القرار ‘غير المتجانس على الصعيد القانوني وغير العادل’. وتمت مواجهة الرئيس السابق خصوصا مع رئيس خدم بيتانكور السابق واحدى عاملات التنظيف وممرضة ونادل. وبدأت القضية في تموز/يوليو 2010 عندما اعلنت المحاسبة السابقة لبيتانكور امام الشرطة ان باتريس دي ميتر طلب منها 150 الف يورو نقدا في مطلع العام 2007. واضافت ان دي ميتر اكد لها ان الاموال مخصصة لايريك ويرث الذي كان المسؤول المالي عن الحملة الانتخابية لساركوزي. واعلن عدد من المقربين من بيتانكور انهم شاهدوا ساركوزي عدة مرات خلال تلك الفترة. ويصر ساركوزي على انه توجه الى منزل بيتانكور مرة واحدة خلال حملته الانتخابية في 2007 للقاء اندريه بيتانكور زوج ليليان الذي توفي في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه. وساركوزي هو رئيس الدولة الثاني بعد جاك شيراك الذي يلاحقه القضاء. وكان حكم على شيراك في العام 2011 بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ في قضية وظائف وهمية في باريس التي تولى رئاسة بلديتها لسنوات عدة. ولو كان لا يزال يعتبر بريئا حتى اثبات ادانته فان توجيه الاتهام اليه يعيق اي امل بالعودة الى الساحة السياسية. ومنذ هزيمته في الانتخابات الرئاسية في ايار/مايو 2012 امام المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند، ابقى ساركوزي الغموض حول نواياه ازاء الانتخابات المقبلة في 2017. وقال في مقابلة نشرتها مجلة ‘فالور’ الاسبوعية مؤخرا ‘هل ارغب بالعودة؟ لا’، لكنه اضاف انه وفي حال قرر العودة فسيكون ذلك بدافع الواجب. ‘ليس بدافع الرغبة بل الواجب فقط لان الامر يتعلق بفرنسا’. وتشير استطلاعات الرأي الى انه لا يزال المرشح المفضل بين ناخبي اليمين للعام 2017. وطالبت رئيسة حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) مارين لوبن في بيان ان يتنحى ساركوزي فورا عن المجلس الدستوري حيث لا يمكنه ان يواصل العمل ‘دون تحيز وبالموضوعية المطلوبة’. من جهته، اعتبر المتحدث باسم الحزب الاشتراكي دافيد اسولين ان توجيه الاتهام الى ساركوزي ‘امر خطير’، بينما ندد جوفروا ديدييه احد اعضاء حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية المعارض برئاسة ساركوزي ب’الحملة القضائية’ ضد الرئيس السابق. وكتبت جريدة ‘لوموند’ في عددها الصادر الجمعة أن انفجار هذا الملف قد يشكل نهاية المسار السياسي لساركوزي الذي كان يرغب في العودة الى الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة مستغلا تراجع شعبية الرئيس الحالي فرانسوا هولند وكذلك غياب اي زعيم قوي يوحد اليمين.ويعتبر هذا الملف، واحدا من الملفات التي تنتظر ساركوزي، وهذه الملفات التي ربما تنتظر ساركوزي هي: تورطه في عملية تمويل غير شرعية لحملة إدوارد بلادير سنة 1995 أو ما يعرف ‘ملف كاراتشي’، ثم شبهات حول تمويل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لحملته سنة 2007، حيث نشرت جريدة ‘ميديبار’ تصريحات لمسؤولين ليبيين سابقين تتحدث عن عملية التمويل هذه.في الوقت ذاته، هناك ملف جديد حيث تحوم شبهات حول ساركوزي، ويتعلق بتعويض وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد، المديرة الحالية لصندوق النقد الدولي لرجل الأعمال بيرنار تابي عن نزاع مالي كان بينه وبين الدولة الفرنسية. وفتشت الشرطة الفرنسية يوم الأربعاء الماضي منزل لاغارد. ويسود الاعتقاد بلعب ساركوزي دورا ما لصالح رجل الأعمال للحصول على تعويض بلغ 280 مليون يورو.qarqpt