د. عصام نعمان كان الخميس 21 آذار عيد ‘النوروز’ (الربيع) يوماً تاريخياً لقضايا فلسطين وايران وتركيا. تاريخية اليوم صنعتها خطابات زعماء كبار في عيون شعوبهم. الخطابات كانت مترعة برسائل مهمة ولافتة الى كل من يعنيهم الامر.باراك اوباما كان يزور ‘اسرائيل’ لاول مرة كرئيس للولايات المتحدة. تعطّلت سيارته في مطار ‘بن غوريون’، لكن لسانه الذرب لم يتعطّل. استعمله بإتقان ليطلق رسائل وكلمات ذات دلالات.اولى الرسائل وجهها الى ‘اسرائيل’. اراد تطمينها فنعتها بأنها ‘اقوى دولة في المنطقة’ وتدعمها ‘اقوى دولة في العالم’. كل ذلك كي يفهم صقورها ان لا داعٍ للخوف من ايران، نووية او غير نووية. ولإقناع الصقور، كما الحمائم، تحدث بلغةِ صهيوني عتيق: ‘رحلة وعد دولة ‘اسرائيل’ مستمرة منذ النبي موسى، فهي متجذرة في التاريخ ومن حقها الحرية في ارضها’. ولم ينسَّ ‘النبي’ اوباما إطلاق وعد جديد: ‘ما دامت الولايات المتحدة موجودة فلستم وحدكم، و’اسرائيل’ لن تزول ابداً’.للصقور شكوكٌ في عبارة ‘ما دامت موجودة’. تساءلوا: هل المقصود الوجود في المطلق ام الوجود في الشرق الاوسط؟لماذا السؤال الخبيث؟لأن الصقور يعتقدون ان وجود امريكا في الشرق الاوسط آخذ بالإنحسار، ولن يمضي وقت طويل قبل ان تصبح دولةً مصدرة للنفط فينحسر اهتمامها بنفطِ عالم العرب والعجم وبالتالي بـ ‘اسرائيل’.غير ان بنيامين نتنياهو وجماعته لم ‘يقبضوا’ تعظيم اوباما لقوة دولتهم، فثابروا على محاولة ابتزازه لحمله على إطلاق تعهد بإستعمال القوة ضد ايران اذا لم تتخلَ عن جهودها لصنع سلاح نووي. وإزاء تمسك اوباما بإمكانية التوصل الى تسوية معها بالطرق الديبلوماسية، ردَّ نتنياهو بالقول إن ‘اسرائيل’ ‘متمسكة بالدفاع عن نفسها بنفسها’، موحياً بالإصرار على خيار الإنفراد بمهاجمة ايران…رسائل اخرى اطلقها اوباما لتطمين ‘اسرائيل’ وترهيب اعدائها. فقد دعا الفلسطينيين الى استئناف المفاوضات مع الاسرائيليين من دون اشتراط تجميد الإستيطان بدعوى ‘ان هذه المسألة يجب ان تحلّ خلال مفاوضات السلام وليس عبر تجميد البناء’! لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض هذه الدعوة الملغومة. الى ذلـك، لم يتـوانَ اوباما عـن دعوة الفلسطينيين الـى ‘الإعتـراف بـِ ‘اسرائيل’ دولةً يهوديةً، والى ان ‘الوقت قد حان كي تطبّع الدول العربية علاقاتها مع ‘اسرائيل’…رسالة اوباما الى ايران كانت مزدوجــــة المعنى : تسوية بالمفاوضات مع الاحتفاظ بخيار استعمال القوة، والحــــرص على الربط بين ‘الهولوكوست’ (المحرقة) والبرنامج النووي الإيراني. اوضَحَ: ‘كرئيس، قلتُ للعالم إن كل الخـــيارات مطروحة على الــــطاولة لتحقيق اهدافنا. امريكـــا ستفعل ما عليــها لمنع ايران من التسلح نووياً’.بالتزامن مع خطاب اوباما في الجامعة العبرية، كان المرشد الاعلى لجمهورية ايران الإسلامية السيد علي خامنئي يلقي خطابه في حرم الامام الرضا في مدينة مشهد. خامنئي سمّى العام الفارسي الجديد ‘عام الملحمة السياسية والإقتصادية’، ولم يشر الى ملحمة عسكرية. غير انه حرص على توجيه رسالة لافتة الى الكيان الصهيوني: ‘اذا ارتكب قادة هذا الكيان اي حماقة فإن ايران ستسوي تل ابيب وحيفا بالارض’. اضاف: ‘ان الكيان الصهيوني ليس في مستوى وحجمٍ ليوضع في صف أعداء الشعب الإيراني. العدو الاول هو امريكا رغم مضي 34 عاماً على عدائها وما زال’.ندد خامنئي كثيراً بمخططات امريكا وبالعقوبات التي فرضتها ضد اقتصاد بلاده. اعترف بأن الحظر النفطي على ايران ‘ترك بعض الاثر في الشعب، إلا انه ليس بالنتيجة التي كان يرجوها الاميركيون’. ومع ذلك تسامح : ‘لا أعارض المحادثات بشأن الموضوع النووي، لكنني لست متفائلاً بشأنها’. شدّد على ان ايران لا تبتغي امتلاك سلاح نووي بل ‘تريد الإعتراف الرسمي بحقها في تخصيب اليورانيوم فحسب’. ختم كلامه : ‘انكم (اي الاميركيون) لم تصدقوا كلامنا، فلماذا يجب ان نصدق كلامكم’ ؟رسالة خامنئي الى امريكا رغم حدّتها لم تغلق باب المفاوضات. ربما لأن قادة ايران مقتنعون، حسب جورج فريدمان مدير مؤسسة ستراتفور للدراسات الإستراتيجية والإستخبارية، بأن الولايات المتحدة لا تمانع في قيام ايران نووية لأن ذلك يضمن حاجة دول الخليج اليها كمظلة نووية حامية.في تركيا، ومن سجنه في جزيرة ايمرالي، وعبر خطاب ألقاه بالنيابة عنه نائبان كرديان امام نحو مليوني شخص احتشدوا في ديار بكر، اطلق زعيم ‘حزب العمال الكردستاني’ عبد الله اوجلان نداء وصفه بـِ التاريخي’ دعا فيه مقاتلي حزبه داخل تركيا للإنسحاب الى الخارج، مؤكداً ان الوقت قد حان ‘لتغليب المسار السياسي’، في خطوةٍ قد تمهد لإنهاء احد اقدم النزاعات الدامية في العالم.بعد ساعات، ورغم امتعاضه من تغييب العلم التركي عن مليونية ديار بكر، رحّب رجب طيب اردوغان بخطاب غريمه: ‘اذا توقفت الاعمال الحربية، فإن قواتنا ستتوقف عن شن عمليات عسكرية’.نداء اوجلان تضمن رسائل لافتة قد تغيّر وجه المنطقة. اولى الرسائل كانت للشعب التركي. فقد امتنع الزعيم الكردي عن ذكر استقلال كردستان في خطابه. بالعكس، شدّد على وحدة الشعبين الكردي والتركي ونضالهما المشترك ضد الإمبريالية.الرسالة الثانية وجهها اوجلان الماركسي للإسلاميين قائلاً: ‘إن الشعب التركي عاش مع الاكراد في الاناضول على امتداد الف عام تحت راية الإسلام. إن الحقائق التي جاءت في رسالات النبي موسى والنبي عيسى والنبي محمد تترجم اليوم ببشارات جديدة’.في الرسالة الثالثة، ولعلها الاهم، اعلن اوجلان ان الحدود في الشرق الاوسط مصطنعة، وان شعوبه وشعوب آسيا تستيقظ. وفي اشارة الى جغرافيا الميثاق الوطني، اعتبر نفسه معنياً بالاراضي التي كان يضمها الميثاق الذي وُضع العام 1920 وكان يضم ولاية الموصل وكركوك وبعض الشمال السوري الذي ‘نُزع’ من تركيا في اتفاقية العام 1926 بين بريطانيا وتركيا والعراق. ولم يكتفِ اوجلان بمخاطبة الاكراد بل وجّه نداءه ايضا الى الارمن والاشوريين والتركمان و… العرب، ليعيشوا في مساواة وحرية.ردود فعل متفاوتة على نداء اوجلان صدرت في تركيا. المعلّق الصحافي جنكيز تشاندار قال إن الاكراد يريدون العيش مع مواطنيهم الاتراك في تركيا واحدة غير مقسمة. الكاتبة زينب غورجانلي رأت ان اوجلان لم يدعُ الى ترك السلاح بل الى الإنسحاب مع الاحتفاظ بالسلاح. المسؤولون في حزب ‘الحركة القومية’ اليميني اعتبروا ان نداء اوجلان هو يوم اعلان تقسيم تركيا.كل هذه الإحتمالات واردة، ذلك ان احداً لم يستطع، بعد، تحديد مضمون الإتفاق الذي كان مدار محادثات مديدة اجراها اوجلان مع ضباط الإستخبارات التركية. فنداء زعيم الاكراد يحتمل تفسيرين: الاول، ان يكون ثمة اتفاق بينه وبين اردوغان على إقامة دولة تركية ديمقراطية لامركزية يحظى فيها الاكراد بحكم ذاتي في مناطقهم. الثاني، ان يتضمن الاتفاق تفاهماً على اقامة دولة اتحادية (فدرالية) تضم، الى تركيا، مناطق الاكراد في شمال العراق (كردستان) وفي شمال شرقي سوريا (محافظة الحسكة) وربما مناطق التركمان والاشوريين والارمن في الدول الثلاث.ترى، هل دخلت تركيا ربيعاً خاصاً بها متصلاًً، بحكم المشتركات الجغرافية والسكانية والدينية والجيوسياسية، بـِ’ربيع العرب’ المغدور في العراق وسوريا ولبنان والاردن وفلسطين؟.’ كاتب لبنانيqmdqpt