من الملاحظ أن كل القوانين الجنائية في كل بلاد العالم تجرم الرشوة وتعاقب عليها بالسجن أو الغرامة، وأن الانسان العادي يعرف الفرق بين الهدية التي يقدمها الصديق لصديقه بهدف إظهار المودة، والحافز الذي يقدمه صاحب العمل للعامل أو الموظف بغرض تحفيزه على الانتاج.والرشوة التي يقدمها شخص لموظف عام أو خاص بغرض القيام أو عدم القيام بواجب قانوني، فالهدية والحافز مشروعان أما الرشوة فهي جريمة، ومع ذلك نجد بعض الناس يتلاعبون بمفهوم الرشوة ويقـــــدمون الرشاوي بعد أن يطلقوا عليها أسماء تلطيفية كأن يسمونها تسهيلات أو هدايا أو خلافه مع علمهم الأكيد أنها رشوة وأنها في واقع الأمر جريمــــة خطـــيرة تؤدي إلى تعطيل مصالح الناس الذين لا يستطيعون دفع الرشاوي وإلى الافلات من تبعات الجرائم والمخالفات وتتسبب في نشر سرطان الفساد في جسم الخدمات العامة والخاصة والأدهى من ذلك أن يؤدي ذلك التلاعب إلى خلق أوضاع مقلوبة بمعنى أن الموظف العام أو الخاص قد يعتبر حصوله على التسهيلات إياها حقاً مشروعاً ويغضب إذا لم تُقدم له وأن الشخص الذي لا يقدم الرشوة يُعتبر متخلفاً ومعطلاً لمصالحه الشخصية بسبب عدم إلمامه بآخر صيحات الموضة الإدارية! كذلك نجد الكثيرين يتلاعبون بالقاعدة الشرعية والقانونية التي مفادها ‘الضرورات تبيح المحظورات’، فهذه القاعدة لا تنطبق إلا بشروط شرعية وقانونية محددة، فيجب أن يكون هناك خطر وشيك وداهم ولا يُمكن تفاديه إلا بارتكاب الفعل المحظور ويجب ألا يكون الشخص متسبباً في خلق الظرف الطارىء. ولذلك فإن التلاعب بتفسير هذه القاعدة ودفع الرشاوى بحجة أن الشخص مضطر إلى دفعها لأن قضاء حاجته مستحيل بدون دفعها لا يُعتبر سلوكاً اجتماعياً مقبولاً وإنما هو ارتكاب لجريمة الرشوة، فالجريمة جريمة ولا تُوجد جرائم نظيفة وأخرى قذرة فكلها تتساوى في درجة القذارة ودرجة الخطورة الاجتماعية، كذلك لا يُمكن للشخص الذي يرتكب جريمة تجاوز السرعة القانونية أن يدفع بظرف الإضطرار حينما يقتل طفلاً واحداً بحجة أنه فعل ذلك لتفادي الاصطدام بأسرة كاملة! ويُلاحظ أن التلاعب الإجرامي لا يقتصر على الأفراد وإنما تتورط فيه بعض حكومات العالم العربي والأفريقي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تنص كل الدساتير العربية والافريقية على احترام حقوق المرأة، ثم نجد رئيساً أو وزيراً يقدم رشوة إعلامية عبر التلاعب بقضية المرأة والتباهي بأن حكومته تضم عدداً من النساء بغرض كسب ود العالم الغربي والحصول على المساعدات والاشادات مع علمه التام أن حقوق المرأة مهضومة في البيت والشارع وحتى داخل حكومته نفسها! من المؤكد أن معظم الناس يعرفون الفرق بين الخير والشر وبين الفعل الاجرامي والفعل المشروع، لكن المؤكد أيضاً أن التلاعب بتفسير القواعد والرخص القانونية والشرعية هو من أخطر الجرائم على الإطلاق لأنه يؤدي في نهاية المطاف إلى قلب الأمور رأساًَ على عقب ويحول الجريمة إلى سلوك اجتماعي مقبول ويحول السلوك الاجتماعي المقبول إلى تخلف اجتماعي مرفوض ويصبح الشرفاء مجرمين دون أن يشعروا بذلك ويتحول المجرمون إلى شرفاء مع سبق الاصرار والترصد! والسؤال الذي يطـــــــرح نفسه هـــــو: هل هناك مخرج من لعبة التــــلاعب الاجرامي؟ من المؤكد أن التربية في البيت وفي المدرسة وفي مكان العمل وفي دور العبادة تــــملك مفتاح الحل، فيجب تقوية الوازع الاخلاقي وتسمــــية الأشياء بأسمائها الحقيقية حتى لا يصبح ارتكاب الجرائم الخطيرة أمراً عادياً كالتنفس أو إلقاء تحية الصباح!فيصل الدابي المحاميqmn