أمير المفرجيتزامنا مع الذكرى العاشرة للاحتلال، تفاجأ العراقيون برؤية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وهو يلتقي بمسؤولي حكومتهم في زيارة غير معلنة وفي مهمة كانت على ما يبدو، وحسب بيان السفارة الامريكية في بغداد ‘تهدف للتأكيد على التزام الولايات المتحدة تجاه شراكتها الاستراتيجية مع العراق’. في الوقت الذي لم تكن هذه الزيارة مفاجئة بالنسبة للعديد من متتبعي المشهد السياسي العراقي، نظرا لحجم وخطورة المشاكل الداخلية التي يمر بها هذا البلد، ناهيك عن تطور التداعيات الخطيرة الأخرى الناتجة من التدخل المذهبي والعسكري الإيراني في العراق و سورية وأثرهما على المنطقة.وإذا كانت فحوى البرنامج الرسمي المعلن من قبل الجانبين الأمريكي والعراقي، قد أكد على ان جوهر أهداف هذه الزيارة، هو أهمية التباحث حول اشكالية موقف العراق في موضوع عدم تفتيش طائرات السلاح الايرانية المتوجهة الى دمشق. ومن ثم بحث الازمة السياسية الداخلية العراقية بين حكومة نوري المالكي وشركائه من المكون الكردي والسني، والدور الذي يمكن ان تلعبه واشنطن لتقريب وجهات نظر الفرقاء السياسيين العراقيين، بيد ان المعطيات الواقعية بينت للجميع، ان طبيعة هذه الزيارة لا تتعدى كونها زيارة بروتوكولية وروتينية في ظل تداعيات وتغيرات استراتيجية أمريكية جديدة في العالم، وغياب عسكري لواشنطن على الأرض غداة انتهاء المراحل المهمة من مخطط الإدارات الأمريكية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط من خلال حرب كلفت الأمريكيين نحو 1.7 تريليون دولار.فثمة تغيرات واضحة قد طرأت على الاستراتيجية الأمريكية في العراق ساهمت في انتقالها من حالة الاحتلال العسكري المباشر، وتدمير الدولة وبناء مؤسساتها المذهبية الجديدة القائمة على تفريق المجتمع ومساندة نظام اقتصادي تابع لها، الى حالة من التوجس والمراقبة، للحفاظ على كل هذه المكتسبات داخل مجتمع مقسم عن طريق تأجيج الطائفية واستخدامها سلاحا في البقاء والسيطرة على هذا البلد. حيث أضحت هذه المعطيات الجديدة حقيقة واضحة وشهادات رسمية على لسان الساسة العراقيين أنفسهم، بعد هذا اليأس في غياب إرادة أمريكية موضوعية لتحجيم دور إيران في العراق وتصحيح المشهد السياسي، وبالتالي إعادة موازنة المعادلة الاجتماعية وإرجاعها الى حالتها الطبيعية، مما سيزيد من عجز الولايات المتحدة الأمريكية في التأثير على المشهد السياسي لبلاد الرافدين وبالتالي العمل على تغييره بما فيه ترتيب وإعادة الثقافة الوطنية المسالمة لجميع مكوناته. فبعد ان تم تأكيد فكرة أن ‘حرب النفط’ هي خيار ‘ شرعي’ للإدارة الأمريكية، لغزو العراق وتأمين الزعامة الأمريكية الدولية، إذ في عالم حيث القوة العسكرية والاقتصادية للأمم تعتمد بشكل أساسي على واردات النفط، فإن سيطرة أمريكية عليه، تعني نفوذاً أقل لمنافسيها على السلطة العالمية. وبهذا أصبح من الطبيعي بأن الادارة الأمريكية لا يهمها حالة الوضع العراقي وتداعياته الخطيرة بقدر ما يهمها السعي للمحافظة على ما حققته من أهداف ومكاسب منذ 2003.وهكذا وبعد مضي عشر سنوات على احتلال العراق، ونتيجة للتغيرات المستمرة للوضع الاقتصادي والسياسي للعالم، وبعد أن تم تأمين الحالة العراقية، أصبح من الممكن للولايات المتحدة الأمريكية من التفرغ الكامل لأهدافها الاخرى وإعادة توازن وجودها العسكري تجاه منطقة آسيا ـ الباسفيك، والذي يهدف إلى الاقتراب من الصين. حيث يظهر تعزيز هذا التواجد الأمريكي رد فعل واشنطن تجاه المخاوف الإقليمية بشأن نمو القدرة العسكرية والتأثير الاقتصادي لبكين، التي استغلت الوقت الذي أمضت فيه الولايات المتحدة العقد الماضي في احتلالها للعراق، ومن ثم العمل على تقويض المصالح الأمريكية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والاستراتيجية. كذلك لعب العوامل الاقتصادية الجديدة في استخراج واستغلال الغاز الصخري في الاراضي الأمريكية، التي تمكنت من رفع احتياطي الغاز الأمريكي إلى مستوى يضمن تغطية احتياجاتها من طاقة الغاز على مدى 100 سنة مقبلة، الدور المهم في تقليل أهمية منطقة الشرق الأوسط والعراق من حسابات استراتيجيات الطاقة، وحسابات الاكتفاء الذاتي والسيادي لأكبر دولة عظمى في الوقت الحاضر. من هذا المنطق فقد تكون تصريحات جون كيري الأخيرة في ما يتعلق بامتعاضه من انتهاكات حكومة نوري المالكي الأخيرة ضد المكون السني والكردي، وطلب الوزير الأمريكي للجانب العراقي بوقف تقديم المساعدات العسكرية والسماح للطائرات الإيرانية بنقل الأسلحة الى نظام بشار الأسد ليست الا حبرا على ورق. حيث لا يخفى على كل العراقيين بأن بذرة الطائفية قد زرعت في مجتمعهم بعد 2003، وقد تم إذكاؤها لكي تجد لها مكانا في الدولة والمؤسسة والمدينة. ولا يخفي أيضاً على المسؤولين الأمريكيين ويضمنهم الوزير الجديد جون كيري بأن التركيبة السياسية العراقية القريبة من إيران، التي صاغتها الإدارات الأمريكية في العراق، لا ولن تسمح بأي تغير أو حل كالذي طالب به الرئيس اوباما سابقا ويطالب به اليوم الوزير جون كيري من خلال زيارته الأخيرة إلى بغـداد.من هذا المنظور لم تعد الولايات المتحدة مهتمة بما يحدث في الساحة السياسية والاجتماعية العراقية، وسوف لن يكون لها أي دور سوى هذا الدور البروتوكولي من أجل الحفاظ على مكتسباتها وقواعدها في المنطقة. فغنائهما في العراق سوف تتكفل ببقائها، عوامل وتداعيات غياب الدولة والبوصلة الوطنية وانقسام العراقيين، وانشغالهم بالصراع المذهبي والطائفي الذي زرعته وأذكته. ومفاتيح ثروات البلد النفطية سـُلمت لأياد (أمينة) إلى حليفهما وحارسهما المشترك نوري المالكي ومرجعيته في قم وطهران، أما وطننا اليوم، فهو عراق مغلوب على آمره تفترسه الذئاب والضباع من خلال جريمة الاحتلال وبروتوكول رد الجميل المشترك. فلكل ما تحت تراب العراق لأمريكا ولكل ما فوق أرض الرافدين لإيران.’ كاتب من العراقqraqpt