وصل الأسد إلى الحكم دون أن يكون له خبرة في أمره، فقد كان يُعدّ نفسه قبل موت أخيه لأن يكون طبيب عيون. ولم يُعرف عنه بعد تسلمه مهام أخيه أي صفة فارقة. كل ما كان معروف عنه أنه ابن أبيه. وكان يشفع له شبابه الذي مثّل للسوريين بارقة أمل في تغيير نظام من أبشع الأنظمة العربية وأكثرها رعونة وتغوّلاً لدرجة تحكمه في كل ما يتصل بحياتهم. تولى السلطة بدعم من مخابرات أبيه. وبدأ مسيرته التي قادت البلاد إلى وضع أسوأ من الوضع الذي كانت عليه يوم وفاة أبيه. وأدار السياسة الخارجية بالحماقة أكثر منها بالعقل، انتهى إلى علاقات سيئة مع الدول العربية الرئيسية، مصر والسعودية، وأصبح رهينة لإيران. تجاهل نصائح من حوله ونصائح أصدقاء الأمس. الكل قالوا له إنه ‘ما هكذا تؤتى الإبل’! ولكنه أصر على حكاية مؤامرته بالرغم من تكذيبها الضمني من نائبه ‘الحردان’ في تصريحه الأخير والوحيد منذ ثلاثة أشهر عندما قال لجريدة الأخبار اللبنانية ‘ في بداية الأحداث كانت السلطة تتوسل رؤية مسلح واحد أو قناص على أسطح إحدى البنايات، الآن السلطة وبكل أذرعتها تشكو ـ حتى إلى مجلس الأمن الدولي ـ كثرة المجموعات المسلحة التي يصعب إحصاؤها ورصد انتشارها’. وكذلك اضطر رئيس وزرائه للانشقاق عنه لقصفه المدنيين بلا ذنب أو رحمة. وحتى وزير خارجيته الذي قَبِلَ في آخر زيارة إلى موسكو بالتحاور مع المعارضة المسلحة فعاد الأسد وسحب البساط من تحت قدميه مضيفاً شرط إلقاء المعارضة لسلاحها، أي أنه لا يريد لا حواراً ولا شيء غير القتال الصبياني الشرير.بالأمس زار الأسد وزوجته احد المعاهد التعليمية وعزى الأمهات بمن فقدن وأبدى ألمه وحسرته، وفي اليوم التالي كان عيد الأم حيث لم يتوقف القصف المدفعي والجوي في ريف دمشق وعموم سورية لتبكي أمهات أولادهن وليلعنوه إلى يوم الدين، فكل من يموت هو ثمناً لبقائه في السلطة أو تنحيه عنها. ولكنه يُنكر ذلك ويقول إن المقصود هو سورية، فعن أي سورية يتحدث الآن! عن سورية التي كانت أم عن سورية التي قد لا تكون؟أدخل الأسد سورية في مأساة لم تشهد مثلها لا في تاريخها القديم ولا الحديث. مرت على سورية جيوش مستعمرة كثيرة ولا يذكر التاريخ أنها جلبت عليها خراباً بقدر الخراب الذي جلبهُ عليها، وهو سيدخل تاريخ سورية باعتباره أفظع مخربيها. استعمل ضد السوريين أسلحة محرمة دولياً وهو يستعمل ضدهم الآن السلاح الكيميائي! (ولمن يشك بذلك فعليه تذكر من يستخدم صواريخ سكود ضد المدنيين!) لقد جن جنونه وكأنه لم يعد يملك أي فرصة للبقاء أو النجاة. إنها حماقة الولد المدلل.الحلقة تضيق حوله وتضيق جداً. فقدَ أكثر من نصف جيشه بين قتيل وجريح ومنشق أو هارب. فرقه العسكرية في حالة عجز كامل، ومجموع الجنود الذين يقاتلون معه لا يزيدون بحال من الأحوال عن خمسين ألفاً. لم يلتحق بتأدية الخدمة العسكرية من السوريين إلا 10 ‘ من المطلوبين لأدائها! ولم يحقق أي انتصار في معاركه منذ أكثر من سنة. داريا الصغيرة الواقعة في مرمى فرقته الرابعة الشهيرة تقاومه منذ أكثر من خمسة أشهر ولم يستطع إليها سبيلا. يوسّع دائرة معاركه في محيط دمشق وهو اليوم يقصف ريفها بكل اتجاهاته في الغرب والجنوب والشرق والشمال دونما فائدة. بماذا يأمل الأسد اليوم؟ لا أمل له البتة.لذا يحاول مرة ثانية نشر حريقه إلى لبنان والأردن لعله يجد لنفسه مخرجاً، ويبدو أن حزب الله مستعد للمغامرة ويريدها ليكون تدخله رسمياً فيفتح طريق البقاع إلى حمص. وربما يكون استخدامه للسلاح الكيميائي لإلهاء الآخرين بينما يُحرك الجبهة اللبنانية الشرقية. كأنه يستدعي الغرب للتدخل عسكرياً. عندها ستتحقق ادعاءاته بالمؤامرة. آخر شيء يُفكر فيه هو بقاء ما تبقى من سورية أو لبنان. وصل أبوه إلى السلطة وبقي فيها بدهائه وقسوته، أما الابن فقد حصل عليها دون أي جهد ولا يعرف كيف يحافظ عليها.نور الله السيّدqmn