د. كمال الهلباوي نفس المنظر الذي شهدناه في أفغانستان نشهده اليوم في سوريا ومن خلال القمة العربية، مع فارق أساس واحد هو أن الشباب الاسلامي أو المسلم الذي ذهب إلى أفغانستان في أوائل الثمانينات، كان من المفروض أن يحارب ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان وليس ضد الأفغان، رغم أن بعضهم بعد هزيمة السوفيات اشترك في الفتنة الأفغانية، وحارب مع فصيل أفغاني ضد أخر، مما هيأ الأجواء فيما بعد لنشأة طالبان، وكذلك لاستخدام تلك الفتنة تحت مسمى الارهاب في الغزو الأمريكي. كثرت هيئات الاغاثة الاسلامية لمساعدة الأفغان أثناء الجهاد أو الحرب وخصوصاً من السعودية والكويت، وقامت تلك الهيئات بدور حيوي وجميل في أعمال الاغاثة، ولكن عندما طلب الأمريكان الانفراد بأفغانستان، غادرت تلك الهيئات الساحة مضطرة ولم يقف أحد أمام الغزو الأمريكي أو سلاح الاتهام بالإرهاب بل، وحوكم بعض الإغاثيين ومنع بعض قادتها من السفر خارج السعودية خصوصاً، مما يذكرنا بما حدث للإخوان المسلمين الفدائيين ومحاكمتهم عند عودتهم من فلسطين بعد الاشتراك في حرب 1948 ضد العصابات الصهيونية التي تحولت إلى كيان محتل ومخيف لكل العرب.اليوم كما ذكرت الأخبار نقلاً عن وكالة الأنباء التونسية، يتكرر جزء مهم من المشهد الأفغاني الذي عشته بروحي وعقلي حتى النهاية المفزعة. قطر اليوم ـ كما أشارت بعض المصادر- تقوم في سوريا بدور السعودية والكويت من قبل في أفغانستان، وكله من الخليج. قطر تمول عدداً من الجمعيات الحقوقية والخيرية التي تبتغي إرسال ‘مجاهدين أو محاربين أو مخربين كما يتوقع مستقبلاً، في الفتنة المتوقعة بعد نهاية الحرب الدائرة اليوم في سوريا’ ليس المهم التسمية اليوم. هؤلاء سافروا ويسافرون إلى سوريا عبر ليبيا وتركيا كما جاء في الأنباء. العدد اليوم مثلما يقول المثل، أول الغيث قٌطْرُ’ ثم ينهمر. شكلت كلمة قُطْرُ حتى لا يقرأها أحد قَطُرُ. أنا مع مواجهة أي نظام عربي أو مسلم ديكتاتوري مستبد أو طائفي كريه أو ظالم أو حتى متخلف. يجب أن يزول ذلك النظام ليفسح المجال أمام الحرية والتقدم والعدل والمساواة والشورى أو الديموقراطية الصحيحة، ولكن بشرط مهم كما هو في قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي بدون أن يخلف ذلك شراً أو فساداً أكبر منه أو حتى مساوٍ له وهذه الأخيرة فيها خلاف بين الفقهاء.أعتقد أن تونس ستواجه بعضاً من المشكلات والتحديات الخطيرة نتيجة ذلك الأمر مستقبلاً، وبعد أن يتضح المشهد كاملاً، ويدرك بل ويرى العالم والجاهل نتيجة الصراع المرير.كان من الممكن أن يكون للجامعة العربية قوات كافية تستطيع أن تردع الظالم والمستبد والمتخلف، دون تفرقة بين بلد وآخر ودون تفرقة بين ملكية أو جمهورية ودون تفرقة كذلك بين بلدان الربيع العربي والخريف أو الشتاء العربي، وأن يكون هناك معايير لهذه القوات تتحرك في ضوئها ولخدمة أهداف عربية خالصة، وذلك في ضوء ما جاء القرآن الكريم’وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله’ .أعرف أن هناك من يكفر الطائفة العلوية أو النصيرية ولا يعتبرهما من المؤمنين رغم شهادة بعضهم على الأقل بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. صحيح هناك من تلك الطائفة من هو صاحب عقيدة فاسدة، ومن يمارس نواقض الاسلام والإيمان، وهناك مثل أولئك في كل البلاد العربية من الحكام والمحكومين. فكيف يكون العمل معهم؟ هذا سؤال فقهي يحتاج إلى إجابة محددة وواضحة وإجماع أو شبه إجماع حتى لا يفلت الأمر من نطاق الفتوى الصحيحة، وقد إبتلت الأمة بفتوى الاستعانة في حرب الخليج الأولى، رغم القليل من التحفظات والشروط التي لم يتحقق منها شيء لأننا لا نتعلم كثيراً من الدروس حتى المؤلمة منها، ودخل الأمريكان في الخليج بعد صدام حسين وانتشرت القواعد العسكرية ومكثوا ولم يغادروا، ولم يجرؤ أحد في القمة على مناقشة تلك القضية، لأن بعضهم يرى أن بشار ونظامه أخطر من الهيمنة الغربية وإسرائيل. وهناك فتاوى بذلك أيضاً حتى أثنى بعضهم على اغتيال العالم الجليل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي بإعتباره أحد المنافقين، وأنا هنا لا أناقش من قتل البوطي، ولكنني أتساءل هل قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم المنافقين وكان بهم عليماً؟.معركتنا اليوم مع الاستبداد والتخلف والظلم والتمييز والفرقة. معركتنا يجب أن تدور وفق حشد جميع الامكانات ضد كل أولئك الأعداء، ولكن النظرة الجزئية المجافية للموضوعية والانصاف والاحتلال والهيمنة الغربية والتنازع والتفرقة والحدود الجغرافية التي صنعها الغرب بإتفاقية سايكس بيكو وفق أولويات عربية غائبة واستسلام مذل للهيمنة، ولكن بعضنا من الحكام والمحكومين على السواء في صالح كل أولئك، بل وتلك الأمراض المتفشية المستعصية على الحل، حتى رأينا كثيراً منها لا يزال قائماً في دول الربيع العربي. أخشى أن تخضع تونس مستقبلاً وبسبب مشاركة بعض أبنائها في الفتنة السورية، لقوائم الارهاب الدورية التي تصدرها وتتحكم فيها أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوروبي المهمة.مرة أخرى أنا مع القضاء على الظلم والاستبداد والطائفية وكل أمراض الأمة الظاهر منها والمستتر، وهى طبعاً غير المذهبية المعتبرة عند أهل السنة والجماعة وعند الشيعة الاثنى عشرية أو الزيدية أو الإباضية أو الظاهرية، فكل له أدلته الكلية وإجتهاده وقواعده الفقهية والأصولية ومصادره المعتبرة وفهمه، طالما آمنوا جميعاً بالأصول، ومهما إختلفوا في الفروع تلك التي لن ترى إجماعاً حتى يوم القيامة. أنا لست يائساً، ولم يصبني اليأس يوماً ما، لأن الأمل في المستقبل والأمل في الخلافة التي هي على نهج النبوة تملأ روحي وكياني، ولن يعارض قيم ذلك النهج أحد. قد يعارض بعضهم العقيدة أو الأيدولوجيا أو الشكلية في التدين أو العنف أو التشدد والتطرف، ولكن الغالبية إن لم يكن الجميع، سيدعم تلك القيم العظيمة ومنها الحرية والعدل والشورى والمساواة وحقوق الإنسان، ومنها اليد العليا خير من اليد السفلى، ومنها القضاء المستقل، ومنها العمل الجاد للاستقلال والمستقبل. لا أظن أن هناك من يرفض ذلك إلا إذا كان مريضاً أو غير عاقل، أو ينظر نظرة جزئية قصيرة وكلهم يحتاج إلى علاج قد يكون طويل الأمد، حتى تعلو المصلحة العامة الوطنية والقومية فوق الحدود الجغرافية، وفوق الماديات التي تتنوع وتختلف من زمن لأخر ومن بيئة لأخرى، حسب النعم التي ينعم بها الله تعالى على الجميع، ويقدم من كان في الحكم النموذج الرشيد.وللأسف فإن بعض القضايا العربية اليوم والقائمين عليها يصدق فيهم قول القائل:وزهدني في الناس معرفتي بهم وطول إختياري صاحباً بعد صاحبفلم تُرني الأيام خلا تسرني مباديه إلا ساءني في العواقبيصدق هذا أيضاً على إجتماعات القمة الأخيرة وبعض سابقاتها، التي تتخذ كثيراً من القرارات والتوصيات التي لا تعمل إلا قليلاً، وياليتها تعمل بكل شفافية ووضوح وثقة في الآخرين ودون تناقض مثل الذي وقع فيه الرئيس مرسي حينما حذر في مؤتمر القمة الأخير، بل ورفض التدخل في شؤون مصر الداخلية بكل قوة، حتى إعتبر بعضهم أنها إهانة للقمة، ولكنه يتدخل في شؤون سوريا الداخلية بكل قوة، بما يفسد لا بما يصلح، وإن أراد الإصلاح أو أراد حكام العرب جميعاً الاصلاح مخلصين. لكن الاخلاص وحده لا يكفي لابد من الصواب أو الاتقان معه.إن المهاجرين السوريين اليوم يتعرضون لكثير من الاهانات والتحديات والمظالم، رغم تيسيرات التنقل وسهولة دخول بعض البلاد العربية وليس كلها. ساءني ما سمعته من أن إمرأة سورية عزيزة متعلمة تعليما عالياً، طلبت من إمام أحد المساجد في مصر، أن تعمل لديه خادمة أو لدى أحد ممن يثق فيهم، حتى لا تتعرض للاهانات أو سوء الاستغلال أو التحرش أو الاستمتاع بزواج ما أنزل الله به من سلطان. لا أريد هنا أن أعدد التسميات الكاذبة لهذا الزواج. قد تمر هذه التحديات والجميع منغمسون في الصراع، والمحرك والمراقب للصراع والمستفيد منه لا يراه كثير منا اليوم’أفلا تعقلون’.’ كاتب مصريqmdqpt