التقاسم الوظيفي للسلطة الفلسطينية!

حجم الخط
0

التقاسم الوظيفي للسلطة الفلسطينية!

جواد البشيتيالتقاسم الوظيفي للسلطة الفلسطينية! السياسة القوية، أي التي في مقدورها أن تشق الطريق الي تغيير في الواقع يُعتد به، انما تضرب جذورها عميقا في الحاجات الأساسية، وتمتثل للضرورات، فاذا أردتَ تغيير مواقف الناس فلا مفر لك من أن تبدأ هذا العمل بتغيير سُلم الحاجات والضرورات لديهم. وهذا العمل، بأشكاله ووسائله وأدواته المختلفة، هو ما قامت وتقوم به اسرائيل في صراعها مع الشعب الفلسطيني، الذي احتاج، وما زال يحتاج، الي حل نهائي لمشكلته القومية، فهذا الصراع، الذي تقف فيه الولايات المتحدة الي جانب اسرائيل، انما يستهدف تغيير سلم الحاجات والضرورات لدي الفلسطينيين. ولا شك في أن الهدنة طويلة الأجل هي الهدف الكامن في كل ما يتعرض له الفلسطينيون من ضغوط.الرئيس السابق للموساد افراييم هاليفي أوضح ذلك اذ قال ان التوصل الي هدنة، وليس الي اتفاق سلام، مع حماس هو الأمر الممكن واقعيا في الوقت الحاضر. ويُدرِج الهدنة في اتفاقات مؤقتة طويلة الأجل، يدعو اسرائيل الي السعي من أجلها، فالاتفاق النهائي يحتاج الي مفاوضات، تحتاج الي أن تلبي حركة حماس شروطا ومطالب اسرائيلية لا يمكنها تلبيتها في الوقت الحاضر. وفي رأي هاليفي، لا تحتاج اسرائيل، في الوقت الحاضر، الي مفاوض فلسطيني أكان من فتح أم من حماس، ثم ان هذا المفاوض لا وجود له؛ لأن لا فتح ولا حماس تستوفي، أو تستطيع استيفاء، الشروط الاسرائيلية لتحولها الي شريك فلسطيني في مفاوضات السلام. وبعدما انتهي هاليفي من شرح الأسباب التي تجعل اسرائيل مصرة علي أن لا وجود لهذا الشريك الفلسطيني تحدث عن أهمية وجود عدو ذكي ، يتقن لعبة الأمم ، كحركة حماس.هاليفي انما يريد أن يقول ان الحل الذي تحتاج اليه اسرائيل في الوقت الحاضر، والي أن تجري رياح التغيير في الموقف الفلسطيني العام بما تشتهي سفينة الحل النهائي الاسرائيلية، هو الحل الانتقالي طويل الأجل والمقترن بهدنة طويلة الأجل. وهذا الحل لا يحتاج الي وجود شريك فلسطيني تفاوضه اسرائيل؛ لأنه لا يحتاج لا الي مفاوضات سياسية ولا الي اتفاق سلام. انه يحتاج فحسب الي عدو فلسطيني ذكي، يتقن لعبة الأمم ، أي يملك من القدرات ما يسمح له بجعل الهدنة توأما للأحادية الاسرائيلية في الحل والتي تؤسس لما تسميه اسرائيل الحل الانتقالي طويل الأجل.في الوقت الحاضر، والي أن يصبح ممكنا أن يقبل الفلسطينيون حلا نهائيا، تمتزج فيه الوقائع التي تخلقها الأحادية الاسرائيلية في الحل بالمبادئ التي تضمنتها رسالة الضمانات، ليس من أفق لحل عبر المفاوضات، فالأقصي من التنازل الاسرائيلي غير مقبول فلسطينيا، وليس من مفاوض فلسطيني يستطيع تحمُّل عواقبه. لقد سدَّت اسرائيل والولايات المتحدة أفق الحل عبر المفاوضات اذ أصرتا علي أن يلبي الفلسطينيون شروطا ومطالب لا يمكنهم تلبيتها من غير أن يتخلوا عن معظم وأهم حقوقهم القومية. ثم شرعتا تحاولان سد أفق الحل عبر المقاومة العسكرية، معتقدتين أن مضاعفة عواقب هذا النمط من المقاومة ستجعل للفلسطينيين مصلحة في هدنة طويلة الأجل، تفوق مصلحة اسرائيل فيها.حماس لا تجانب الحقيقة في قولها بأن أفق الحل عبر التفاوض مسدود اسرائيليا بالكامل، ولن يُفتح ولو أعلنت اعترافها بحق اسرائيل في الوجود، ونبذها لما يسمي الارهاب ، والتزامها لكل الاتفاقات السابقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ولو فُتح فلن يُفتح الا لحل نهائي يتخلي فيه الفلسطينيون عن معظم وأهم حقوقهم القومية. وأحسب أن للفلسطينيين مصلحة حقيقية في أن تظل حماس مستمسكة برفضها تلبية الشروط والمطالب الاسرائيلية، التي يظهرونها بين الفينة والفينة علي أنها شروط ومطالب دولية.واذا جاز القول بضرورة أن تقوم حماس، عبر الحكومة التي تسعي في تأليفها، بـ تصويب لسياستها بصفة كونها حكومة فان التصويب الذي يحتاج اليه الفلسطينيون لن يكون، ويجب ألا يكون، من قبيل أن تعلن حماس قبولها لتلك الشروط والمطالب. هذا التصويب انما يكمن في أن تُضمِّن حماس البرنامج السياسي لحكومتها مواقف تُعبِّر من خلالها عن موافقتها علي قول الرئيس الفلسطيني محمود عباس ان تفاوض الفلسطينيين مع اسرائيل يجري باسم منظمة التحرير الفلسطينية التي أمثلها أنا . وأحسب أن موقفا لحماس كهذا يمكنه تذليل كثير من العقبات من طريق قيام حكومة تشارك فيها فتح وتقودها حماس، ومن طريق اعادة بناء المنظمة بما يسمح لحماس بالانضمام اليها، وبنيل تمثيل في مؤسساتها وهيئاتها تراعي فيه نتائج انتخابات المجلس التشريعي.وبفضل هذا التقاسم الوظيفي ، الذي تكمن فيه مصلحة فلسطينية عليا، تتمكن حماس من أن تظل في موقع المعارضة علي الرغم من تأليفها أو قيادتها للحكومة الفلسطينية. وهذه المزاوجة بين المعارضة والحكومة تُكسب حماس مزيدا من القدرة علي خوض معركة في منتهي الأهمية هي معركة الاصلاح الداخلي الفلسطيني بكل أوجهه، وفي مجال مكافحة الفساد علي وجه الخصوص. وبفضله، أيضا، تستطيع حماس، وبالتعاون مع سائر المنظمات الفلسطينية، أن تؤسس لبنية تحتية لمقاومة فلسطينية شعبية شاملة لا تتحول فيها التهدئة مهما طالت، والتي ما زالت حماس تُظهر اهتماما ببقائها والحفاظ عليها، الي تلك الهدنة طويلة الأجل التي دعا اليها هاليفي، فاذا كانت الهدنة طويلة الأجل التي اقترحتها حماس مستحيلة اسرائيليا فان مثيلتها المقترحة اسرائيليا يجب أن تكون مستحيلة فلسطينيا.وحماس لن تخسر شيئا اذا هي قبلت تقاسما وظيفيا كهذا، فاسرائيل لن تفاوض رئيس السلطة الفلسطينية؛ لأن لا حل لديها، في الوقت الحاضر، يحتاج الي مفاوضات مع أي شريك فلسطيني، ولأن الرئيس عباس لن يقف من حماس الموقف الذي تدعوه اسرائيل اليه، والذي يضر الفلسطينيين من غير أن يفيد السلام بشيء. أما اذا أصبح ممكنا واقعيا، ومفيدا فلسطينيا، اجراء المفاوضات فان حماس لن تجد مشقة في التوصل الي اجماع فلسطيني علي ضرورة أن يحظي كل اتفاق تتمخض عنه المفاوضات بقبول ممثلي الشعب الفلسطيني.ان حماس تحسن صنعا اذا هي ركزت برنامجها الحكومي في قضايا الاصلاح الداخلي الذي يأتي بنتائج تؤسس لبنية تحتية لمقاومة شعبية طويلة الأجل لا تعطي اسرائيل، بصفة كونها قوة احتلال، من الهدوء الأمني الا ما يستمد شرعيته من مصالح عليا فلسطينية حقيقية، فالاصلاح الداخلي بأوجهه كافة انما هو مهمة فلسطينية حقيقية لا يشوبها وهم، بينما السلام، أكان مفاوضات أم اتفاقات، لا يستحق أن تنازع حماس غيرها فيه، مع أن وضع الأمور في نصابها، أو ابقاءها فيه، يستلزم استمرار الاجماع الفلسطيني علي ضرورة أن تبقي المنظمة هي المرجعية العليا للشعب الفلسطيني في كل ما يخص عملية السلام، فعدا ذلك لن يفضي الا الي حلول هي المقبرة بعينها بالنسبة الي الحقوق القومية للشعب الفلسطيني.ہ كاتب ومحلل سياسي فلسطيني ـ الاردن8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية