خبراء لـ «القدس العربي»: روسيا تصارع لانتزاع وكالة لإدارة شرقي سوريا… وميل أمريكي نحو أنقرة للحد من نفوذ إيران

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي» : اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على إنشاء شبه دولة على الضفة الشرقية من نهر الفرات شرقي سوريا، وتقسيم الأراضي السورية، معتبراً أن التصريحات الأمريكية المتحدثة عن وحدة سوريا وسلامتها مجرد مناورة لإبعاد الأنظار عن المخطط الحقيقي الذي ترسمه واشنطن في المنطقة.
لافروف الذي نوه إلى الدويلة الكردية بمساعٍ أمريكية شرقي سوريا، لم يخف انزعاج بلاده من منع واشنطن لحلفائها من الاستثمار في المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في إشارة ضمنية على ما يبدو إلى توقف عجلة التطبيع مع الأسد، وتسويف عودته إلى الجامعة العربية. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تستثمر بنشاط لتحقيق هدف «الدويلة»، بما في ذلك إجبار حلفائها على دفع ثمن بناء هذا الجزء من سوريا.
وتعقيباً على ذلك، يقول مدير مركز الشرق للدراسات باسل الجنيدي: «ما يغضب روسيا، هو أنها تأمل اليوم بأن يتم توكيلها أمريكياً بإدارة نواحي الملف السوري كافة حتى بما يتعلق بالانسحاب الأمريكي، والمشكلة أنها لا تريد تقديم أي ضمانات حول قدرتها على الحد من النفوذ الإيراني أو تحقيق الانتقال السياسي. وفي الضفة المقابلة، لا أحد يعلم كيف ستدير الولايات المتحدة عملية انسحابها من شرقي سوريا، لأن القرار غير محسوم في واشنطن بعد، وهو عملياً ما أثّر بشكل واضح على المخرجات الهزيلة لقمة سوتشي».
لكن في المجمل فإنّ الولايات المتحدة تعيق أي توافقاتٍ بين «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» وبين النظام وروسيا، وتميل حسب ما ذكره الجنيدي لـ»القدس العربي» إلى إرضاء تركيا وتوكيلها بالحد من النفوذ الإيراني ليس في سوريا وحدها بل وفي العراق أيضاً. كما أنّ الخارجية الأمريكية تظهر حزماً أكبر في الوقت الحالي بخصوص منع إعادة تأهيل النظام السوري دون عملية سياسية.

روسيا منزعجة!

أما على صعيد النظام السوري، فقد تخندقت دمشق مع موسكو وهذه المرة إعلامياً ضد العدو المفترض «الأمريكي»، وقالت المستشارة السياسية والإعلامية للأسد، بثينة شعبان: «الدول التي تدعي محاربة الإرهاب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الإرهاب في سوريا بهدف إطالة أمد الأزمة فيها، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا».
وفي كلمة لها خلال «مؤتمر فالداي الدولي» في العاصمة الروسية موسكو، قالت إن الولايات المتحدة وحلفاءها يتخذون محاربة الإرهاب ذريعة لشن حروب على الدول ونهب ثرواتها».
ما يزعج الروس بالدرجة الأولى، من وجهة نظر الباحث الدولي د. باسل الحاج جاسم، هو أن «واشنطن تعمل على تمزيق الجمهورية العربية السورية، لتنسف كل الجهود الروسية، وكل ما فعلوه في السنوات القليلة الماضية للحفاظ على وحدة أراضي هذا البلد، هذا من ناحية. ومن جانب آخر لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة في حال نجحت في عملية تقسيم سوريا عبر أداتها الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (المصنف على قوائم الإرهاب في الناتو)، تكون بذلك قد زرعت قنبلة موقوتة في المنطقة يتهدد كل دول الجوار الجغرافي القريب والبعيد ولو بعد حين».
كل دول المنطقة تعرف بأنها هي فسيفساء سواء كانت عرقية أو أثنية أو مذهبية، وسيطال هذا التهديد بعد تركيا، وإيران القوقاز الروسي، وبالتالي سيصل إلى عقر دار الروس، والمتابع لثقافة الانفصاليين يجد انهم يتحدثون حتى عن إقليم «ناغورني كاراباخ» المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا في قلب جنوب القوقاز، بأنه جزء من خريطتهم.
وفي المجمل تريد واشنطن بتمزيق سوريا إشعال المنطقة وإدخالها في حروب لا حدود لها، فحتى ألمانيا وإسبانيا تكافحان وتقفان ضد أي تطلعات انفصالية، وبالتالي المخاوف الروسية هي أبعد من خريطة سوريا، فلا أحد يريد فتح باب الحركات الانفصالية.
ويضيف الباحث الدولي جاسم لـ «القدس العربي» حول تقسيم سوريا: في الواقع تجربة إقليم شمال العراق شجعت الولايات المتحدة على محاولة تكرار السيناريو، ولكنها اصطدمت بواقع ديموغرافي وجغرافي مختلف، قد يكون هو العائق أمامها حتى الآن، بالإضافة للعمليتين التركيتين درع الفرات وغصن الزيتون. وفي سوريا لا يوجد لدى اي أقلية لا مقومات جغرافية ولا ديموغرافية ليس من أجل إقامة كيان انفصالي فحسب وإنما حتى إدارة ذاتية، فالعرب هم أكثرية مطلقة في كل المناطق، محافظة الحسكة العرب فيها أكثر من 75 بالمئة، والباقي خليط من أكراد وتركمان وآشوريين، وفي الرقة العرب هناك أكثر من 92 %، وفي دير الزور العرب أكثر من 99%، وكذلك منبج العرب فيها أكثر من 94 %، والباقي تركمان وشركس وأكراد.

«باطل يراد به باطل»

وهذا يفسر لنا عمليات التهجير ومسح عشرات القرى والبلدات العربية من على وجه الأرض على يد مجموعات عرقية انفصالية تدعمها الولايات المتحدة، حتى أن منظمة العفو الدولية وصفت ما تعرض له العرب شمال وشمال شرقي سوريا بجرائم حرب، كل ذلك في محاولة لتجاوز عقبة الديموغرافية والجغرافيا لإقامة الكيان الانفصالي الاستيطاني. وفق رؤية الباحث الدولي.
القيادي في المعارضة السورية المسلحة، العقيد فاتح حسون، وضع التصريحات الروسية ضد واشنطن ومساعي الأخيرة شرقي سوريا، ضمن خانة «باطل يراد به باطل»، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بأفعال تثير الشكوك والريبة لدى حلفائها. ويتطلب ذلك منها إعطاء تطمينات فعلية لهم حول هواجسهم، وخاصة السوريين الوطنيين والأتراك، لا سيما بما يتعلق بدعم الانفصاليين، وزيادة قدرتهم على إنشاء دويلة بالمحصلة لا يمكنها أن ترى النور.
روسيا حالياً حسب القيادي، «تبحث عن مخرج لنفسها مما انغمست فيه في سوريا، فهي لا تستطيع استعادة باقي المناطق لصالح النظام، ولا تستطيع تأمين أموال لإعادة إعمار المناطق التي يسيطر عليها الأسد، ولا تستطيع أن تمضي بالعملية السياسية كما تريد. وبالتالي لا ترى أمامها سوى الضغط عسكرياً وسياسياً، فتضغط عسكرياً في منطقة إدلب التي تصر أمريكا إلى جانب تركيا على عدم تنفيذ عملية عسكرية كبيرة فيها، وتضغط سياسياً من خلال تصريحاتها ضد الولايات المتحدة والتشكيك بأهدافها ونواياها، مستهدفة من ذلك زعزعة العلاقة الأمريكية – التركية، وإثناء تركيا عن الاتفاق مع أمريكا بما يتعلق بالمنطقة الآمنة شمال شرقي الفرات، لا سيما أنها تقدم لتركيا اتفاق أضنة كبديل عن ذلك.
في كل الأحوال لا يمكننا أن نضع روسيا وأمريكا في كفة واحدة، ولا يمكن أن ننظر لهما نظرة واحدة، وإن كنّا نجد أن دعم أمريكا لـ «ميليشيا قسد الإرهابية» يشكل ضرراً كبيراً لسوريا ولشقيقتها تركيا التي وقفت مع تطلعات الشعب السوري بالحرية والكرامة، ودعمت الثورة السورية عسكرياً وسياسياً ومعنوياً وما زالت، في الوقت الذي تبقى فيه روسيا الجهة التي شاركت النظام وإيران وميليشياتها في كل جرائمهم تجاه السوريين. وفق المصدر المعارض.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية