صعود البغدادي مرتبط بسياسات الغزو الأمريكي أكثر من الأزمة السورية

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: اتهمت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالمسؤولية عن تقدم قوى الإسلاميين في العراق وسوريا لرفضه الاستماع لنصائحها ومدير الاستخبارات السابق دعم المعارضة السورية.
وقالت المسؤولة السابقة التي تخوض حملة إعلامية تحضيرا للسباق الرئاسي في عام 2016 «تحتاج الأمم العظيمة للمبادئ المنظمة وفكرة «لا ترتكب حماقة» ليست مبدأ منظما».
واستخدمت كلينتون لغة حادة في الهجوم على الرئيس وسياسته من سوريا والعراق، مما يزيد من الهجمات عليه خاصة بعد أن أمر بعملية جوية محدودة ضد أهداف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ولمنعهم كما قال من التقدم نحو إربيل عاصمة إقليم كردستان.
وترى كلينتون أن «فشل» السياسة الأمريكية نابع من قرار الوقوف موقف المتفرج خلال الوجه الأول من وجوه الحرب الأهلية السورية.
وقالت «ساعد الفشل على بناء قوة قتالية فعالة من الأشخاص الذين بدأوا الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسدـ وكانوا إسلاميين وعلمانيين وكانوا أشخاصا معتدلين والفشل في فعل هذا ادى لفراغ ملأه الجهاديون». وكما كتبت في مذكراتها «خيارات صعبة» فإنها كانت تدعو من داخل الإدارة لمساعدة المقاتيلين السوريين.
ويقول داعموا موقفها إن ما دعت إليه أثبتت صحته الاحداث الأخيرة. ويقول جيفري غولدبيرغ الذي أجرى المقابلة معها إن معسكر كلينتون يتوقعون قيامها في وقت قريب بتحديد مواقفها والابتعاد عن الرئيس أوباما الذي يعاني من تدن في شعبيته، حيث وضعته بعض الاستطلاعات بأنه الأدنى شعبية منذ الحرب العالمية الثانية. ولاحظ غودلبيرغ هذه النزعة طوال حديثه معها، واشتف من كلامها أنها ستترشح للانتخابات مع أن عباراتها في هذا الصدد كانت غامضة.
ورغم أنها عبرت عن تعاطف وإعجاب بالرئيس «الخارق الذكاء» وتفهمت الظروف الصعبة التي يواجهها إلا أنها وجدت مدخله للسياسة الخارجية مبالغا في الحذر. وقالت إن أمريكا بحاجة لقائد يجعل منها قوة لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق الخير العالمي.
واعترفت أن أوباما في حذره ومحاولته تجنب فعل حماقات مثل سلفه «كان يحاول التواصل مع الشعب الأمريكي من أنه لن يقدم على ارتكاب أفعال جنونية» لكنها أكدت أن الولايات المتحدة ونظرا لسياسة أوباما بدت وكأنها قد انسحبت من المسرح الدولي.
وقالت «عندما تنحني وتتمترس وتتراجع فإنك لن تتخذ القرار المناسب مثلما تتخذه عندما تدفع نفسك وبقوة وبحزم للأمام».
وعندما سألها إن كانت ستترشح للرئاسة قالت إنها «تبحث في الأمر ومن أكثر من طريقة».

مكافحة الشيوعية والإسلامية

وتعتقد أن قوة وتوسع وتصميم الإرهاب الإسلامي يتطلب من الولايات المتحدة تطوير استراتيجة شاملة لمواجهتها، وقارنت الكفاح ضد الإرهاب الإسلامي بالحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد الإتحاد السوفييتي السابق «أحد من الأسباب التي تجعلني أشعر بالقلق لما يجري في الشرق الأوسط حاليا هي قدرة الجهاديين التي يمكن أن تؤثر على أوروبا والولايات المتحدة»، مضيفة أن «الجماعات الجهادية تسيطر على مناطق، ولن يبقوا فيها مع أنهم مندفعون للتوسع، وما يدفعهم هو عداؤهم للغرب والصليبيين، كيف يمكننا احتواؤهم، وأنا أفكر كثيرا حول الإحتواء، الردع والهزيمة».
مضيفة أن الغرب لعب دورا مهما في احتواء الإتحاد السوفييتي «ولكننا ارتكبنا الكثير من الأخطاء، فقد دعمنا رجالا أشرارا، وفعلنا أشياء لسنا فخورين بها في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، لكن كانت لدينا سياسة شاملة حول ما يجب علينا فعله وهو ما قاد لهزيمة الإتحاد السوفييتي وانهيار الشيوعية، كان هذا هدفنا وهو ما قمنا بتحقيقه» وهو ما يفتقده أوباما فيما يتعلق بمواجهة التهديد الإسلامي.

غزة

وبعيدا عن هذا دافعت كلينتون دفاعا حارا عن اسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وقالت «أعتقد أن إسرائيل فعلت ما كان عليها أن تفعله للرد على الصواريخ»، و»لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، فالخطوات التي اتخذتها حماس لوضع الصواريخ في الأنفاق ووضع منشآت القيادة والتحكم في المناطق المدنية عقد من مهمة إسرائيل».
وعندما سألها إن كانت إسرائيل فعلت ما يجب لتجنب قتل المدنيين أجابت « كما نحاول في الولايات المتحدة ان نكون حذرين قدر الإمكان في تجنب المدنيين»، لكن هذا لا يعني عدم ارتكاب اخطاء «لقد ارتكبناها، ولا أعرف أمة مهما كانت قيمها لم ترتكب أخطاء ولكن المسؤولية في النهاية تتحملها حماس».
وذهبت بعيدا للقول «من الصعوبة التعرف على ما حدث من خلال غبار الحرب، فبعض التقارير تقول إنه المدرسة التي قصفت لم تكن بالضبط تابعة للأمم المتحدة، ولكن هناك مبنى تابعا لها كانوا يطلقون منه الصواريخ، وأعتقد كما هو الحال فالشعور بالغضب الذي تشعر به بسبب التغطية، وصور النساء والأطفال يجعل من الصعوبة التوصل للحقيقة». وأضافت «لا شك لدي ان حماس هي التي بدأت بالحرب.. وعليه فالمسؤولية الكبرى تقع على عاتق حماس والقرار الذي اتخذته».

الموقف الدولي

وعندما سألها عن الموقف الدولي من الحرب على غزة كانت سريعة بربطه بالمشاعر المعادية للسامية كعامل رئيسي في انتقاد إسرائيل «من المدهش أن هناك أكثر من 170.000 سوري قتلوا في سوريا، ولديك كتائب روسية تحشد، حيث قامت روسيا بضم أراضي دولة عضو في الأمم المتحدة… لكن رد الفعل ضد إسرائيل مع أن لها الحق في الدفاع عن النفس وطريقة الدفاع عن النفس، هذا الرد لم يكن عادلا».
ومضت للقول «لا يمكنك استبعاد العداء للسامية خاصة في ضوء ما يجري في أوروبا اليوم، فهناك مظاهرات ضد إسرائيل أكثر من تلك التي نظمت احتجاجا على ضم روسيا أجزاء من اوكرانيا أو إطلاق النار على طائرة ركاب مدنية (الطائرة الماليزية)، مما يعني ان هناك شيئا آخر غير ما تراه معروضا على شاشات التلفاز».
كما تحمل كلينتون حماس طريقة «إدارة النزاع»، «ما تراه هو ما يقدمه الصحافيون الغربيون الذين تدعوهم حماس لتغطية الحرب في غزة، وهي مشكلة علاقات عامة قديمة تعاني منها إسرائيل.
نعم هناك عداء جوهري كبير ومعاداة للسامية ضد إسرائيل لأنها دولة قوية وقوة عسكرية فاعلة، فيما تصور حماس نفسها على أنها المدافعة عن حقوق الفلسطينيين وحقهم في دولتهم، وعليه فمعركة العلاقات العامة عادة ما تعمل ضد إسرائيل».

الدفاع عن نتنياهو

وعلى ما يبدو فكلينتون تلمح لمعارضتها للطريقة التي انتقدت فيها الإدارة الامريكية نتنياهو الذي قال إن صعود التطرف الإسلامي في الشرق الأوسط يعني أن إسرائيل لن تنسحب من الضفة الغربية في المستقبل القريب.
وتقول «لو كنت رئيس وزراء إسرائيل فستكون محقا، وأتوقع أن اسيطر على الأمن لأنني حتى لو كنت أتعامل مع عباس الذي يبلغ من العمر 79 عاما وأعضاء فتح الآخرين، الذي يتمتعون بمستوى من المعيشة جيد، ويحصلون على المال من كل شيء لكن هذا لا يحمي إسرائيل من تدفق حماس أو الهجمات الحدودية من أي مكان، والوضع الحالي في العراق وسوريا فهذا يعني تهديدا كبيرا، وعليه فنتنياهو لا يمكنه عمل هذا وضميره مرتاح».
وربطت كلينتون حرب غزة مع ما تراه محاولة حماس للرد على الأوضاع التي جرت في مصر من إطاحة نظام محمد مرسي «فقد وجدت نفسها بالزاوية ولهذا لم أفاجأ من قيام حماس باستفزاز هجوم آخر».

المشكلة الشريرة

وتتمسك كلينتون بموقفها من ناحية فشل الولايات المتحدة دعم جماعات معينة من المعارضة السورية وتسليحها لما كان الوضع كما هو الآن.
مع أنها خصصت في مذكراتها فصلا لسوريا تحت عنوان «مشكلة شريرة» وفيه أشارت لاقتراحات روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا. وترى لو تم فعل هذا لكان للولايات المتحدة القدرة على معرفة ما يجري على الأرض من خلال الجماعات التي دربتها أمريكا ولساعدت هذه الجهود المعارضة السياسية في خارج سوريا، مشيرة إلى ان المعارضة في الخارج كانت تعاني من مشاكل بسبب الخلاف بين الداخل والخارج. وما حدث في النهاية هو أن الرجال الذين يملكون البنادق هم من فاز بالساحة. وعلى ما يبدو فكلينتون تربط صعود الدولة الإسلامية بسوريا لكنها تنسى أن جذورها تعود إلى السياسات الأمريكية في العراق وغزوه عام 2003.
وتقدم صحيفة «نيويورك تايمز» مثالا عن هذا في شخصية زعيم داعش أبو بكر البغدادي الذي اعتقله الأمريكيون في عام 2004 عندما داهموا الفلوجة، وكان في ذلك الوقت في الثلاثين من عمره ونقلوه إلى كامب بوكا، وسجل تحت اسم إبراهيم عواد إبراهيم البدري، وأصبح العالم اليوم يعرف هذه الشخصية الثانوية في الجهاد العراقي باسم أبو بكر البغدادي ألذي نصب نفسه في حزيران/يونيو خليفة للمسلمين.
وينقل التقرير عن مسؤول في البنتاغون «كان بلطجيا عندما اعتقلناه عام 2004». ومن «الصعب تخيل ما سيحدث ولو كان عندنا بلورة للتنبؤ بالمستقبل وأنه سيصبح قائدا لداعش».
وترى الصحيفة أن تطور البغدادي قد تشكل في مرحلة من مراحله بالدور الأمريكي في العراق، وكل التحولات السياسية التي دفعت به ليكون في المقدمة كان نتيجة للتدخل الأمريكي في العراق.
فقد وعد البغدادي على ما يبدو أتباعه بأنهم سيواجهون الولايات المتحدة مباشرة، وهذا ما يجري حاليا بعد قرار الرئيس أوباما توجيه ضربات لمقاتلي الدولة الإسلامية. ولكن صعود البغدادي لم يكن من خلال السلك العسكري في القاعدة بقدر ما كان مرتبطا بدراسته الدينية. وهو في الأربعينات من عمره اليوم، ورغم صعوده على المسرح السياسي الدولي لا يزال لغزا محيرا للكثيرين.
وفي الوقت الذي كرس الأمريكيون فرقا لمتابعته والبحث عنه والتنقيب في حياته وتحليل ما هو متوفر عنه من معلومات إلا أن واشنطن لم تحقق نجاحا وبالضرورة العراقيين.

الظهور الأول

وكان ظهوره في المسجد النوري في الموصل الأول حيث تعرف العالم على هذه الشخصية، وما هو معروف عنه هو حصوله على درجة الدكتوراة في العلوم الشرعية وأنه سليل عائلة تنتسب للدوحة النبوية وخارج هذا فكل المعلومات عنه تدخل في منطقة الغموض والتخبط.
وفي الوقت الذي تقول فيه البنتاغون إن البغدادي اطلق سراحه من المعتقل الأمريكي في نفس العام إلا أن هشام الهاشمي الذي بحث في حياته بناء على طلب من المخابرات العراقية توصل إلى أن البغدادي قضى في السجن 5 أعوام.
ويقول الهاشمي إن البغدادي ينحدر من عائلة مزارعة فقيرة ذات نزعة صوفية، وعندما جاء لبغداد في بداية التسعينات من القرن الماضي بدأت ملامح التشدد تظهر عليه.
ومع بداية المقاومة العراقية ضد الأمريكيين بعد الإطاحة بصدام حسين، برز أبو مصعب الزرقاوي كزعيم للقاعدة أقسم الولاء لزعيمها أسامة بن لادن، ولا يعرف المنصب الذي احتله البغدادي في ظل الزرقاوي.
ويقول مسؤول سابق في المخابرات المركزية الأمريكية ويعمل حاليا في معهد بروكينغز إن البغدادي سافر لأفغانستان وعمل مع الزرقاوي هناك.
ولكن مسؤولين آخرين لا يعتقدون أنه غادر العراق في حياته أبدا فضلا عن سفره لأفغانستان. وبعد مقتل الزرقاوي عام 2006 ركزت الولايات المتحدة جهودها على التخلص من القاعدة وفي السنوات الأخيرة للوجود الأمريكي في العراق قتل الأمريكيون عام 2010 زعيمي القاعدة وذلك في غارة على تكريت، وبعد شهر منها ظهر بيان من القاعدة بتعيين البغدادي مما جعله الأول على قائمة المطلوبين من الولايات المتحدة.
وكانت حظوظ البغدادي في النجاح قاتمة فبحسب تقرير أعده مركز «ستراتفور» للخدمات الأمنية عام 2010 في محاولة لتحليل هذه المجموعة فقد توصل إلى ان المستقبل قاتم. وأشار التقرير إلى المجموعة باسم «الدولة الإسلامية في العراق» وهو اسم تنظيم القاعدة في العراق.
ويربط التقرير بين أزمة القاعدة في العراق والفرصة التي منحتها الانتفاضة السورية للتنظيم، وهو ما أدى بكلينتون وعدد من النواب في الكونغرس لتحميل أوباما مسؤولية صعود القاعدة ، بالانسحاب من العراق بدون ترك قوات لمساعدة الجيش العراقي، وبتردده في دعم المعارضة السورية.
ورغم كل هذا فالبغدادي يظل عراقيا وملتزما بالهم العراقي وصهرته الحرب في بلاده ونشأ في أتون الغزو الأمريكي. واستفاد البغدادي كما يقول المحللون من حالة الحنق التي أصابت السنة بعد الإطاحة بصدام، وعندما تولى إدارة التنظيم عين كما يقول مسؤولون عراقيون، جنرالا في الجيش السابق اسمه الحاج بكر، قائدا عسكريا للتنظيم، وقتل الحاج بكر العام الماضي في سوريا على ما يعتقد البعض.
وقد انتقد البغدادي في أوساط الجهاديين لاعتماده على الضباط البعثيين لكن نجاحاته العسكرية اسكتت الناقدين.
ويقول بريان فيشمان من «نيو أمريكان فاونديشن» ان البغدادي يتمتع بمصداقية لأنه يدير نصف سوريا ونصف العراق».

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية