هل تغامر دول أوروبية بإرسال قوات إلى سوريا وسط تهديدات اردوغان بموجة لجوء جديدة إليها؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول – «القدس العربي»: خلط قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إبقاء مئات الجنود الأمريكيين في سوريا الأوراق الدولية مجدداً وفتح الباب واسعاً أمام أزمة حادة وخطيرة بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي يمكن أن تصل إلى مستوى غير مسبوق من التصعيد.
فقرار ترامب الإبقاء على مئات الجنود جاء لحث دول أوروبية على إرسال جنودها إلى سوريا للمشاركة في إقامة مقترح المنطقة الآمنة وتوفير الحماية لوحدات حماية الشعب الكردية أمام أي هجوم عسكري تركي متوقع وهو ما ستعتبره أنقرة اصطفافاً أوروبياً مباشراً إلى جانب تنظيم إرهابي تعتبره أنقرة تهديداً خطيراً على أمنها القومي، ما سيفتح الباب أمام أزمة خطيرة بين الجانبين.
وعلى الرغم من أن فكرة «المنطقة الآمنة» لم تتبلور بشكلها النهائي بعد، كما لم تعلن أي دولة أوروبية موافقة نهائية على إرسال قوات لها إلى سوريا، إلا أن اردوغان الذي لم يعقب على هذه الأنباء بشكل مباشر، بدأ بإطلاق سلسلة تهديدات لأوروبا.

الرئيس التركي: أوروبا تعيش بأمان بفضل تضحيات تركيا التي لن تستمر إلى الأبد

هذه التـهديدات ارتبطـت بـدرجة أسـاسية بمـلف اللاجئين والتلويح لأوروبا بتحمل موجة لـجـوء هائلة في حال نفذت أجندة لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح التركية في سوريا، ولم يغفل التلويح بالإرهابيين الذين يمكن أن يتسللوا لأوروبا في أوساط اللاجئين وهو ما قد يعيد شبح الهجمات الإرهابية التي شهدتها العواصم الأوروبية خلال السنوات الماضية. وفي خطاب جماهيري له، السبت، جنوبي البلاد، شدد اردوغان على تصميم بلاده على إقامة المنطقة الآمنة شـمال شـرقي سـوريا، «سواء لمست تعـاوناً من حـلفائها أم لا»، مضـيفاً: «مصـممون على إقامـتها بإمـكاناتنا الخـاصة مهـما كانـت الظروف».
وفي تصريح يحمل رسائل شديدة اللهجة، قال اردوغان: «الشعوب الأوروبية تعيش اليوم بأمن وسلام في بلدانها بفضل تضحيات تركيا وشعبها لكننا لن نواصل تقديم هذه التضحيات إلى الأبد»، في تذكير واضح للدول الأوروبية بأن ملف الإرهاب مرتبط بشكل وثيق بملف اللاجئين. وتضغط تركيا باتجاه رفض الدول الأوروبية إرسال قوات جديدة إلى سوريا لدفع ترامب للتعاون بشكل أساسي معها في إقامة المنطقة الآمنة شمالي سوريا ومنع تشكيل قوة دولية تكون حامية للوحدات الكردية هناك التي تتهمها تركيا بمحاولة إقامة كيان انفصالي بدعم غربي.
ومع عودة تهديدات روسيا والنظام السوري بتنفيذ هجوم عسكري واسع على محافظ إدلب، تحث أنقرة الدول الأوروبية الكبرى لا سيما ألمانيا وفرنسا من أجل مساعدتها في ممارسة مزيد من الضغوط على موسكو لمنعها من تنفيذ هجوم واسع على إدلب، وذلك من خلال ما جرى في القمة الرباعية التي عقدت في إسطنبول بين زعماء تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا والدعم الأوروبي الذي ساعد تركيا في توقيع اتفاق إدلب الذي جنـب المـحافظة هجوماً كان سيؤدي لموجة لجوء هائلة نحو تركيا.
وفي هذا الإطار، هدد اردوغان في تصريحات سابقة الثلاثاء بأن «تركيا لن تستطيع تحمل العبء بمفردها بعد اليوم في حال حدوث موجة هجرة جديدة»، معبراً عن «ثقته بأن الأصدقاء الأوروبيين سيقدمون الدعم اللازم لتركيا، فيما يتعلق بإنشاء المنطقة الآمنة المزمع إقامتها في الجانب السوري من الحدود»، مذكراً أوروبا بأن «الهجرة قضية إنسانية وسياسية ذات بعد أمني».
وبينما اعتبر أن «إبقاء اللاجئين داخل حدودنا لا يمكن اعتباره الطريقة المثلى لحل مشكلة الهجرة التي مصدرها سوريا»، مشدداً على أن الدعم الأوروبي للمنطقة الآمنة سيمثل إسهاماً في أمن أوروبا، من خلال الحيلولة دون تدفق اللاجئين وإزالة التـهديدات الإرهابية، وقـال: «إذا لـم نسـتطع إعاـدة ملايـين السوريين المقيمين على أراضينا في تركيا، بهذه الطريقة (المنطقة الآمنة)، فإن المشكلة ستمتد إلى أبواب أوروبا عاجلاً أم آجلاً، وأود أن تدركوا هذا على وجه الخصوص».
وكان السيناتور الأمريكي النافذ ليندسي غراهام تحدث لأول مرة عن أن خطة ترامب للانسحاب تهدف إلى الدفع باتجاه نشر ما يصل إلى ألف جندي أوروبي، لافتاً بشكل واضح إلى أن القوات الأمريـكية التـي ستـبقى هي لتـحفيز الأوروبـيين على نشـر عدد أكـبر من القـوات، وقـال: «الـ200 جندي أمريكي سيجذبون ربما ألف جنـدي أوروبي»، معتبراً أن تهديد داعش مرتبط بالأوروبيين وبالتالي عليهم تحمل 80٪ من العبء في محاربة التنظيم.
لكن الأخطر بالنسبة لتركيا قول غراهام أنه يتحدث إلى ترامب «باستمرار» بشأن الانسحاب وأقنعه بضرورة إقامة منطقة عازلة لحماية الوحدات الكردية من هجوم تركي محتمل.
في السياق ذاته، عبر رئيس الأركان الأمريكي الجنرال جو دانفورد عن قناعته بأن الأوروبيين يمكن أن يشاركوا في هذه القوة بعدما وافقت الولايات المتحدة على إبقاء بعض العسكريين، مشيراً إلى أن «الهدف مزدوج وهو مواصلة جهود مكافحة الإرهاب لمنع عودة تنظيم الدولة وكذلك عدم التخلي عن الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية».
ومع جميع المعطيات السابقة، يبدو أن أنقرة تنتظر اكتمال الصورة لإعلان موقفها النهائي من التصورات الجديدة لإدارة ترامب، إلى جانب الحصول على خلاصات نهائية من وزير الدفاع ورئيس الأركان العائدان لتوهم من واشنطن التي عقدا فيها لقاءات عسكرية رفيعة المستوى تركزت حول الانسحاب الأمريكي.
وفي أكثر من مرة شدد مسؤولين أتراك على رفضهم أن يكون مقترح المنطقة الآمنة يهدف ضمنياً إلى إقامة منطقة عازلة لحماية وحدات حماية الشعب الكردية، ورفضت بقاء القوات الفرنسية في المنطقة عقب انسحاب القوات الأمريكية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية