الخرطوم – رويترز: يواجه السودان عدة صراعات مسلحة وأزمات اقتصادية واحتجاجات في أنحاء البلاد، لكن واحدا من منتجاته صمد في وجه كل تلك الاضطرابات على الرغم من كونه لا يحظى بشهرة واسعة، وهو الصمغ العربي الذي يدخل ضمن المكونات الأساسية لصناعة المشروبات الغازية.
يُستخرج الصمغ من أشجار الأكاسيا، ويستخدم كمادة للمحافظة على تماسك القوام ومستحلب مهم في المشروبات الغازية، إذ يمنع انفصال السكر عن مكونات تلك المنتجات وترسبه في القاع.
كما أنه مهم للغاية في قطاع إنتاج المشروبات على مستوى العالم، وهو ما جعل الولايات المتحدة تستثنيه على وجه الخصوص من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على السودان في عام 1997 بسبب اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان ودعم الإرهاب.
ويُزرع الصمغ العربي بشكل أساسي في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، وهي المناطق الأكثر فقرا وتعرضا للاضطرابات في السودان، حيث تشهد أعمال تمرد منذ سنوات في بلد غارق في مشاكله الاقتصادية الأخرى.
وقال هشام صالح يعقوب، مالك شركة «أفريتك» التي تُصَنِّع 17 ألف طن من الصمغ العربي سنويا وتصدر تلك الكميات إلى فرنسا حيث تدخل في مراحل إنتاج أخرى، «هناك نقص في البنزين والديزل والكهرباء، علاوة على القدرة على تحويل الأموال».
يُستخدم الصمغ أيضا في مواد الطلاء والأدوية ومستحضرات التجميل. ويُنتجه نوعان من شجرة الأكاسيا، وهي شجرة موطنها الأصلي في منطقة الساحل، وهي شريط ضيق من الأراضي القاحلة يمتد بطول الحدود الجنوبية لمنطقة الصحراء الكبرى. والسودان أكبر مُصَدِّر للصمغ العربي في العالم، حيث تشكل صادراته منه ثلثي إجمالي حجم الصادرات العالمية وفقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» لعام 2018. ولدى السودان غابات أكاسيا هي الأكثر كثافة بين مثيلاتها.
وعلى الرغم من المشكلات، فإن قيمة صادرات السودان من الصمغ العربي ارتفعت من 33.1 مليون دولار في 2009، حين أنهت الحكومة احتكارا حكوميا للنشاط، إلى 114.7 مليون دولار في 2017 وفقا لإحصاءات البنك المركزي. لكن وصول المنتَج إلى الأسواق العالمية لم يكن أبدا بالأمر السهل.
ففي العام الماضي، ظهرت مشكلة جديدة، وهي نقص السيولة النقدية السودانية اللازمة لسداد ثمن الصمغ لجامعيه الذين يعيش معظمهم في مناطق نائية وفي ظل ظروف معيشية صعبة على أطراف الصحراء.
وعادة ما يكون جامعو الصمغ مجموعات من الأسر، وتتألف الأسرة الواحدة من نحو عشرة أفراد يبدأون عملية شق الأشجار أواخر سبتمبر/أيلول من كل عام، ويكون ذلك من خلال إحداث قطع في جذع الشجرة باستخدام سكين مخصص لهذا الغرض.
وبعد 40 يوما من عملية شق أشجار الأكاسيا، تنضح الشجرة بالنسغ الذي يتصلب بعد ذلك ويتحول إلى حُبيبات. وتحتاج الشجرة إلى عناية يومية. وإذا لم يتم جمع النسغ المتصلب خلال يومين أو ثلاثة، تتكون قشرة على تلك الحبيبات وتتوقف الشجرة عن إفراز النسغ، وقد يطول هذا التوقف لبقية الموسم الذي يستمر حتى مايو/أيار أو يونيو/حزيران. وإذا جرت عملية الشق بشكل صحيح وفي الوقت المناسب، وبحيث لا يزيد عمق القطع عن سنتيمترين، فإن أجود الأشجار ستنتج الواحدة منها ما يصل إلى كيلوغرام ونصف الكيلوغرام يوميا. وقد تتسبب الشقوق العميقة في توقف الشجرة عن الإنتاج لأشهر. وقال يعقوب ان نقص السيولة النقدية دفعه إلى حد كبير للتوقف عن الشراء هذا الموسم. وقال «بعض المزارعين يقبلون شيكات، لكن هذا يعني إضافة 15 بالمئة إلى التكلفة».
لكن أزهري التجاني الشيخ، صاحب شركة «ميجانا للصناعات» التي تُصَدِّر عشرة آلاف طن من الصمغ سنويا، ما زال يشتري ويقول ان علاقته بجامعي الصمغ وزبائنه الممتدة منذ 20 عاما خلقت ثقة تسمح له بالشراء مع تعهده بالسداد النقدي في وقت لاحق. ويُنقل الصمغ بعد إرساء المزادات لإجراء عمليات التنظيف والتجفيف والتصنيع في الخرطوم، قبل وضعه في حاويات لشحنه إلى أوروبا.
لكن على الرغم من استثناء الصمغ من العقوبات، فإن المصدرين يضطرون للالتفاف على عقوبات مالية منفصلة فرضتها الولايات المتحدة على البنوك السودانية.
ويُصدّر يعقوب إلى «نكسيرا»، وهي شركة أغذية مقرها روان بفرنسا، حيث تفتح هي و»بنك الخرطوم» الذي يتعامل معه حسابات باليورو في بنك «كيه.بي.سي» البلجيكي مع نقل الأموال داخل البنك على نحو حذر، وذلك تفاديا لتسوية المعاملات بالدولار وتعريض أنفسهم للتدقيق من جانب الولايات المتحدة.
ويتبع الشيخ مسارا فيه قدر أكبر من الالتفاف على العقوبات، حيث يؤسس شركات تجارة في بريطانيا والإمارات العربية المتحدة وينقل المدفوعات عبر الإمارات. وقد تستغرق التحويلات ستة أشهر. ولدى يعقوب والشيخ خطط لتوسعة عملياتهما، حتى في ظل الاضطرابات السياسية في السودان. وقال يعقوب ان الأرض والدراسات جاهزة.