ما بعد تنظيم «الدولة»: سيناريوهات إدارة منطقة شرقي الفرات

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي»: شهدت بؤرة الصراع المشتعلة على «الأمتار» الباقية لتنظيم «الدولة» (داعش) في الضفة الشرقية لحوض الفرات في ريف دير الزور، تصاعداً في الهجمات والتفجيرات استعجالاً في إعلان نهاية التنظيم المتشدد، وسط تجدد الاشتباكات العنيفة بين التنظيم المتشدد و»قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة بقوات التحالف الدولي، وتحليق لطيران الاستطلاع التابع له فوق بلدة الباغوز، في محاولة لكسر الخطوط الأمامية للتنظيم الذي يبدي آخر مقاتليه «الملغمين» مقاومة شرسة.
وقالت مصادر مطلعة لـ «القدس العربي»، ان «قسد» شنت مساء الاحد هجوماً عنيفاً، بدعم من قوات التحالف الدولي على مواقع تنظيم «الدولة» في بلدة الباغوز، مؤكدة تصاعد أعمدة الدخان من الجيب الأخير لتنظيم «الدولة»، نتيجة الغارات الجوية والقصف المدفعي.

معارك شرسة ومراقبون يتوقعون إعادة تدوير التنظيم

وامام تطورات الميدان، يبدو ان التمركز الأرضي لـ»دولة الخلافة الإسلامية» قد شارف على النهاية، دون اغفال انتشار خلاياه في البادية والعمق السوري، وهو ما يكسر «نصر» موسكو المزعوم، بالنظر إلى إمكانية تدوير آلاف العناصر القاعدية في تركيبات أخرى.

ما بعد الباغوز

وبالرغم من ذلك يرتقب انهاء فلول التنظيم في الباغوز، واعلان واشنطن نهاية تنظيم «الدولة» في سوريا، ليكون ملف إدارة شرق الفرات – ارض الثروة النفطية – محسوماً نسبياً على المدى القريب والمتوسط بيد واشنطن التي قررت إعادة التموضع بدلاً من الانسحاب، مصرة على منح ذراعها الكردي نوعاً من الحوكمة في بعض المناطق، كورقة قوة ستفاوض عليها واشنطن في الاستحقاقات والمفاوضات من اجل الدفع إلى حل نهائي سوف يطول.
وتبقى المنطقة الأمنية هي اللغز الذي يتطلب الكثير من المفاوضات لبلورتها، وكيفية وتوقيت إنشائها، وتحديد القوى التي ستديرها عسكرياً ومدنياً، خصوصاً أنها تضم جزءاً كبيراً من آبار النفط السورية، فيما يتوقع مراقبون ان تمنح الضمانات لتركيا على حدودها القريبة، وما يقابل ذلك من ضمانات للأكراد عبر الفصل بينهم وبين الجانب التركي، وسط حوكمة عربية ذاتية وأخرى كردية شرق سوريا.
ميدانياً، قالت شبكة الفرات بوست المعنية بأخبار المنطقة الشرقية، ان الهجمات امتدت خلال الـ 24 ساعة الأخيرة من مناطق ريف دير الزور الشرقي، وصولاً إلى الرقة وريفها الشمالي، دون ان يحقق الطرفان اي تقدم يذكر، بيد ان القوات المهاجمة توقعت معركة حاسمة خلال الساعات المقبلة، فقد قال متحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية إن القوات تتوقع «معركة حاسمة» بعد تقدم تدريجي، وقال مرفان قامشلو المتحدث الإعلامي العسكري في «قسد» لرويترز إن قواتهم اشتبكت مع مقاتلي التنظيم لنحو 18 ساعة داخل الباغوز بعد إخراج المدنيين المتبقين واستئناف القتال. مضيفاً ان «قسد» تتقدم بوتيرة بطيئة نوعاً ما، والسبب خشية «المشاكل كون داعش لغمت المنطقة بشكل كثيف جداً. آلاف الألغام موجودة على الطرقات في تلك البقعة الصغيرة» في إشارة إلى قوات تنظيم «الدولة».
في غضون ذلك أطلقت «قسد» الاحد، سراح 283 عنصراً من عناصر تنظيم «الدولة» السوريين، من سجونها بمبادرة من شيوخ العشائر التابعين لمجلس الرقة المدني، حيث يتحدر العناصر الذين تم إطلاق سراحهم من محافظة الرقة والحسكة ومدينة منبج، وذلك تزامناً مع مقتل عدد من الوجهاء في تفجير لتنظيم «الدولة» استهدف مركز «العلاقات العسكرية العامة» التابع لقوات سوريا الديمقراطية. وقالت مصادر محلية لـ «القدس العربي»، ان سبعة من وجهاء العشائر، يرجح ان بينهم «وسطاء» بين تنظيم «الدولة» و«قسد»، قتلوا في هجوم انتحاري واطلاق نار على مركز العلاقات العسكرية العامة في قرية جديدة خابور.

خريطة النفوذ

وثمة سباق يجري حالياً بين الأطراف المعنية بالملف السوري وشمال سوريا تحديداً، لادارة منطقة شرقي الفرات، بعد اعلان نهاية تنظيم «الدولة»، وفي هذا الإطار قال د.خطار أبو دياب، الباحث في شؤون الشرق الأوسط والمحلل السياسي الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، ان المعركة مع تنظيم «الدولة» لن تنتهي، فمنذ نهاية 2017 ونحن نسمع ان المعركة مع التنظيم آيلة إلى النهاية وها نحن في الشهر الثالث من 2019 ومازلنا نترقب، لافتاً إلى ان «نهاية التمركز الأرضي لدولة الخلافة الإسلامية لا يعني ان الخلايا النائمة وامكانيات اعادة تدويرها كتنظيم قد انتهت».
وقال أبو دياب لـ»القدس العربي»، «من حيث المبدأ هذه المنطقة –شرقي الفرات – حتى اشعار آخر هي بيد «قسد» المدعومة من التحالف الدولي، والتي يمكن ان نقدر العنصر العربي فيها حوالي 50 ٪ فيما ان كوادرها الأساسية هم من قوات الحماية الكردية واتباعها».
بيد ان هذا الوضع في شرقي الفرات يحتمل بعض الاستثناءات، برأي المتحدث الذي أشار إلى سيطرة النظام السوري على المربعات الأمنية في الحسكة والقامشلي إضافة إلى بعض المطارات والتواجد العسكري المهم في احد الجبال بالقرب من القامشلي، والامكانيات العسكرية الكبيرة في المنطقة والتي ممكن ان يكون بينها ضباط ايرانيون ومن حزب الله، بعلم روسيا، وقال ان هذا يعني ان خيط الوصل لم ينقطع ما بين سوريا الديمقراطية والنظام الذي لايزال يقدم بعض الخدمات هناك ويدفع الرواتب ويشتري بعض المحاصيل» لافتاً إلى أن هؤلاء ربما يكونون رهينة عند هذه القوات في حال حصل صدام بين الطرفين».
وقال الأستاذ في العلاقات الدولية ان تعقيدات مستقبلية سوف تقترب يوماً ما، في إشارة إلى منطقة البوكمال غير البعيدة عن الباغوز «حيث المحاولات الإيرانية لترتيب الطريق البري الذي يمر من هناك ابتداء من طهران ثم بغداد وصولاً إلى بيروت ولكن في الوقت نفسه هناك استقطاب هائل حيث حاولت امس القوات الروسية مع قوات النظام الدخول إلى قاعدة التنف العسكرية في البادية».
على المدى القريب والمتوسط، ستكون هناك يد أمريكية عبر حوكمة كردية في منطقة شرقي الفرات، حيث قال أبو دياب، ان الجانب الأمريكي سيبقى هناك عبر مئات الجنود سواء 200 او 400 او أكثر، وسط اصرار على منح الأكراد نوعاً من الحكم الذاتي في بعض المناطق، مقابل ان يكون إدارة عربية للمناطق العربية الاخرى خاصة في الرقة ودير الزور عبر مجالس محلية عربية.
لكن بالطلع كل هذا مؤقت ينتظر الحل النهائي، ولكن يمثل هذا النوع من الحل امساكاً امريكياً بورقة شرق الفرات من اجل التفاوض والدفع نحو الحل حسب وثيقة جنيف رقم واحد لعام 30 حزيران/يونيو 2012 حسب المتحدث.
«اما في المدى البعيد سينتج عن المساعي الأمريكية جلوس على طاولة المباحثات بوجود الأوروبيين والاتراك وسط محاولة تليين الأمور بين الجانب التركي والكردي، ومساعٍ في كل الاتجاهات ستنتهي ببلورة حل أخير للمنطقة، بما فيها المنطقة الأمنية الغامضة حتى الان، والتي تتطلب الكثير من المفاوضات لبلورتها».
وبخصوص المنطقة الآمنة او العازلة، قال المتحدث «بالأمس كنا نسمع تصريحات وزير الدفاع التركي انه اتخذ كل التدابير من اجل اطلاق عملية عسكرية لكنه بانتظار تعليمات اردوغان» مفسراً ذلك بانعدام وجود أي ضوء أخضر امريكي او روسي اذ تحدثت الأخيرة عن شرطة روسية في المنطقة الفاصلة.
وفي نهاية المطاف، فبرأي أبو دياب، ان المباحثات ستفضي إلى منح انقرة نوعاً من الضمانات على حدودها الجنوبية، مع إعطاء الأكراد الحق في الفصل بينهم وبين الجانب التركي في مناطق معينة، وكل ذلك سيأخذ المزيد من الوقت، لكن المناخ العالمي والإقليمي ليس ذاك المناخ المريح في ظل عدم وجود الحد الادنى من التوافق مما يجعل هذه المسائل غاية في الصعوبة.
وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط والمحلل السياسي الأكاديمي لـ «القدس العربي»، ان منطقة البادية الروسية تحوي فضيحة كبرى للجانب الروسي الذي يدعي الانتصارات، حيث ترك محيط منطقة السخنة ومناطق أخرى في العمق السوري مرتعاً لآلاف المسلحين الذين ينتمي معظمهم إلى تنظيم «الدولة»، لافتاً إلى اقتراب هؤلاء كطوق ينصب على محافظة السويداء التي يحاصرها عناصر من حزب الله في منطقة اللجاة بين درعا والسويداء، وعناصر من داعش تصل إلى تلول الصفا، وقوات النظام داخل منطقة السويداء. ولفت إلى انه يمكن الحديث عن انهاء داعش في منطقة، لكن ذلك لا يعني عدم تفريخ داعش اخرى في منطقة أخرى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية