لندن ـ «القدس العربي»: لاحظت صحيفة «إندبندنت» العزلة التي وصل إليها رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي بعد تخلي إيران عنه والولايات المتحدة، وقرأت في تكليف حيدر العبادي تشكيل حكومة توافقية من الشيعة والسنة والأكراد خطوة ولكنها خطوة لها ما بعدها، فحكومته التي سيشكلها ستترك آثارها ليس على العراق فقط ولكن على خارجه.
فتنظيم (داعش) الذي يطلق على نفسه اسم الدولة الإسلامية يجب التخلص منه قبل أن يتمكن من القيام بهجمات على الغرب.
ومن هنا فالهجمات الجوية التي أمر بها الرئيس أوباما ستمنعه ولكنها لن تكون كافية لتحقيق النصر في الحرب.
ويظل الحل بيد العراقيين على ما ترى الصحيفة وتراه واشنطن وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية تدفع الجنود العراقيين للقتال من أجل حكومتهم لأن البديل عنها هو قيام أوباما بإرسال القوات البرية للعراق حالة لم تنجح النخبة السياسية في التوصل لتوافق.
فالعراق ينهار ويتفكك لجيوب ثلاثة سنية وشيعية وكردية، فيما توسعت سلطة الجهاديين على سوريا التي دمرتها الحرب اقتصاديا وتحولت فيها الفصائل الجهادية لأهم مكون ضد النظام السوري لبشار الأسد.
وهذا الوضع يدفع بعض المحللين للقول إنه يجب التعاون مع النظام السوري لمواجهة توسع داعش.
الحوار مع الأسد
ففي الوقت الذي يعتبر فيه تشكيل حكومة غير طائفية في بغداد خطوة مهمة نحو هزيمة داعش، إلا أن مالكوم ريفكند، وزير الخارجية البريطاني السابق دعا دول الخليج خاصة السعودية لوقف وصول أموال الداعمين من أبنائها للفصائل الجهادية في العراق وسوريا، ويجب على الدول العربية بما فيها الحكومة العراقية الجديدة، الأردن ومصر التوصل لاستراتيجية مشتركة لمواجهة ما تطلق على نفسها «الخلافة» ويجب على تركيا إغلاق حدودها مع شمال العراق لمنع الجهاديين القادمين من أوروربا وشمال أفريقيا.
وأهم ما في تحليل ريفكند الذي نشره الثلاثاء في صحيفة «إيفننج ستاندرد» هو دعوته للدول العربية والغرب معا للتوقف عن التعامل مع ما يجري في العراق وكأنه منفصل عما يجري في سوريا.
فواقع النزاع هو أن الجهاديين يجمعون بينهما، فالحدود التي رسمها الاستعمار في عام 1922 اختفت بشكل كامل، ويسيطر الجهاديون على معظم الأراضي بينهما. ونظرا لخطورة الوضع فقد يضطر المجتمع الدولي كما يقول ريفكند للتعاون مع النظام السوري. فالحكومة السورية عززت من وضعها في الأشهر الاخيرة «وستصبح وهو ما يثير الأسى الشريك الذي لا يمكن تجاهله في هزيمة الإرهابيين» مشيرا إلى أن جماعات المعارضة تعرضت للتهميش بسبب عجزها وخلافاتها الداخلية ولأن المجتمع الدولي لم يقدم لهم المساعدة في المراحل الأولى من الحرب الأهلية.
ويعتقد ريفنكد أن الدولة الإسلامية ليست عصية على الهزيمة فعدد قواتها لا يتجاوزون 10.000 مقاتل، وأسلحتها ليست متقدمة مع أنها حصلت على بعض الأسلحة من مخازن الجيش العراقي.
ويدعو لعدم السماح للأزمة مع داعش بأن تتحول لحرب بينه والغرب.
ويرفض الوزير السابق المطالب البريطانية الداعية لعودة البرلمان من العطلة الصيفية والتصويت على قرار يسمح للحكومة بالمشاركة عسكريا.
مع ان صحيفة «الغارديان» تحدثت عن قيام المقاتلات البريطانية بنقل أسلحة من الأردن للأكراد.
تنظيم بأجندة
ويذهب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الامريكي لنفس ما يراه ريفكند حيث يقول إن داعش يمثل تهديدا أكبر من القاعدة لأن التنظيم لديه أجندة وهي بناء موطئ قدم له في العراق وسوريا مما يجعله في موضع لتهديد الأردن ولبنان وهذا لن يكون كابوسا إنسانيا بل استراتيجيا لمنطقة تعتبر مصادر الطاقة فيها ضرورية لاقتصاديات العالم، إضافة للخطر الذي يمثله مقاتلو التنظيم على أمن الدول الغربية خاصة أن معظم أفراده من المقاتلين الأجانب الذين جاءوا من أوروبا وحتى أمريكا ودول شمال أفريقيا.
ويستبعد هاس في مقالته التي نشرتها صحيفة «فايننشال تايمز» قدرة الحكومة العراقية على وقف تقدم داعش ويرى الحديث في هذا السياق فانتازيا.
ولهذا يرى هاس ضرورة قيام الولايات المتحدة باستخدام القوة ضد مواقع داعش في العراق وسوريا، وفي هذا السياق فالحدود ليست مهمة، ما يهم هو إضعاف شوكة داعش، مشيرا إلى إن إضعافه قد يفتح المجال أمام تقوية النظام السوري مواقعه، وهو أمر يثير الأسى لكنه ليس أسوأ من قوة الجهاديين.
وفي سياق آخر قد يؤدي إضعاف هؤلاء لفتح الفرصة أمام تقوية ما تبقى من المعتدلين في الثورة السورية.
ويرى ان الخطأ الأكبر كانت الدعوة لتغيير النظام في سوريا بدون فعل شيء لدعم المعارضة السورية أو تقديم السلاح لها وضرب النظام عندما استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، كل هذا أدى لخلق حالة من الفراغ ملأها الجهاديون.
ودعا هاس الإدارة لدعم الأكراد الذين يقفون على خط المواجهة ضد داعش وكذا الأردن الذي يجب أن يحضر للدفاع عن نفسه في الوقت الذي يتصدى فيه لآثار الثورة السورية عليه وتدفق اللاجئين.
استراتيجية صحيحة
وفي نفس السياق ربط المحلل العسكري في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن أنتوني كوردسمان بين داعش في العراق وسوريا.
ففي معرض حديثه عن محاذير التدخل الجوي الأمريكي في العراق والذي اعتبره جوهريا صحيحا، قال فيه إن ترك الأسد يعتمد على إيران وروسيا وحزب الله أمر مفهوم في الوقت الحالي لكن ما هو محذور هو أن يقوم داعش بالسيطرة على مناطق ومدن جديدة، وهو ما يجب منع حدوثه والوقوف أمام تحقيق التنظيم انجازات عسكرية وسياسية في العراق وسوريا.
ويتفق كوردسمان مع سياسة أوباما لكنه يراها محدودة وصائبة في الوقت نفسه وتواجه مخاطر عدة تتعلق بالمكون السني ودعمه لداعش أو انتظاره ما تفضي عنه الأوضاع، وما يتعلق بالسياسات الطائفية لنوري المالكي الذي جرد العراق من شخصيته واستخدام القوات الأمنية لتحقيق أغراض طائفية ضد سنة العراق والأكراد وهو ما أدى إلى تهميش السنة ودفع الأكراد نحو المطالبة بالاستقلال وترك البيشمركة في حالة من الضعف حيث انهارت امام هجوم مقاتلي داعش، إضافة لعلاقة المالكي مع الحرس الثوري الإيراني التي تعتبر في حد ذاتها تهديدا.
ورغم عزل المالكي إلا أن الأخير يظل مصدرا للتهديد فهو يملك المال لشراء الأصوات وتعقيد جهود البحث عن بديل.
ويرى كوردسمان أن المالكي أضعف اللحمة الوطنية لدرجة استدعى فيها الأمر توفير حماية من نوع ما للأكراد والسنة.
ويضيف أن الضربات الجوية لا تكفي وحدها كحل وللأبد ومن هنا لا بد من البحث عن وسائل لدفع المالكي ومن حوله للخروج من السلطة.
ومن هنا ينظر المراقبون أن تخلي الأمريكيين عن المالكي لم يكن كافيا لعزله بل الإعلان الإيراني على لسان علي السمكاني، من مجلس الأمن القومي الإيراني والذي هنأ القيادة العراقية الجديدة.
دور إيراني
ورأت صحيفة « الغارديان» أن تغيير ميليشيا «عصائب الحق» المدعومة من الحرس الثوري الإيراني دعمها من المالكي للقيادة الجديدة تعبر عن حركة منسقة ضيقت من فرص المالكي. ويرى حسين رسام، المحلل الإيراني المقيم في لندن أن تصريحات سمكاني تشير للدور الإيراني في اختيار العبادي «فتعيينه لم يكن ليحدث بدون تعاون إيراني، وجاء نتيجة لمفاوضات ومساومات، هذا أمر لم يحدث في ليلة».
ويرى رسام أن إيران كانت حريصة على تجنب حدوث فراغ في السلطة والتأكد من تعيين رئيس وزراء متعاطف معها وبتعيين العبادي «فقد حققت الهدفين».
بدعمها للعبادي وجدت إيران نفسها في نفس المعسكر الأمريكي. وفي هذا السياق قالت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» ان وزارة الخارحية في محاولة منها لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تقوم بدعم سلسلة من مباريات كرة الطائرة في جنوب كاليفورنيا هذا الاسبوع بين فريقي كرة الطائرة الوطنيين الأمريكي والإيراني، على أمل ان يقوم اللاعبون في استراحات المباريات مناقشة القضايا التي تهم كلا من البلدين في الشرق الأوسط خاصة العراق.
فبعد سنوات من العداء حول التطور السياسي في هذا البلد واتهام الولايات المتحدة للميليشيات المدعومة من إيران بقتل جنود أمريكيين في العراق تقف كل من واشنطن وطهران على نفس الجانب من ناحية دعمها للتغيير السياسي في العراق وتهميش نوري المالكي الذي كان طوال ثماني سنوات من حكمه قريبا من إيران.
ولعل ما يدفع البلدين لهذا الخيار هو الهم المشترك، أي الخوف من مقاتلي الدولة الإسلامية. فقد وحد هذا التنظيم أمريكا وإيران اللتين تريان في تحقيق حكومة وحدة وطنية ممثلة لكل الطوائف المفتاح الرئيس لمواجهة داعش الذي سيطر ولا يزال يسيطر على مناطق في شمال وغرب البلاد.
نفوذ أكبر
ويرى محللون إيرانيون أن دعم إيران لعبادي يعبر عن موقف براجماتي يركز على الخروج من حالة الجمود السياسي في العراق حتى لو بدت القيادة الإيرانية وكأنها متحالفة مع الولايات المتحدة والقوى الغربية.
وأشارت الصحيفة لما قاله رسام من أن التحول الإيراني ضد المالكي لم يحدث في ليلة وضحاها، فبحسب كينيث بولاك الخبير في شؤون العراق وإيران بمعهد بروكينغز فقد شارك اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في اجتماع مع القادة الشيعة في العراق أدى لتضييق هوة الخلافات وترجيح الكفة لصالح العبادي.
وفي مقال كتبته كل من جيسكا لويس وكيمبرلي كاغان في موقع معهد دراسات الحرب في واشنطن تحت عنوان «إيران وميليشياتها تدعم رئيس الوزراء الجديد» لاحظتا فيه كيف تخلت عصائب الحق عن المالكي ودعمت العبادي وعلقتا أن هذا التحول «لن يحدث بدون غطاء من قاسمي».
ويرى بولاك «من الواضح أن إيران لديها النفوذ والتأثير لتشكيل الواقع العراقي أكثر مما نملك» أي الأمريكيين.
والفرق بين واشنطن وطهران أن المسؤولين الأمريكيين واضحون في دعمهم لكل من الرئيس العراقي فؤاد معصوم ورئيس الحكومة المعين العبادي «مما يجعلنا في نفس المعسكر».
ورغم هذا فالولايات المتحدة لن تنسى الدور الإيراني في زعزعة استقرار العراق أثناء احتلال الأمريكيين له ونفوذها في المنطقة من ناحية دعم سوريا وحزب الله.
ولكن إيران لم تعد العدو في المنطقة بل داعش الذي يمثل تهديدا على المنطقة وما بعدها وهو ما يوحد أعداء الأمس ويدفعهم للتعاون، فالقوات الأمريكية ليست وحدها التي تغير على مواقع الجهاديين ولكن الطائرات الروسية ـ سوخوي- التي أرسلتها موسكو لبغداد، فيما قامت طائرات الأسد باستهداف مواقع للجهاديين غرب العراق.
وعلى العموم يظل تعيين عبادي جزءا من حل الأزمة العراقية، لكن أمام إدارة اوباما حقائق على الأرض يقوم الآن بمواجهتها بسياسة محدودة تحقق نتائج محدودة، والمهم هو تحرك الإدارة نحو استراتيجية صحيحة مهما كانت مليئة بالخيارات السيئة وتغيب عنها اليقينيات.
إبراهيم درويش