الدوحة ـ “القدس العربي” :
شكّلت فنون الكتاب أحد أبرز مجالات الفنون الإسلامية. ورغم كثرة الأبحاث حول نشأة فنون الكتاب وتطورها بصفة عامة، إلا أن دور المرأة في تطور هذا الفن الإسلامي لا زال غير معروف بشكل كبير، بل أن نساء اشتهرن في فن الرسم والخط والنسخ وساهمن في تقديم فنون راقية عبر التاريخ لكنهن اليوم شبه منسيات وقلّما يجري التوقف عند أخبارهن وإضافاتهن، وليس هذا إلا جزءاً من تهميش المرأة في المرويات التاريخية بالعموم.
في هذا السياق، وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، توقّفت “مكتبة قطر الوطنية” عند “دور المرأة في فنون الكتب في العالم الإسلامي” من خلال يوم كامل تخلّلته مداخلات ومحاضرات لمختصين ومختصات في مجالات فنية وبحثية متعددة، ركزت في مجملها على إبراز الجوانب الخفية التي برعت فيها المرأة وأظهرت قدراتها الإبداعية والخلاقة في مجال الفنون وتحديدا إبداعها في مجال فنون صناعة الكتب وإنتاجها، مثل فن الخط العربي والزخرفة ورسم المنمنمات.
وقالت الباحثة الدكتورة “ماهرين شيدا رازفي” أن البلاط المغولي من أهم البلاطات في جنوب شرق آسيا، خرج منه مجموعة من الفنانين الماهرين تجاوزت شهرتهم حدود الدولة، لكن لا أحد يذكر في التاريخ أن هؤلاء لم يكونوا كلهم رجالا، بل كان بينهم نساء أبدعن في فنون الرسم والتخطيط والزخرفة، وتركن لوحات خالدة في التاريخ.
وفي محاضرة بعنوان “فنانات وخطاطات مغمورات في البلاط المغولي “،سلطت ماهرين الضوء على فنانات عملن في البلاط المغولي و شاركن في ورش مختلفة وأنجزن أعمالا خاصة صورت عدة أحداث وتقاليد ومناسبات في المجتمع المغولي خاصة أثناء حكم “جيهانغير” في القرن ال16، وذكرت ماهرين أن من بين هؤلاء النسوة الفنانات نديرة بانو ورقية بانو وصحيفة بانو، وأكدت أن معظمهن فنانات من عائلات مرموقة حيث لم يكن من الممكن تصنيفهن في المقام العالي إذا لم يكن من عائلات معروفة، فضلا عن اكتسابهن مهارات فائقة، لأن رعاية هذه المخطوطات ليس بالأمر السهل، وتضيف أن البلاط المغولي كان يولي أهمية واسعة لممارسة الفنون، وتثقيف النساء وتعليمهن كان من أولويات السياسة المغولية، كما أن هؤلاء الفنانات لم يكن سلبيات بل كن يشاركن في نقاشات ونشاطات البلاط، وكن قويات وصبورات جدا وإلا لما استطعن انتاج كل تلك الأعمال الفنية.
وتقول ماهرين لـ”القدس العربي” بشأن الرسالة والغرض من استعراض أعمال لفنانات من القرن السادس عشر، أن “ما قامت به المكتبة الوطنية في قطر أمر غاية في الأهمية، لأن من الواجب إبراز الأدوار والأعمال النسوية في التاريخ خاصة المنسية منها، لأن المرأة تعرضت كثيرا لإجحاف تاريخي في حقوقها وحتى في عطاءاتها”، وتضيف في حديثها على هامش فعالية المكتبة الوطنية “إننا اليوم نبرز عطاءاتهن الفنية، لكن إسهاماتهن السياسية والاجتماعية والثقافية لا تعد في التاريخ البشري..ما نعرضه اليوم أمر بسيط جدا يتعلق بلوحات وفنون غاية في الجمال والدقة حتى وإن كانت كثيرة ومتعددة لكنها تصل إلى قلوب الناس بكل سلاسة”. وتضيف أنه “من المهم الاحتفال بإنجازات هؤلاء الفنانات خاصة في ظل هذه الأوقات الصعبة التي تعيشها النساء في العالم”.
وترفض الباحثة ماهرين التمييز بين الأعمال الفنية على أساس الدين، وتقول إن هذا الأمر “خطير بالنسبة لي”، وتقول إن العهد المغولي زمن مختلف تماما عن ما كان يحدث في الدولة الإسلامية، ومختلف أيضا عن الهند والتيبت، لكن هذا لم يكن يمنع من التفاعل والتبادل الثقافي سواء في شكل هدايا أو خبرات أو رحلات. وتؤكد أن البلاط المغولي كان “استثنائيا” في هذا المجال، وعليه فهي تؤكد أن “وصف هذه الفنون والتعليق عليها لا يجب أن يتضمن محتوى دينيا، بل يجب أن النظر إلى هذه التحف كقيمة فنية لا أكثر ولا أقل”.
وكانت الباحثة صبيحة غول أوغلو تناولت موضوع “المكتبات وكتب الأدعية والنساء في دار الخلافة العثمانية”. وسلطت الضوء على المخطوطات التي كانت بحوزة النساء في عهد السلاطين الأتراك مثل السلطان سليمان والسلطان مراد. ومن خطاطات العصر العثماني أسماء بنت أحمد آغا، وناهدة، وسلمى خانوم، والشريفة عائشة، وبعض أمهات السلاطين مثل درة خانوم أم السلطان محمود خان التي خطت مصحفاً يوجد اليوم في المدينة المنورة.
أما أهم عمل قدمته امرأة في الخط في العصر العثماني، فكان المصحف الذي نسخته الشريفة الحافظة زليخة السعدية، وزركشته بزخارف نباتية غريبة وملونة ومذهبة، ولكل صفحة إطار عريض مذهب محاط بخط أزرق دقيق، وأسماء السور مذهبة، وللأشكال الزخرفية رؤوس وذيول ملونة.
وأكدت صبيحة غول أن أغلب تلك التحف واللوحات والمخطوطات مسجلة كجزء من وقف لدى الدولة، ومنها مقتنيات دينية تعود إلى عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضي الله عنها.
كما عرضت خديجة الغواص فيلم قصير بعنوان “رحلة النور”، وألقت الأكاديمية ماريكا ساردار ورقة بعنوان “المرأة المغولية راعية للمخطوطات: حمیدہ بانو بيجم نموذجا”، فيما ألقت الباحثة أنيتا شودري ورقة حول “الرحلة الشخصية لامرأة مع الزخارف الإسلامية”، واختتمت الجلسات الباحثة فيدا أحمد بمداخلة تناولت فيها “استلهام التقاليد”.