هل المقاطعة الاقتصادية سلاح فعال؟

حجم الخط
0

هل المقاطعة الاقتصادية سلاح فعال؟

محمد خليفةهل المقاطعة الاقتصادية سلاح فعال؟ ذكرت دراسة أجرتها مؤسسة أوبينيون لمصلحة التلفزيون الدنماركي أن 62 في المئة من الدنماركيين يعتقدون أن المقاطعة العربية للمنتجات الدنماركية ستنتهي قريباً، وأن الزمن كفيل بأن ينسي المستهلكين العرب حملة المقاطعة. فيما أكد 25 في المئة أن الأزمة قد ألحقت الضرر بشكل دائم بالعلاقات بين الدنمارك والعالم العربي والإسلامي. وكانت حملة مقاطعة المنتجات الدنماركية قد بدأت في الدول العربية والإسلامية بعد أن نشرت صحيفة يولاندس بوسطن الدنماركية رسوماً مسيئة إلي شخص الرسول محمد (صلي الله عليه وسلم) وفي أعقاب رفض هذه الصحيفة ورفض الحكومة الدنماركية تقديم الاعتذار الرسمي إلي العرب والمسلمين بدعوي أن نشر تلك الرسوم يأتي في إطار ما يسمي حرية التعبير التي لا يفهمها العرب والمسلمون كما يفهمها الغربيون، وحملة المقاطعة هذه تولتها المؤسسات المدنية والشعبية بعيداً عن الحكومات التي التزمت الوقوف علي الحياد. وسرعان ما اختفت المنتجات الدنماركية من مراكز البيع في الدول العربية والإسلامية، وتم استبدال تلك المنتجات بمنتجات أخري قادمة من دول أخري. وتعتبر الدنمارك رائدة في إنتاج الحليب ومشتقاته من جبنة وزبدة وسمن، وهذه المواد تشكل غالبية ما تصدره إلي العالم، وتعتبر الأسواق العربية والإسلامية ولا سيما في دول الخليج العربية المستورد الأول لهذه المنتجات. وبعد أن أعلن العرب والمسلمون مقاطعتهم، فإن أسواقاً كبيرة سوف تُسدُّ أمام الدنمارك لتصريف إنتاجها مما سيعرض هذا الإنتاج للكساد ويلحق أضراراً فادحة بالاقتصاد الدنماركي. ولئن كانت الدنمارك رائدة في إنتاج الحليب ومشتقاته، إلاّ أنها ليست الدولة الوحيدة في إنتاج هذه المواد، بل إن العالم الآن يمور بالمنتجين، بعد أن دخلت دول كثيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية إلي ميدان الإنتاج الصناعي. فقد تبدّل العالم كثيراً عما كان عليه في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. إذ كان الإنتاج الصناعي العالمي آنذاك يأتي من أوروبا والولايات المتحدة، لأن الثورة الصناعية بدأت في الغرب مطلع القرن التاسع عشر. وقد بدّلت هذه الثورة المعادلات التي كانت قائمة، فحلّت الآلة محل العمل اليدوي، وحلّ رأس المال محل الأرض، وظهر المجتمع الصناعي، فزاد الإنتاج واحتاجت الدول الصناعية إلي الكثير من المواد الأولية اللازمة للصناعة، وإلي إيجاد الأسواق العالمية لتصريف إنتاجها، مما أدي إلي ظـــهور حركة الاستعمار. وتنافست الدول الأوروبية في السيطرة علي البلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكان لبريطانيا وفرنسا اليد الطولي، حيث استطاعت هاتان الدولتان استعمار معظم الشعوب في آسيا وأفريقيا وأجزاء من أمريكا اللاتينية. بينما كانت لألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا حصص استعمارية صغيرة. وعمدت الدول المستعمرة إلي نهب الثروات والمعادن من الدول المستعمرة، وأيضاً جعلت الدول المستعمرة أسواقاً لتصريف إنتاجها الصناعي. وكانت عقوبة هذا التنافس المحموم علي الاستعمار نشوب الحرب العالمية الأولي بين الدول الأوروبية الاستعمارية. فقد حاولت ألمانيا التي كانت في أوج نهضتها، أن تزيح كلاًّ من بريطانيا وفرنسا وأن تفتح المجال أمامها للاستعمار في العالم. لكنها فشلت لأن بريطانيا وفرنسا كانتا تملكان ثروات أكثر منها، وكانتا قادرتين علي تجييش الجيوش الهائلة من شعوب الدول المستعمرة، وهذا شيء كانت تفتقده ألمانيا. لكن خسارة ألمانيا هذه الحرب دفعتها إلي خوض حرب ثانية علّها تستطيع تغيير الأوضاع القائمة. فكانت الحرب العالمية الثانية التي أدّت إلي تدمير الإمبراطوريات الأوروبية وانتهاء عهد الاستعمار. فظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين، الكثير من الدول المستقلة في آسيا وأفريقيا. وأصبحت العلاقات بين الدول المختلفة تقوم علي أساس التعاون والاحترام المتبادل، وذلك علي رغم حالة الاستقطاب التي خلقتها الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة. ولم يعد الإنتاج الصناعي يأتي من الغرب وحده، بل دخلت دول جديدة إلي الميدان. فأصبح الاتحاد السوفييتي واليابان دولتين صناعيتين متقدمتين، ومن ثم ظهرت كوريا وبعدها الصين وماليزيا والهند والبرازيل ودول أخري سواها. وأصبح معظم الإنتاج الصناعي العالمي اليوم يأتي من الشرق، وفقدت الدول الغربية القدرة علي فرض إرادتها علي دول العالم الثالث لجعلها تستورد منها فقط. وقد تنبّهت الولايات المتحدة إلي أن الإنتاج الصناعي الشرقي بات يتقدم علي جميع جبهات العالم. فاستغلّت هيمنتها العالمية لدفع العديد من الدول الصغيرة والفقيرة إلي عقد معاهدات تجارة حرة معها. وذلك بهدف إبقاء هذه الدول أسواقاً لتصريف المنتجات الأمريكية، كما أن الولايات المتحدة تحاول إيجاد سوق حرة للتجارة في قارة أمريكا لكي تبقي هذه القارة تحت سيطرتها الاقتصادية. لكن إذا كانت الولايات المتحدة قادرة بصولتها وجولتها علي فرض إرادتها علي بعض الدول الصغيرة، فإن دولة مثل الدنمارك عاجزة عن فعل ذلك، فهي ليست قوة عظمي ولا تملك جيوشاً جرّارة لفرض إرادتها علي الآخرين. وبالتالي فإنها سترضخ لحملة المقاطعة العربية والإسلامية لمنتجاتها، ولن ينفعها الاستنجاد بالاتحاد الأوروبي، لأنه هو الآخر فقد القدرة علي الحروب، وبات يتوسل الوسائل الدبلوماسية فقط لحل نزاعاته مع الدول الأخري. ومن هنا، فإن الدنمارك ستخسر، وسوف تكون خسارتها هائلة، وإذا اتسعت المقاطعة العربية والإسلامية لتشمل دولاً أوروبية أخري، فإن هذه الدول ستخسر أيضاً، ويبقي الحل الوحيد أمام الدنمارك هو تقديم اعتذار رسمي عن مكرهم وكيدهم للأمة الإسلامية ذات الرصيد الحضاري والتراثي، عن الإساءة إلي رسول الحرية نبي الإسلام الموصول بالله الحي الباقي الأزلي الخالد، والذي علّمنا بأن نكون أحراراً أمام الحياة.ہكاتب من الإمارات[email protected]://www.mohammedkhalifa.com 8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية