لندن – “القدس – العربي” : رسم الاتحاد الأوروبي (يويفا) خارطة الطريق الأخيرة المؤدية للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، التي سيستضيفها ملعب “واندا متروبوليتانو” مطلع يونيو/حزيران المُقبل، بعد سحب قرعة الدور ربع النهائي، وتحديد الفائز الذي سيواجه الآخر في نصف النهائي، قبل أن تستقبل القارة العجوز بطلها الجديد، بعد انتهاء الحُكم المدريدي، الذي دام 3 سنوات متتالية، على يد أياكس أمستردام.
الطريق نحو متروبوليتانو
كما تابعنا. أسفرت نتائج قرعة دور الثمانية للكأس ذات الأذنين عن مواجهات متوسطة إلى حد ما، بل من الوهلة الأولى، تبدو للمتابع العادي قبل خبير التحليل، وكأنها مواجهات شبه محسومة، أو على أقل تقدير ليست نهائيات مُبكرة، كما كان الوضع في بعض مباريات دور الـ16، مثل معركتي ليفربول وبايرن ميونيخ أو أتلتيكو مدريد ويوفنتوس، لكن على أرض الواقع، دعونا نتفق أن كرة القدم عموما وهذه النسخة من الأبطال بالأخص، أثبتت بما لا يدع أي مجال للشك، أن المستحيل قابل ليكون حقيقة بين أرجل اللاعبين، خاصة بعد موجة “الريمونتادا”، التي جعلتنا لا نستبعد حدوث أي شيء، بجانب المفاجآت الصارخة، على غرار ما فعله عملاق الإيرديفيسي في اللوس بلانكوس على ملعبه ووسط أنصاره. وبالنظر للطريق المؤدي لملعب أتلتيكو مدريد، سنجد أنه بالكاد مفروش بالورود لنهائي بنكهة كريستيانو رونالدو وليو ميسي، أو نهائي بالصبغة الإنكليزية الخالصة 100% للمرة الأولى منذ نهائي موسكو بين مانشستر يونايتد وتشلسي، ولنبدأ بإلقاء الضوء على اللقاء الجماهيري الأهم، الذي سيجمع كبير الإنكليز اليونايتد ببرشلونة، في معركة ثأرية على أنغام وذكريات ليالي الخريف الحزينة التي عاشها شيخ المدربين سير أليكس فيرغسون مرتين قبل اعتزاله، بهزيمة أولى في نهائي ملعب “الأولمبيكو” عام 2009، وبعد عامين، تجرع من نفس الكأس، حين خلع قلوب مشجعي الشياطين الحُمر على صحته، في مشهد رعشة يديه بعد سقوط فريقه أمام البرغوث في قلب قبلة كرة القدم “ويمبلي” عام 2011، والآن جاء الدور على تلميذه النجيب أولي غونار سولشاير، ليرد الصاع صاعين للبلوغرانا، لكن عزيزي القارئ، هل تعتقد أن مهمة المدرب النرويجي سهلة أو في أضعف الإيمان متكافئة؟
الإجابة
من الناحية الظاهرية تبدو كذلك، خاصة بعد الرسالة المُخيفة التي بعثها اليونايتد للجميع، بعودته المُذهلة أمام باريس سان جيرمان في عقر داره “حديقة الأمراء”، لكن بنظرة واقعية، فالمنطق يقول أن الأفضلية والتوقعات والترشيحات تَصب في مصلحة العملاق الكتالوني، أولاً المدرب ارنستو فالفيردي لا يشعر بضغط في مبارياته المحلية، قتل لقب الليغا إكلينيكيا، بفوزه على ريال مدريد في كلاسيكو الجولة الـ26 بهدف إيفان راكيتيتش، وقبلها وضع قدما في نهائي كأس الملك، التي ستُقام على ملعب “بينتو فيامارين”، في 25 مايو/أيار المُقبل، عكس الفريق الإنكليزي، الذي ارتدت عليه “ريمونتادا” باريس سان جيرمان، بخروجه المفاجئ من أعرق بطولات العالم كأس الاتحاد الإنكليزي بهزيمته أمام ولفرهامبتون في الدور ربع النهائي، وقبلها تعرض لخسارة مُحبطة أمام آرسنال في قمة الأسبوع الـ30 للبريميرليغ، التي على إثرها تراجع الفريق للمركز الخامس، أضف إلى ذلك، أن اليونايتد سيخوض معارك لا تَقبل القسمة على اثنين في شهر “ابريل الحاسم”، منها على سبيل المثال 3 مواجهات من الوزن الثقيل ضد إيفرتون ومانشستر سيتي وتشلسي على التوالي، ما يعني أن سولشاير سيكون أمام خيارين أحلاهما بطعم “العلقم”، وهو إما أن يصب كل تركيزه على البطولة الوحيدة المُتبقية له هذا الموسم الأبطال، كما فعل جوزيه مورينيو قبل 3 مواسم، عندما ضحى بالمركز الرابع، لضمان مقعد الأبطال من خلال “اليوروبا ليغ”، أو التركيز أكثر على الدوري، بمبدأ عصفور في اليد ولا 10 على الشجرة، خاصة وأن فرصه ما زالت قائمة لإنهاء الموسم في المركز الرابع وربما الثالث بعد وصول الفارق مع توتنهام لثلاث نقاط فقط.
رأي فني
كل المؤشرات تُعطي أفضلية لبرشلونة بنسبة تزيد على 60 أو 70% أكثر من اليونايتد، بطبيعة الحال ليس تقليلاً من شأن المارد الإنكليزي، بل لوجود كائن فضائي في الفريق المنافس، من الصعب وبدون مبالغة أو تطبيل، يَستحيل إيقافه بالطرق المشروعة عندما يكون في يومه، ولعل من شاهد آخر مباريات برشلونة قبل فترة التوقف الدولي، وبالذات مباراتي ليون وريال بيتيس، رأى بعينيه أشياء لا تُصدق في أرقى وأمتع فنون كرة القدم. في الحقيقية، المستوى الذي وصل إليه ميسي بعد الثلاثين، من الصعب اختزاله في كتب ومجلدات، كما قال الفيلسوف بيب غوارديولا: “لا تتحدث أو تكتب عن ليو، فقط اكتفى بالاستمتاع بما يُقدمه”، بجانب ذلك، فهو يُعطي دوري الأبطال أهمية مضاعفة هذا الموسم، ليتساوى في عدد مرات رفع الكأس ذات الأذنين عن الغريم الأزلي كريستيانو، وأيضا كما أشرنا في وقت سابق، لوضع حد للحرج الذي صدره الريال للاعبي البارسا أمام جماهيرهم، باحتكار البطولة 4 مرات في آخر 5 مواسم، مقابل مرة واحدة لأصحاب “كامب نو”، حتى لغة الأرقام والإحصائيات، تُعطي مؤشرات أن طريق “واندا متروبوليتانو” مُمهدا أمام ميسي، كيف لا وهو أكثر من جلد شباك أندية الدوري الإنكليزي الممتاز، بواقع 22 هدفا في 5 فرق من الستة الكبار، بواقع 9 في ضحيته المُفضلة آرسنال، وستة في مانشستر سيتي وثلاثة في تشلسي واثنين في اليونايتد (في مباراتي نهائي) ومثلهما في توتنهام. وهي إحصائية تعكس وتُخلص مدى تفوق وعلو كعب ميسي أمام أندية البريميرليغ، إلا إذا حدث ما لا يتوقعه أو ينتظره مشجعو البارسا، أن يسقط ليو ضحية الإرهاق والتعب، خاصة بعد عودته لمعسكر المنتخب الأرجنتيني للمرة الأولى منذ نهائيات كأس العالم، وبعد المجهود الكبير الذي بذله منذ عودته من إصابته الأخيرة، هنا قد يتحول الحلم الكتالوني إلى كابوس، في ظل اقتصار الحلول في الثلث الأخير من الملعب على البرغوث، سواء بلحظة إبداعية منه على المرمى، أو تقديم الهدايا على طبق من فضة في دفاعات المنافسين، أو قد يكون مدافع اليونايتد كريس سمولينغ صادقا فيما قاله، أنه “الوحيد على هذا الكوكب الذي يعرف شفرة ميسي”، إذا فعلها الدولي الإنكليزي في مباراة الذهاب التي سيحتضنها ملعب “أولد ترافورد” في العاشر من الشهر المُقبل، ويا حبذا لو “أكمل جميله” لإياب “كامب نو”، قطعا ستنتظر كتيبة سولشاير الفائز من ليفربول وبورتو في معركتي نصف النهائي، وسيتحول سمولينغ لبطل قومي في الجزء الأحمر من عاصمة إنكلترا الثانية، وقبل أي شيء، سيكون الرجل الذي تجرأ ومنع ميسي من تحقيق هدفه الأهم هذا الموسم.
المُدمر الآخر
بالنسبة للفضائي الآخر كريستيانو رونالدو، فسيكون هو وفريقه يوفنتوس على موعد مع اختبار يُدرج تحت مُسمى “السهل المُمتنع” ضد أياكس أمستردام، صحيح النجم المغربي حكيم زياش ورفاقه قدموا مباراة للتاريخ بكل ما تحمله الكلمة من معنى أمام ريال مدريد، لكن المشجع المدريدي نفسه، يعرف جيدا، أنه لو أعيدت المباراة أكثر من مرة سيخسرها فريقه، للحالة الكارثية التي كان عليها خط الدفاع بدون القائد سيرخيو راموس، أما في صدام الدور ربع النهائي، سيكون الأمر مُختلفا 180 درجة، أمام فريق مُنظم دفاعيا وخطوطه متقاربة للغاية، وقبل أي شيء، يملك من الجودة والكفاءة في دفاع ما يكفي للتعامل مع الأخطاء التي وقع فيها مدافعو الريال أمام أياكس، وأيضا وضع اليوفي لا يختلف كثيرا عن البارسا، هو الآخر قتل الكالتشيو بانفراده بالصدارة بفارق 15 نقطة عن الوصيف نابولي، أي أن المدرب ماسيميليانو أليغري، لن يجد مشاكل أو صعوبة لإراحة سلاحه الفتاك رونالدو لمباريات الأبطال، تماما كما كان يستخدمه زيدان في آخر موسمين مع الميرينغي. وبوجه عام، ستكون مواجهة بعنوان “الخبرة ضد الشباب”، متمثلة في تمرس رونالدو وبقية رفاقه على هكذا مواعيد كبرى، عكس ممثل الأراضي المنخفضة، العائد لتوه للظهور في الأدوار الإقصائية منذ أكثر من 10 سنوات، ما يعني أنها ستكون مباراتي التفاصيل البسيطة، في الغالب لن تكون عامرة بالأهداف كما وجد لاعبو أياكس الفرصة أمام الميرينغي في مباراتي دور الـ16، المتوقع أن يذهب أليغري إلى “يوهان كرويف آرينا” في العاشر من الشهر المُقبل، مُتسلحا بأسلوبه المُخدر المعروف عنه في مثل هذه المباريات، بقتل المباراة بثلاثة لاعبين على الدائرة، وخلفهم رباعي دفاعي لا يتحرك إلا للضرورة القصوى، لضمان عدم استقبال هدف في المقام الأول، واللعب على فرصة أو فرصتين طوال المباراة لتحطيم معنويات الخصم بهدف لا يُعوض، وفي وجود رونالدو بهذه الحالة الخارقة عندما يتعلق الأمر بدوري الأبطال، كما لقن مُنتقديه درسا لا يُنسى في مباراة أتلتيكو مدريد الأخيرة، سيكون من الصعب إراحته بسهولة من البطولة، أو قد يكون للقائد المُستقبلي لهولندا ماتياس دي ليخت رأي آخر، على طريقة سمولينغ وليو، وينجح في مراقبة صاروخ ماديرا على أكمل وجه، أو بالأحرى ينجح في كبح جماح هذه الطاقة المُتفجرة، معها سيحرم السيدة العجوز من أكثر من 60 أو 70% من قوتها الضاربة في الهجوم، وسيكون الجريء الثاني الذي منع النهائي المُنتظر بين رونالدو وميسي، وكذا ستكون رسالة واضحة، أن ما فعله أياكس أمام ريال مدريد، لم يكن ضربة حظ، أو كما يقول بعض النقاد “أياكس أخرج كل ما لديه أمام حامل اللقب في آخر 3 سنوات”، على اعتبار أن المنافسين في هذه الأدوار سيكونوا أكثر حذرا من الملكي، الذي بالغ في الاستهانة والاستهتار بمنافسه.
صدام إنكليزي خارج التوقعات
الفائز من زملاء رونالدو وأياكس، سينتظر الفائز من المعركة الإنكليزية الخالصة بين الإعصار السماوي لمانشستر سيتي وديوك توتنهام، وكالعادة، نعرف دائما أنه من الصعب جدا توقع نتيجة أي مباراة إنكليزية، من كان يُصدق أن ليفربول سيكتسح السيتي الموسم الماضي في ربع نهائي الأبطال؟ في الوقت الذي كان السيتيزينز يحتفل بفوزه بلقب البريميرليغ في وقت مُبكر جدا، أيضا توتنهام يمر تقريبا بنفس ظروف ليفربول الموسم الماضي، المدرب ماوريسيو بوتشيتينو وفريقه، يفعلون الشيء ونقيضه طيلة الموسم، فبعد البداية الموفقة على مستوى البريميرليغ، بالابتعاد بالمركز الثالث، تراجعت النتائج بشكل صادم، لدرجة أنه بات مُهددا بالخروج من المربع الذهبي، إذا استمر وضعه كما هو عليه، لكن الشيء اللافت للنظر، أن الفريق يسير بُخطى ثابتة في دوري الأبطال، بدأها بإنهاء مجموعة الموت مع برشلونة والإنتر وآندهوفن في المركز الثاني، ثم إقصاء بوروسيا دورتموند من الدور الفائت، بافتراسه في “ويمبلي” بثلاثية نظيفة، وفي إياب “سيغنال ايدونا بارك”، اكتفى بهدف هاري كين، وكأن المدرب الأرجنتيني يصب كل تركيزه على البطولة الأوروبية هذا الموسم، وليس مركز الأبطال، وهذا في حد ذاته، يُصعب المهمة على فريق بيب غوارديولا، الذي سيزدحم جدول مبارياته بطريقة غير مسبوقة في تاريخه في شهر الحسم، كونه الفريق الإنكليزي الوحيد الذي ما زال يُحارب في كل الجبهات، حتى بعد حصوله على كأس الرابطة، لنا أن نتخيل أنه مع عودة اللاعبين من العطلة الدولية، سيكون السيتي على موعد مع مباراة كل 3 أو 4 أيام، ما بين البريميرليغ ونصف نهائي الكأس ضد برايتون ومباراتي توتنهام في الأبطال، والسؤال الذي يفرض نفسه، هل سيصمد بيب ورجاله للنهاية؟ ولو مارس الإرهاب الكروي، الذي يفعله في مبارياته مع توتنهام في الآونة الأخيرة، هل سيضمن أن المخزون البدني للاعبيه لن ينفد قبل الاصطدام بالمنافس المعروف مُسبقا في نصف النهائي، والإشارة إلى اليوفي، باعتباره الأوفر حظا من أياكس (على الورق)، الأمر ينطبق كذلك على ليفربول إذا تجاوز بورتو في الدور المقبل واصطدم ببرشلونة (في حال فوزه على اليونايتد)، لذا لو سارت الأمور على هذا النحو وبدون مفاجآت غير متوقعة، فقد يكون عالم كرة القدم على موعد مع نهائي حِلم خارج كل التوقعات بين رونالدو وميسي… أو قد يكون للساحرة المُستديرة رأي آخر وتأتي لنا باثنين خارج كل التوقعات.