هل يمكن أن تعود العلاقات السعودية التركية إلى ما قبل جريمة خاشقجي في ظل وجود بن سلمان؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول-“القدس العربي”:منذ الأيام الأولى لوقوع جريمة قتل وتقطيع الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول سعت تركيا عبر كل الوسائل والأساليب إلى عدم تحويلها إلى أزمة سياسية واقتصادية مباشرة مع الدولة السعودية، وذلك للحفاظ على العلاقات بين البلدين رغم فظاعة الجريمة.

وفي هذا الإطار، عملت تركيا بالدرجة الأولى من أجل تدويل القضية من خلال الاستراتيجية الإعلامية التي اتبعتها لجعل مطالب التحقيق ومعاقبة المسؤولين دولية كي لا تعتبر أزمة سياسية مباشرة بين أنقرة والرياض، ونجحت بالفعل في جعل الضغوط على الرياض تأتي من واشنطن والعواصم الأوروبية وهو ما صعب على الرياض اعتبارها أزمة مباشرة مع تركيا فقط.

كما أعطت أنقرة السعودية مساحة زمنية كبيرة جداً ومهلا متتالية من أجل أن تقدم روايتها بشكل “يحفظ ماء وجهها” والتأكيد على أن ما وقع لا يعبر عن السياسة الرسمية السعودية وأن الجريمة نفذت من قبل مسؤولين سعوديين صغار بدون علم القيادة العليا.

لكن وعقب أسابيع من المباحثات والمناورات تيقنت الرياض أن مطالب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أكبر بكثير من الثمن الذي استعدت إلى دفعه، فأنقرة رفضت كافة الإغراءات الاقتصادية وعروض التستر على القضية وإغلاق ملفها بدون اكمال التحقيقات والكشف عن كافة تفاصيل الجريمة لا سيما ما يتعلق بمصير الجثمان والمنفذين وإجراء المحاكمة في إسطنبول موقع تنفيذ الجريمة.

وفي الواقع، فإن المطالب السابقة ليست بالمعضلة الكبيرة، وكان يمكن للرياض وأنقرة التوصل لتفاهمات حولها وكشف مصير الجثمان، والاتفاق على آلية ما لمحاكمة المنفذين المباشرين للجريمة، لكن الخلاف الأكبر تمحور حول الكشف عن رأس الهرم السياسي الذي أعطى الأوامر لتنفيذ عملية القتل.

فتركيا وعلى الرغم من أنها تجنبت توجيه الاتهام بشكل رسمي ومباشر إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا إنها قدمت مئات الإشارات والتسريبات والتلميحات التي تتهمه بالمسؤولية الكاملة والرئيسية عن إعطاء الأوامر بتنفيذ الجريمة.

وبعد أن خلصت أنقرة إلى نتيجة مفادها أن محمد بن سلمان هو المسيطر فعلياً على الحكم في المملكة، وبعد ان تراجع احتمال لجوء الملك سلمان إلى عزله وتجنيب المملكة مزيداً من الإحراج، باتت خياراتها محصورة إما بالتصعيد المباشر ضد بن سلمان وبالتالي الدخول في أزمة سياسية واقتصادية مباشرة مع الدولة السعودية، أو القبول بحل ما مع بن سلمان بشكل مباشر لطي ملف خاشقجي مقابل تحسين وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بشكل واسع.

هذان الخياران يبدوان أصعب من بعض على القيادة التركية التي اتخذت قراراً استراتيجياً بتجنب التصعيد المباشر مع السعودية والحفاظ على العلاقات معها، وفي الوقت نفسه يبدو من الصعب جداً على اردوغان القيام بأي اتصالات أو لقاءات رسمية مع بن سلمان مقابل طي ملف خاشقجي الذي تعهد بإبقائه حياً حتى كشف ملابسات الجريمة ومحاكمة المتهمين.

وفي ظل هذه الخيارات الصعبة، تبدو تركيا أقرب إلى الحل الوسط المتمثل في الاستمرار في سياستها الحالية والتي اتبعتها منذ بداية الأزمة، تلك القائمة على عدم السماح على الإطلاق بالتستر على الجريمة واستمرار الضغط على السعودية ولكن بطريقة دبلوماسية هادئة ترتكز على سياسة التدويل وتحريك الأطراف الخارجية والتسريبات الإعلامية لتجنب الدخول في أزمة مباشرة مع المملكة.

ورغم أن انقرة تأخرت كثيراً في القيام بخطوات عملية كبيرة لتدويل التحقيق في الجريمة، إلا أنها قامت بالكثير من الخطوات الضاغطة والتحضيرات والتي كان آخرها إصدار الانتربول الدولي مذكرات توقيف حمراء بحق 20 من المتهمين بالمشاركة في جريمة قتل خاشقجي وهو ما يخول الشرطة الدولية بملاحقة واعتقال المطلوبين في حال تحركهم بأي مكان في العالم.

وكنتيجة للضغط التركي والسياسة التي اتبعتها أنقرة لضرب مكانة بن سلمان في الولايات المتحدة، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قبل أيام مشروع قانون يدعو الرئيس دونالد ترامب إلى وقف الدّعم الأمريكي للتحالف بقيادة السعوديّة في الحرب باليمن ما لم يحصل على تفويض من الكونغرس. كما طالب رئيس اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، بير أنطونيو بانزيري، الاتحاد الأوروبي بتحقيق العدالة في قضية خاشقجي، واتخاذ موقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية.

وعلى الرغم من أن خطوات تدويل المحاكمة تسير بشكل بطيء إلا أنها تثير قلقاً متزايداً في المملكة ما دفعها للتأكيد قبل أيام على أنها ترفض بشكل مطلق الدعوات لإجراء تحقيق دولي في جريمة قتل خاشقجي معتبرة أنها “قادرة على تقديم الجناة للعدالة”.

ورداً على ذلك، أكدت الرئاسة التركية أن أنقرة ستخدم العدالة “بكل قوتها” إلى حين العثور على جثة خاشقجي، وتحديد المتعاونين المحليين، والكشف عن من أعطوا أمر القتل، وشددت على ضرورة التحقيق في كافة تفاصيل الحادثة دون تسييسها، وهي إشارة متجددة على استمرار الضغط التركي بطريقة لا تتحول لأزمة سياسية مباشرة مع الرياض.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية