وقّت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استهتاره بالقرارات الدولية 242 و338 التي تقتضي الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان السورية المحتل، والقرار 497 الذي يبطل فيه قرار إسرائيل ضم الهضبة من جانب واحد، واعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الهضبة، باقتراب موعد الانتخابات التشريعية في إسرائيل.
بيد أن استهتارا بالقانون الدولي كهذا يتعدى كونه دعما سخيا لتكتل ليكود في هذه الانتخابات، انه اعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان «بمناسبة» الموسم الانتخابي وليس «من أجل» هذا الموسم، مثلما انه، بهذه التغريدة او من دونها، لا يزال تكتل ليكود يشكل القوة السياسية الاكبر نسبيا في إسرائيل، ومن الصعب توقع انقلاب للأوضاع في هذا المجال، بل ينحصر الرصد في التوزيع الذي سوف تناله الاحزاب القومية الدينية والقومية المتطرفة على يمين الليكود داخل الكنيست.
في العشرية التي اعقبت مؤتمر مدريد، لم يفاوض الجانب الإسرائيلي ابدا مع الجانب السوري على اساس رفض الانسحاب من الجولان من حيث المبدأ، وانما على عمق هذا الانسحاب ومداه الجغرافي، هذا بالرغم من قرار الكنيست بضم الهضبة عام 1981، وعدم وجود قرار مماثل بالنسبة الى الضفة الغربية. حتى نتنياهو، بوصوله الى السدة عام 1996، ما كان بامكانه ان يتخفف تماما من مبدأ الانسحاب من الجولان، ولو انه عمد الى ارجاع المفاوضات الى نقطة الصفر، الامر الذي اعترض عليه الجانب السوري واصر على استئناف المفاوضات من حيث توقفت. اليوم، الرئيس الأمريكي يبادر عشية انتخابات إسرائيلية الى احياء موضوع شبه مغفل، كما لو انه يقول ان حصيلة الحرب السورية المباشرة في هذا الصدد هو تمليك الجولان لإسرائيل دون وجل.
في إسرائيل نفسها الذي قابل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو اعتراف ترامب هذا بالابتهاج، وجد مع ذلك تحفظين صهيونيين حيال هذا الاعتراف. فمن جهة، ثمة من اعتبره تدخلا فظا ونافراً من جانب دولة اجنبية، الولايات المتحدة، في الانتخابات الإسرائيلية، ومن جهة ثانية ثمة مثلا، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل دان شابيرو، الذي تحول بعد اختتام وظيفته الديبلوماسية، الى استاذ زائر في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي. بالنسبة الى شابيرو، كان الاجدى بأمريكا وإسرائيل عدم ارجاع مسألة الهضبة الى الضوء مجددا، سيما وان مختلف الاطراف الإقليمية تطبعت عمليا مع الامر الواقع القائم منذ حرب 67.
يرأس نتنياهو الحكومة الإسرائيلية بشكل متواصل منذ عشر سنوات، وهو ما لم يسبقه اليه لا ديفيد بن غوريون ولا غولدا مائير ولا اي رئيس وزراء آخر، بل انه القطب الاقوى في الدولة العبرية منذ وصوله المرة الاولى الى هذا المنصب عام 1996.
تغريدة ترامب عن الجولان اسهام اضافي في توطيد هذا التناغم. فهي تدخل في سياق القول للعرب ان المدخل لأي تسوية مع إسرائيل من الآن فصاعدا هو المصادقة على كل ما سلبته منهم في حرب 67 ناقص سيناء (سيادة محدودة) وقطاع غزة (حصار دائم) وسلطة ذاتية مضعضعة في أقسام من الضفة
لم ينافسه في ربع القرن الاخير سوى اريئيل شارون. صحيح ان شارون فرض خيار خطة فك الارتباط الاحادية مع قطاع غزة، في مواجهة الاعتراض الشديد من جانب خط نتنياهو في التكتل، لكن انشقاق شارون و«معتدلي» الليكود عام 2005، لتأسيس حزب «كاديما» مع ثلة من قدامى «حزب العمل» بينهم شمعون بيريز، هذا الانشقاق تبين سريعا انه عاد بالفائدة لليكود ولنتنياهو، اذ اندثر «كاديما» سريعا بعد غيبوبة شارون عام 2006، ولم يعد العطار لحزب العمل ما افسده الدهر، وازدهرت احزاب متطرفة جديدة عند كل استحقاق انتخابي، احزاب يخوض معها الليكود عملية تفاوض محموم وصعب في كل مرة لتشكيل الحكومة، لكن الليكود استمر بالنتيجة مهيمنا على اللعبة السياسية، ونتنياهو مهيمن على الليكود.
تداول السلطة التي عاشته إسرائيل منذ 1977 يوم فاز الليكود بالانتخابات، منهيا فترة طويلة من الهيمنة «العمالية» دامت منذ قيام الدولة، هذا التداول اصبح عملياً من الماضي منذ بداية قرننا هذا، واكثر فاكثر في العشرية الاخيرة، وهذا لا يحتاج الى همة ترامب لتثبيته اكثر مما هو ثابت.
في الوقت نفسه الذي يرفع فيه نتنياهو داخل إسرائيل السقف الايديولوجي الاكثر تصلبا، وتتسرب فيه عند كل عتبة خطط له لمهاجمة إيران، فان التطرف الذي يجسده ما زال يطرح نفسه كتواق لحرب اقليمية شاملة لم تحصل بعد، فالجولات الحربية الاكثر عدوانية وعنفا للدولة العبرية في ربع القرن الاخير تمت معظمها في الاوقات التي يكون فيها نتنياهو خارج السلطة. حرب 1996 على لبنان. قمع الانتفاضة الفلسطينية المتجددة 2000-2003. حرب 2006 على لبنان. والى حد كبير، استثمر نتنياهو في عثرات الحكومات الاخرى، اذ اتى لاول مرة الى السلطة بعد عملية «عناقيد الغضب» واسس تخبط إسرائيل بعد حرب تموز 2006 لتلاشي كاديما والائتلاف الحكومي الذي يقوده، وعودة نتنياهو لعقد كامل منذ 2009. لا يعني هذا ان التحضير المتواصل للمجابهة الاقليمية الكبرى، مع إيران، هو مجرد شأن خطابي عند نتنياهو، انه بالعكس تماما عمل تراكمي متواصل لا مجال لعدم ادراك خطورته، وخاصة في هذه اللحظة، لحظة التناغم المطلق بين ترامب وبين نتنياهو.
تغريدة ترامب عن الجولان اسهام اضافي في توطيد هذا التناغم. فهي تدخل في سياق القول للعرب ان المدخل لأي تسوية مع إسرائيل من الآن فصاعدا هو المصادقة على كل ما سلبته منهم في حرب 67 ناقص سيناء (سيادة محدودة) وقطاع غزة (حصار دائم) وسلطة ذاتية مضعضعة في أقسام من الضفة. لم تعد أي صفقة قرن واردة، بمعنى اتاحة دولة فلسطينية من اي نوع كان، مقبولة لا بالنسبة الى ترامب ولا بالنسبة الى نتنياهو، الامر الذي يفترض من المتمسكين بمرجعية مدريد (الارض مقابل السلام) ادراك ذلك. الرهان على السلام في التسعينيات كان له ما يسوغه الى حد معين، لكن اليوم هذا كمن يدخل الى عزاء صائحا «ان شاء الله دايمة».
السلام على اساس مرجعية مدريد جرى ضربه تماما. احياؤه صار مستحيلا (لنقل حتى تبدل الوضع كله رأسا على عقب، الامر الذي يفتقد لمعطيات ملموسة يبنى عليها).
بالنسبة الى ترامب ونتنياهو فان «التشطيب» على التسوية بشكل نهائي، على هذا النحو، هو تزكية للخيار الحربي الاقليمي. على قاعدة: انتهينا من الصراع العربي الإسرائيلي، لكن الصراع الإسرائيلي الإيراني يتطلب حربا شاملة واعنف، فيها تضافر أمريكي إسرائيلي تام، لكن بخلاف العرب الذين لم يتطبعوا بسرعة مع الهزيمة، فان المتطرفين في ادارة ترامب وفي حكومة إسرائيل يراهنون على هزيمة كاملة شاملة لإيران (وبالتالي تغيير نظامها كاملا).
هل يبقى كل ذلك محبوسا في صدور هؤلاء المتطرفين، ام يجد فرصة لتطبيقات ميدانية صاعقة له هذا الربيع؟
الحرب ليست طبعا «كلمة بالفم». لكن منذ التدخل الاطلسي في ليبيا 2011، اي منذ 8 سنوات، اكتفت أمريكا بالقسم الثاني من «الحرب على الإرهاب» (الحرب على داعش) بتعاون مفارق بين القصف الجوي الأمريكي لقوات التنظيم، وتقدم للحشد الشعبي العراقي مؤازرا من الباسدران الإيراني.
بدل ان يساهم هذا الاشتراك في الحرب على داعش الى تقارب أمريكي إيراني، وبدل المواصلة على طريق الاتفاق النووي، انقلبت الاحوال دراماتيكيا، بنتيجة اقتدار قوة إيران اكثر فاكثر في المنطقة، لكن اساسا بنتيجة تبني إسرائيل، ثم أمريكا، لنظرية ان الصراع العربي الإسرائيلي انتهى تماما، بتسوية او من دون، وان تطبع العرب مسألة تعنيهم هم فقط، يمكن فقط تشجيعهم عليها نفسيا اذا استجابوا، وان الصراع الأمريكي الإسرائيلي – الإيراني لا يمكن ان يحسم الا دفعة واحدة، بحرب كلية نهائية.
كاتب لبناني
يوم يفكر بشار في إرسال شوية براميل متفجرة من تلك التي صبها على شعبه إلى الجولان سوف يتحسن الوضع التفاوضي. يعنى فرصة التسوية ولكن السيد الوالد باعها في 1967. لاتهتم الأمور ماشية عال ويحيا البعث ثلاث مرات!