لا مبرر للتفاجؤ. هذا هو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وهذه هي سياسة الرجل الذي يستهويه اتخاذ قرارات مثيرة، وبإخراج مسرحي استعراضي، تحطم كل ما توافقت الشرعية الدولية عليه.
كذلك: لا داعي للإنفعال. هذا القرار المتهور ليس أكثر من بيان لا يساوي، عمليا، قيمة الحبر الذي خُط به، من جهة. ولكنه في مقابل ذلك يفتح الباب واسعا الى إعادة تقييم كل السياسة السورية والعربية في التعامل مع إسرائيل واحتلالاتها لكامل فلسطين ولأراض عربية سورية ولبنانية، من جهة اخرى.
قبل توضيح الرأي حول هذه المسألة، أتوقف لاستعراض ما اعتقده سُلّم التقييم الإسرائيلي لأهمية الأراضي العربية المحيطة بإسرائيل، دون أن ننسى اطماع هذا الكيان الطارئ على المنطقة العربية، باراضي كل الدول المحيطة، من المحيط الى الخليج، وبدون اي استثناء، وبخيراتها اساسا.
يمكن لنا تسجيل درجات سّلم التقييم الإسرائيلي لاهمية كل واحدة من هذه المناطق على النحو التالي:
1ـ الضفة الغربية. (مع تفاوت في التركيز، يتناسب مع قرب هذا الموقع او ذاك عن مواقع استراتيجية إسرائيلية).
2ـ شبه جزيرة سيناء. (نظرا لأنها تمنح جيش الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي عمقا استراتيجيا في أي مواجهة عسكرية مع الدولة العربية الاكبر والاقوى).
4ـ مرتفعات الجولان السورية.
5ـ قطاع غزة.
6ـ جنوب لبنان.
7ـ اراضي الضفة الشرقية لنهر الأردن، في المملكة الاردنية الهاشمية. (ليس لاحتلالها واستعمارها، بل لطرد الفلسطينيين من وطنهم اليها).
انسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء المصرية، باتفاقية سلام مع مصر، رغم القناعة والايمان الإسرائيلي باهمة سيناء، والذي عبّرت عنه مقولة موشي ديان الشهيرة: «شرم الشيخ بدون سلام، خير من سلام بدون شرم الشيخ». لكن الانسحاب من هناك جاء بفضل حرب تشرين/اكتوبر.
كذلك انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، (باستثناء امتار محدودة). لكن ذلك الانسحاب تم ايضا بفعل وبفضل المقاومة اللبنانية البطولية، التي خاضها حزب الله على مدى أكثر من عقد ونصف العقد من السنين، وتمت في العام 2000.
ثم تلا ذلك «الانسحاب الملغوم» من قطاع غزة. (بفعل المقاومة الفلسطينية، ولحساب سياسات إسرائيلية استراتيجية لتمزيق وحدة الاراضي الفلسطينية التي وقعت تحت الاحتلال والاستعمار في حرب حزيران/يونيو سنة 1967).
نظرة متفحصة على هذه التطورات، تؤكد أن كل ارض تحتلها وتستعمرها إسرائيل قابلة للتحرر اذا قاوم الطرف المعني وقاتل وضحى لانجاز هدف التحرر ودحر العدو.
نعود هنا لـ«هدية» ترامب الى نتنياهو، التي تذكرنا بقول الزعيم العربي، جمال عبد الناصر: «لقد أعطى من لا يملك، لمن لا يستحق»، وذلك في رسالته الى الرئيس الأمريكي، جون كندي، في مطلع ستينيات القرن الماضي، في تقييمه وشرحه لوعد بلفور.
هذا هو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وهذه هي سياسة الرجل الذي يستهويه اتخاذ قرارات مثيرة، وبإخراج مسرحي استعراضي، تحطم كل ما توافقت الشرعية الدولية عليه
رأى نتنياهو في هذه الهدية «الانتخابية»، ما يجعل ترامب في نظر اليهود، (كما جاء في نص كلمة نتنياهو في البيت الابيض، مساء الاثنين الماضي)، في مصافّ الملك الفارسي، قورش، (الذي سمح لليهود بالعودة الى بعض اجزاء فلسطين، بعد السبي البابلي، الذي نفذه الامبراطور الكلداني البابلي، نبوخذ نصر)، وفي مصافّ بلفور، (وزير الخارجية البريطاني، آرثر جيمس بلفور، صاحب الوعد البريطاني باقامة «وطن قومي» لليهود في فلسطين).
لكن، ورغم تسابق الاحزاب الإسرائيلية، من اقصى اليمين العنصري المتطرف، الى اقصى احزاب الوسط (!)، (بالمقاييس الصهيونية العنصرية طبعا)، في التهليل والترحيب بهذه الهدية الأمريكية، فإن الغالبية العظمى من الكتاب والصحافيين الإسرائيليين ذاتهم، لم ترَ في خطوة و«مسرحية» ترامب هذه، الا مجرد خدعة اعلان انتخابي لا يقدم ولا يؤخر شيئاً على ارض الواقع.
قلت في البداية إنه لا مبرر للتفاجؤ، ولا داعي للإنفعال، بمعنى ان لا لزوم ولا مبرر للّطم والنُّواح. لكن هذه الخطوة السخيفة الأمريكية الإسرائيلية، تعطي كل قومي عربي، وكل وطني سوري خاصة، مبررا ودافعا قويا للفرح والإنفعال والتفاؤل بقرب يقظة سورية من سبات طويل طويل طويل، غطى عقودا عديدة، يقظة من نسيان او تناسي حقيقة ثابتة ومؤكدة، اكّدتها واوضحتها واختصرتها كلمات شعار: «ما أُخذ بالقوة، لا يُسترد بغير القوة». ولا يجوز للعرب عموما، ولا يجوز لشعب ولشباب سوريا وجيشها بشكل خاص، الوقوع ضحية لخدعة التستر وراء مقولة «موازين القوى»، واختلالها حاليا لمصلحة إسرائيل.
قانون وقاعدة ومبدأ مقولة الانتظار في العمل على كنس جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي من هضبة الجولان السورية، الى حين تعديل «موازين القوى» ليس اكثر من خدعة إسرائيلية، لا اكثر ولا اقل. ولا ضرورة ولا مبرر،على الاطلاق، لانتظار ظرف لا نرى اشارات على اقترابه، ولا نعتقد بامكانية حصوله في مستقبل منظور. لكن من قال إن قنبلة ذرية إسرائيلية تهدد الجولان؟
إن القاءها يعني تدمير نصف إسرائيل على الاقل. كل غواصات إسرائيل وطائراتها لا تهدد الجولان السوري. ما مكَّن ويمكِّن إسرائيل من استمرار احتلالها واستعمارها للهضبة السورية، ليس الا عامل واحد وحيد فقط، هو استنكاف النظام السوري في عهد الرئيس الراحل، حافظ الأسد، واستمراره في عهد ابنه، الرئيس السوري الحالي، بشار الأسد، عن اطلاق يد المقاومين والفدائيين السوريين والعرب، والفلسطينيين بشكل خاص، منذ ما قبل عقود، ومنذ السنة الاولى المشؤومة لاحتلال الجولان، من تدفيع إسرائيل وجيشها ثمن مواصلة احتلالها واستعمارها.
جاءت مبادرة الرئيس الأمريكي الأهوج بتقديم الجولان السوري هدية لرئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية العنصرية، لتعيد لحظة وزمن ضرورة إعادة النظر في السياسة السورية تجاه اطلاق يد الفدائيين والمقاومة لتحرير الجولان واستعادته وتأكيد سلامة اراضي الوطن السوري.
أصاب الكاتب الصحافي الإسرائيلي المعروف، بن كسبيت، الذي لم يتفاجأ بهدية الانتخابات التي قدمها ترامب لنتنياهو، عندما كتب ساخرا في جريدة «معاريف» الإسرائيلية، غداة اعلان ترامب عن اعتراف أمريكا بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، بضرورة أن لا نتفاجأ فيما « لو أعلن ترامب عن اعتناقه اليهودية.. في بث حي ومباشر، وعن قراره منح غرين كارد أمريكي لكل إسرائيلي يصوت لصالح حزب الليكود».
أصاب كذلك المخرج الإسرائيلي، ليفي زيني، مخرج الحلقات التلفزيونية الثلاث عن مناحيم بيغن، تحت عنوان «ايام بيغن»، والتي تم بث الحلقة الاولى منها ليلة امس، عندما قال: «تتم حتى الآن في الاساس، محاولات تمديد مناحيم بيغن على سرير الفحص لدى طبيب الأمراض النفسية، بسبب احتمال اصابته بمرض هَوَس الاكتئاب، وأنا اعتقد أنه يجب تمديد المجتمع الإسرائيلي على سرير الفحص لدى ذلك الطبيب»، هذا مجتمع موبوء، يتقن لغة القوة، ولا يفهم غير لغة القوة.
اعتراف أمريكا بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، هي هدية مسمومة لإسرائيل، وهي مبرر ودافع لانطلاق ولإطلاق عمل سوري وعربي لتحريره. والنتائج مضمونة. عودوا إلى التجربة الجزائرية. عودوا الى التجربة الفيتنامية. بل وعودوا الى تجربة ودروس حزب الله في جنوب لبنان.
كاتب فلسطيني
من المؤسف أنني لست متفائلاً أن النظام السوري سوف يغير لون جلدته ويحارب الفساد ويعيد النظر في سياسته المتخاذلة وإحتقاره وعدائه وإضطهاده للشعب السوري البطل. هذا النظام هو نظام مراوغ كاذب عميل، تحت شعار المقاومة والممانعة والوطنية حارب المقاومين والممانعين والوطنيين الأحرار في سوريا فهم بين قتيل وسجين وفي المنافي. الحل هو في استمرار الشعب السوري في إنتفاضته المباركة لتحقيق حقوقه في الديموقراطية ومحاربة الفساد وحكم القانون. الآن وقد دحرت داعش التي حاول النظام سحق الإنتفاضة تحت ذريعة محاربة الإرهاب، لم يعد هناك ما يغطي إستمرار إجرام النظام ضد الشعب السوري، ولكن المطلوب هو بروز قائد فذ ديناميكي، تعلم من أخطاء الماضي وخصوصاً من فخ النظام لجر المقاومة لحمل السلاح، يستطيع أن يقود الشعب لتحقيق أهداف ومطالب واضحة توحد صفوف الشعب ورائها، في مسيرات سلمية مليونية في كافة المدن السورية، وخصوصاً في دمشق، قلعة العروبة النابض.
حسب ما فهمت فإن الكاتب يرى فيما قامت به الولايات فائدة للعرب ، وإتماما للفائدة علينا انتظار اعتراف باقي دول العالم بضم الجولان حتى يزداد موقفنا قوة .علينا إذن إنتظار اللكمات بفرح وسرور
أستغرب كيف يطلب الكاتب حذو حذو مليشيا حزب الله في لبنان
كيف يمكن لنظام جلب الحزب الطائفي إلى سوريا ليقتل السوريين ان يساهم في تحرير الجولان سواء كان هو أو الحزب القاتل الذي يظهره الكاتب بمظهر البطل المقاوم
أين هي عمليات حلفاء المقاومة في الجولان منذ عقود ؟
لماذا تدخلوا سريعاً لقتل ثورة السوريين بينما ظلوا وسيبقون نائمين عن الجولان ؟
الرجاء توصيل رسالة للكاتب تفيد بأن الفيلم القومي العربي الذي اسمه المقاومة والممانعة قد انتهى وانه فشل فشلا ذريعا على شباك الذاكرة العربية وان ممثليه فشلوا ايضا في دورهم وان النص كان باهتا وهزيلا اما الاخراج فهو قمة في الفشل ولذلك من المستبعد التفكير في انتاج جزء ثاني منه .
شكراً أخي عماد شقور. لو أراد النظام السوري تحرير الجولان (على الأقل طبعاً) لفتح الحدود مع الجولان للمقاومة أو لنقل لدعم تشكيل “حزب الله” أو “حماس” من أهل الجولان على الحدود, وهما تجربتان ناجحتان للمقاومة. لكن أعتقد وليس وحدي في ذلك, أن آخر مافكر به أو يفكر به النظام السوري هو تحرير الجولان, حيث أن الإحتلال يتم أستثماره كقناع يغطى به النظام إستيداده وتسلطة وإجرامه. وهكذا كان ومازال أيضا إحتلال فلسطين وقضية فلسطين برمتها, القناع الذي تغطي به الأنظمة العربية قباحتها. لو أرادوا لفعلوا ولما كنا نعيش في هذا الذل والخنوع, أو على الأقل لوقفت إسرائيل عند حدودها المعترف بها بموجب قرار التقسيم ولما تجرأت على هذا التمادي والإجرام. قد يكون المرء متفائلاً معك وينتظر إطلاق عمل سوري لتحريره, لكني لا أعتقد أن النظام السوري ومعه إيران مستعدين لذلك! فسوريا كلها أصلاً محتلة من إيران وروسيا. ألم يعطي بشار الأسد لواء اسكندرون رعبون صداقة لأردوغان! وتم شطبه من الكتب المدرسية في سوريا بعد زيارة أردوغان الشهيرة إلى سوريا. الجولان سيتحرر على أيدي الشعب السوري وليس النظام السوري, هذه هي تجربة حزب الله وحماس واجزائر وفيتنام.