يجب أن يخرج اليسار من اليأس

حجم الخط
0

مهما يبدو اليأس الذي يغطي مواطني اسرائيل بعد الحرب الاخيرة في غزة نسخة اخرى من اليأس الاسرائيلي القديم – مع تلك الفورة الجبرية التي ترى أنه «قُضي علينا أن نحيا على سيفنا» و»العالم كله ضدنا» – فانه يوجد شيء ما مختلف في موجة اليأس الحالية قياسا بالماضي.
كان اليأس قبيل حرب الايام الستة مصحوبا بخوف وجودي في حين نبع الاكتئاب القومي بعد حرب يوم الغفران من ازمة ثقة بالقيادة وتحطم مؤلم لاعتقاد أن الجيش الاسرائيلي لا يُهزم. وأنتجت العمليات الارهابية في الانتفاضة الثانية امتعاضا شديدا من احتمال سلام مع الفلسطينيين، في حين وجد الاكتئاب على إثر حرب لبنان الثانية تنفيسا عنه حينما صُرف ليصبح غضبا على الصورة التي أدارت حكومة اولمرت الحرب عليها.
لا يوجد عنوان لليأس بعد عملية «الجرف الصامد» فهي غير مصحوبة بانكسار أو اختلاف سياسي أو غضب أو إصبع اتهام لمسؤول ما. إنه يأس بلا تنفيس عنه – مستقر وحصين ومزمن. والاجماع على اليأس هو بقدر كبير ما ينشيء وهم الوحدة والمنعة القومية. فقد سلمت اسرائيل أكثر مما كانت دائما لكونها تخضع للعبة منحازة عليها: فالأعداء ليسوا عقلانيين، فهم يشبهون القاعدة ولهذا فان التسوية السياسية غير ممكنة. والحسم العسكري في الوقت نفسه غير ممكن بسبب قيود القوة التي يفهمها أكثر الجمهور، ولهذا لا يتمنى العودة الى قطاع غزة – وبسبب نفاق العالم. ويُرد على كل اقتراح آخر لفهم الوضع بنخرة احتقار أو بنظرة ملل تشير الى أن المقترح ساذج أو أنه قد جُن.
إن الصائغ المركزي لطراز اليأس الحالي هو رئيس الوزراء، فقد وصفها بنيامين نتنياهو طول الحرب بأنها حلقة اخرى في سلسلة الصراع الأبدي الذي يجب أن تقوم به اسرائيل على حياتها. وهو يرى العلاقات بالسلطة الفلسطينية على هذا النحو بصورة عميقة. ولهذا لا يمكن أن نتوقع أن «يكشف» نتنياهو عن أبو مازن بعد الحرب ويجري تفاوضا جديا. وحتى لو وجدت اشارات الى أنه أدرك أن فتح ليست حماس فانه أرجح أن يكون استنتاجه من الحرب في غزة أنه لا يجوز لاسرائيل أن تخلي اراضي وتُسلم أمنها للفلسطينيين.
لا ينجح اليسار كما هي الحال دائما وقت الحرب بأن يقترح مخرجا من هذا الشرك المُحكم أو أنه ينأى بنفسه عن القاعدة حينما ينظر في المعاناة الفلسطينية أو يُجر الى نقاش لا يُرجى أن يحظى فيه باصغاء كبير حينما يقذفونه بقولهم: «مع من نصنع سلاما هل مع حماس؟». ولا يمكن أن ينطق اليسار بشيء ذي شأن ما بقي النقاش في الصعيد التكتيكي بل تُسهم أجوبته المبلبلة في جو اليأس.
إن اليأس الجبري خطير على اسرائيل ولا يصمد لامتحان الواقع ايضا. وليس عمل اليسار فقط أن ينجر وراء الحكومة مؤيدا الحرب أو أن يردد قول «أبو مازن»، بل عمله أن يواجه اليأس بخطاب منافس وذي سلطة وواثق بنفسه. خطاب يقدم تحليلا واضحا وعقلانيا للاحداث التي أدت الى الحرب ويؤكد الامكانات السياسية لاسرائيل التي ربما كان يمكنها منعها.
يجب أن تُرد الاتهامات بـ «السذاجة» على من يفضل أن يكون أسير الاجراءات التي تبادر اليها حماس وأن يتخلى عن عمل خلاق بواسطة الاوراق السياسية التي يملكها – سواء كان ذلك نافذة الفرص التي نشأت لوقت قصير وتُمكن من شمل حماس في المنظومة السياسية ذات الشرعية أم تفاوضا في تسوية شاملة. والذي يكبل يديه بنفسه ويمتنع عن استعمال كل الوسائل التي يملكها هو المغفل الساذج. صحيح أنه لا توجد شهادة تأمين تضمن أن يكون الوضع مختلفا من أساسه لو عملتم على نحو مختلف. فالحلول السياسية تثير ما لا يحصى من الصعاب والمخاوف. لكن ما هو الامكان الذي يواجهنا؟ إنه اليأس ثم اليأس ثم اليأس.

هآرتس 18/8/2014

رامي لفني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية