العراق: قانون الجرائم المعلوماتية تهديد لحرية الرأي والتعبير

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: تواصلت حملة انتقاد قانون الجرائم المعلوماتية في العراق، لتشمل المنظمات الحقوقية الدولية إضافة إلى القوى والمنظمات الحقوقية المحلية التي اعتبرته تهديدا لحرية الرأي والفكر.
فقد أعربت «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة» في العراق عن قلقها من قرار رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أدراج فقرة مناقشة تقرير مشروع جرائم المعلوماتية على جدول أعمال جلسات البرلمان المقبلة، بدون العودة إلى اللجان المعنية أو المنظمات المحلية والصحافيين وأصحاب المصلحة في هذا القانون. واصفة ذلك الموقف بـ»التصرف الديكتاتوري».
وأكدت في بيانها «ان اللجان النيابية المعنية بالقوانين طالبت رئيس البرلمان التريث في القراءة الثانية» وأن «نوابا من لجنتي الثقافة والإعلام وحقوق الإنسان، قاموا بإعداد خطة لإنضاج القانون واستيعاب الاعتراضات، والموازنة بين التزامات العراق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحماية الحقوق والحريات الدستورية، تتضمن اجتماعات وجلسات تشاورية وجلسة استماع للجهات المعنية بالقانون، قبيل القراءة الثانية للمشروع».

رئيس البرلمان ارتكب مخالفة قانونية بأدراجه فقرة تقرير القانون بدون العودة إلى اللجان المعنية

أكدت الجمعية ان «رئيس البرلمان ارتكب مخالفة قانونية بإدراجه فقرة تقرير القانون الذي يعد بمثابة القراءة الثانية للمشروع، دون العودة إلى اللجان المعنية» عادة ذلك أنه «يؤشر على الاتفاقات السياسية التي تحاول التضييق على حرية التعبير والحريات المكفولة دستوريا».

عقوبات شديدة

وكانت منظمة العفو الدولية، شنت مؤخرا هجوما على قانون الجرائم المعلوماتية الذي يفرض عقوبات شديدة بالسجن وغرامات مالية كبيرة على منتقدي سلبيات وتجاوزات الجهات الحكومية العراقية إضافة إلى انتهاكه خصوصية استخدام الوسائل الإلكترونية.
وعبرت المنظمة الدولية المعنية بالقضايا الحقوقية الدولية، عن قلقها البالغ إزاء مشروع قانون جرائم المعلوماتية الذي يعتزم البرلمان تشريعه، منوهة في رسالة للحكومة العراقية إلى أنه «إذا تم إقرار هذا القانون الصارم للجرائم الإلكترونية سيكون بمثابة صفعة قاسية لحرية التعبير في العراق» مبينة أن «صياغة القانون الفضفاضة تعني أنه يمكن بسهولة أن يصبح أداة للقمع في بلد حيث المساحة الخاصة بالأصوات الناقدة مقيدة بشدة بالفعل».

قانون الجرائم المعلوماتية يفرض عقوبات وغرامات على منتقدي سلبيات وتجاوزات الجهات الحكومية

ونبهت في رسالتها، إلى أن قانون جرائم المعلوماتية يجرم الأنشطة التي تندرج تحت عنوان حرية التعبير ويمنح السلطات العراقية صلاحيات مفرطة لفرض عقوبات قاسية من بينها السجن المؤبد على جرائم مبهمة الكلمات مثل المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا.
وسبق لمجلس النواب أن أنهى في فترة سابقة، القراءة الأولى لمشروع قانون جرائم المعلوماتية الذي قدمته الحكومة العراقية، إلا أن التصويت عليه تم تأجيله بعد تصاعد الاحتجاجات على العديد من بنوده التي تتعارض مع حرية الرأي والفكر التي ضمنها الدستور العراقي. إذ اعتبرته منظمات المجتمع المدني وقوى سياسية وناشطون، وسيلة السلطة والأحزاب المتنفذة لإسكات أصوات المعارضين لها، وهو ما جعل البرلمان يكلف لجانه كالثقافة والإعلام والقانونية ولجنة الأمن والدفاع، بمراجعة المشروع وإجراء التعديلات الضرورية على صياغته لتمريره دون إثارة تحفظات الجهات المعنية.
وقوبل مشروع القانون بموجة واسعة من الاعتراضات على مختلف الصعد، مع تباين مواقف وآراء الجهات المختلفة وفقا لقربها أو ابتعادها عن الأحزاب والقوى المتنفذة.

المعارضون

ففي المعسكر المعارض وصفت الباحثة الدكتورة فائزة بابا خان، القانون بأنه يفرض عقوبات وحشية قاسية ويعد أداة قمع جديدة وتسلطا على حرية الرأي والصحافة والكلمة الحرة لجميع المواطنين العراقيين، صغيرهم قبل كبيرهم وهو خرق للقانون الدولي والدستور العراقي ويعتبر قمعا للحريات العامة وتكميم الأفواه في عراق أصبح مشلولاً قبل أن يحبو نحو الديمقراطية.
وأكدت عدم مراعاة القانون للمعايير الدولية المصادق عليها من قبل العراق إضافة إلى تعارضه مع بنود الدستور العراقي ومجافاته لمبادئ حقوق الإنسان، وحرية الرأي والصحافة وحق الحصول على المعلومة. واستغربت كيفية كتابة هذا المشروع وتصويت مجلس النواب عليه بالرغم من وجود قانونيين وخبراء ومستشارين في جميع الاختصاصات في المجلس، متسائلة: «لعل السبب إما الاستخفاف بمصلحة وحريات الشعب العراقي! أو أنه جاء كصفقة سياسية من أجل التضييق وخنق الحريات العامة وخلق بدائل قمع جديدة من السهل تطبيقها على أي شخص وتجريمه بموجبه».
وتشكك الباحثة والناشطة في مجال حقوق الإنسان لينا الموسوي، في إن «قانون الجرائم المعلوماتية، لم تتضح معالمه ومقاصده بعد، ولا يُعرف إن كان مخصصا لتنظيم وحماية المجتمع أم لتكريس حصانة الحكومة ومؤسساتها».

اعتبرته منظمات المجتمع المدني وقوى سياسية وسيلة السلطة لإسكات أصوات المعارضين

ونبهت في تصريح صحافي، إلى أن «سقف العقوبات يرتفع عند الأفعال التي تمس الحكومة، وينخفض عند الأفعال التي تمس المواطنين» محذرة من مرونة وعدم وضوح القانون الذي «يمكن تفسير أي فعل غير مقصود بدافع المساس بالأمن أو النظام العام» وهو ما «يهدد الحريات الخاصة والعامة للمواطنين والتي تعاني في ذاتها جراء نفوذ بعض الجماعات المسلحة داخل مؤسسات الدولة» مؤكدة أن «محاسبة مرتكبي الجرائم عبر الإنترنت أمر ضروري لسلامة الأمن المجتمعي، إلا أن تقويض الحريات الذي انطوى عليه نص القانون أمر خطير، ولا يمكن تمرير المقترح بصيغته الحالية».

المؤيدون

أما مواقف الجانب المؤيد للقانون، فقد تباينت بين الأحزاب المتنفذة في الحكومة والبرلمان المطالبة بتطبيق فقراته حرفيا، وبين مواقف بعض الشخصيات التي ركزت على القبول المشروط بعدم تعارض القانون مع الدستور والقانون الدولي في مجال حقوق الأفراد والمجتمع.
ففي حين أكدت عضو مفوضية حقوق الإنسان فاتن الحلفي أن قانون الجرائم الإلكترونية ضروري في العراق للحد من عمليات الابتزازِ الالكتروني للأفراد والمنظمات والأحزاب، إلا أنها شددت على أن المفوضية ترفض المساس بحرية التعبير الواردة في هذا القانون ولن تقبل باستخدامه ضد الناشطين المدنيين، فإن عضو المفوضية علي البياتي أوضح انه «مع تأكيدنا التام على وجود ضرورة ملحة لتشريع قانون ينظم عمل تكنولوجيا المعلومات وشبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي في العراق لكون البلد أمام انفتاح كامل على هذا العالم وهناك حرية غير مسبوقة وبدون أي حماية للمواطن أو المؤسسات العراقية حسب مقاييس الأمن الإلكتروني، إلا أننا في الوقت نفسه نؤكد على أن القانون يجب أن يشمل إلزام وزارة الاتصالات والمؤسسات المعنية في الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لخلق جدار وتدابير أمنية إلكترونية لحماية شبكة المعلومات في العراق وخصوصية المواطن العراقي والمؤسسات الوطنية إلكترونيا داخل هذه المنظومة».
وتابع أن «مكافحة الجرائم الإلكترونية ليست أقل أهمية من مكافحة الإرهاب وهي في حاجة إلى برامج تخاطب العائلة العراقية والجامعات والمدارس لحماية المواطن العراقي من هذه الهجمة الشرسة» موضحا أن «القانون يجب أن يكون مطابقا لإجراءات التقاضي السليمة حسب المعايير الدولية وأهمها وضوح فقرات القانون للمواطن العراقي وإمكانية تثقيفه على هذا القانون لكي يتمكن من ضبط سلوكه. ويجب ان لا يحتوي على أي فقرات فضفاضة وغامضة في الإمكان ان تستغل لغير المصلحة العامة من قبل أجهزة إنفاذ القانون».

قوبل مشروع القانون بموجة واسعة من الاعتراضات

وأكد أن «مبدأ تقييد حرية الشخص أو تنظيمها يجب أن يكون مبررا لمصلحة عامة وطنية أو لحماية حريات وحقوق الآخرين ويجب ان يكون بقانون ولا يمس جوهر الحرية حسب المعايير الدولية» لافتا إلى ان «العقوبة المنصوص عليها في القانون يجب ان تكون موازية للضرر الذي قد يصيبه الجرم وان لا يكون مبالغا فيها».
أما عضو مجلس أمناء هيئة الإعلام والاتصالات أشرف الدهان، فقد دعا أعضاء مجلس النواب إلى المضي في تشريع قانون جرائم المعلوماتية بعد إجراء التعديلات على النسخة المعدة والتي تؤمن بالحقوق والحريات الشخصية للتصدي لسلوكيات بعض المواقع الإلكترونية التي تنتهج التشهير والإساءة لشخصيات عامة ومواطنين على حد سواء دون وجود أي رادع أخلاقي أو مهني مشددا على ضرورة اللجوء إلى القضاء.
وقال إن «العديد من الدخلاء على مهنة الإعلام والسلطة الرابعة ظهروا وتكاثروا خلال السنوات القليلة الماضية تحت مسمى المواقع الإخبارية التي يقوم جوهر عملها على الابتزاز وتشويه الحقائق والإساءة من خلال صياغة الأخبار والتقارير الصحافية المفبركة بأسماء وهمية ومصادر مجهولة لإثارة الاشاعات والأخبار المغلوطة ليمتد الأمر إلى الابتزاز بمساومة صاحب العلاقة بدفع الأموال لتحسين صورته أو عقود إعلانية عبر تلك المواقع».
ومع أن مبررات القانون تركز على بروز مستجدات في الحياة المعاصرة تتعلق بالثورة التكنولوجية وما أفرزته من بعض الجوانب السلبية في سوء استخدامها فان المعارضون للقانون يشيرون إلى وجود مواد في القوانين النافذة تتيح ملاحقة ومعاقبة من يسيء استخدام حرياته بما يتعارض مع حريات الآخرين، مع الحاجة المؤكدة إلى إعادة النظر في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل وذلك لاختلاف الجرائم الإلكترونية عن غيرها. كما يجب ان يتم تنظيم عمل مكاتب الانترنت وشركات الاتصال.
كما تتصاعد الدعوات لتوفير الحماية القانونية للاستخدام المشروع للكمبيوتر وشبكة المعلومات ومعاقبة مرتكبي الأفعال التي تشكل اعتداء على حقوق مستخدميها من الأشخاص، الطبيعية أو المعنوية ومنع إساءة استخدام الكمبيوتر في ارتكاب الجرائم، شرط ان لا تتعارض مع بنود الدستور ومبادئ الحرية الفردية في التعبير عن الفكر والرأي.
ولا يجب في هذا الإطار إغفال أهمية التوعية القانونية والمجتمعية بمخاطر سوء استخدام الانترنت من قبل ضعاف النفوس، ويكون ذلك بمساهمة وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي انتشرت انتشارا واسعا.
وفي الختام فإن حرية التعبير هي إحدى أبرز الحريات المهددة من قبل مقترح القانون وهي من أهم أركان الديمقراطيات الحديثة، والتي يتباهى بها النظام في العراق بعد عام 2003 ولا يخفى ان قانون الجرائم المعلوماتية، الذي يصفه البعض بأنه يدس السم بالعسل، يهدد ناشطي التظاهرات المطالبة بالإصلاحات ومواقع التواصل الاجتماعي ومعارضي الحكومة ويحد من نشاطهم وينهي أي أمل بالتحرك الجماهيري والشعبي للحد من الفساد وتدهور الأوضاع عموما في العراق.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية