كنا طلبة مدرسة في مقتبل العمر حين طلب منا مدرس مادة الجغرافية أن نحفظ عن ظهر قلب رسم خريطة الوطن العربي، وقرر اعتبارها سؤالا دائما في الامتحانات التي سيجريها لنا منذ بداية السنة الدراسية وحتى نهايتها، كي يضمن مئة في المئة أننا حفظناها عن ظهر قلب. وعندما رسمها كاتب هذه السطور كما هي في المنهج المقرر أغضبه ذلك، وسأل أين الأحواز العربية؟ ولواء الأسكندرونة السليب؟ وأين سبته ومليلة المغربيتان وجبل طارق؟ على الرغم من أنه كان يساريا وليس قوميا، لكنه كان يؤمن أن من لا يحافظ على جميع أركان بيته، سيفقد جميع أركان البيت كلها واحدا تلو الآخر، ثم يصبح طريدا من كل مكان.
في السادس من ديسمبر/ كانون الأول 2017، أصدر الرئيس الامريكي دونالد ترامب قرارا باعتبار القدس العربية المحتلة عاصمة لإسرائيل. وفي 14 مايو/ أيار 2018 نفذ ترامب وعده وافتتح السفارة الامريكية فيها. وفي كلتا الحالتين ندد النظام الرسمي العربي بهذه الخطوة واستنكر وأدان، وقال الجميع بأن هذه الخطوة لا قيمة سياسية واستراتيجية لها على أرض الواقع، على اعتبار أن المدينة موصوفة بأنها محتلة، حسب القانون الدولي. وها هو الرئيس الامريكي نفسه يعلن بتغريدة في 21 مارس/ آذار 2019، عن هدية أخرى إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، معترفا بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة. فيعود العرب مرة أخرى للشجب والاستنكار وبعث الطمأنينة في النفوس، بأن الهضبة كالقدس مضمونة العودة، لأنها أيضا موصوفة بأنها أرض محتلة حسب القوانين الدولية.
المعضلة الاساسية التي تواجهنا نحن العرب، هي أن الأحساس بالأرض كوجود لم يعد موجودا في أجندتنا. وما تعنيه السيادة لم يعد همنا. هنالك مراهنات خاسرة على قرارات ومواقف دولية تضمن وجودنا في أوطاننا وتحمي ترابنا. وهذا خطأ فادح خسرنا المراهنة عليه في فلسطين التي مزقتها القرارات الدولية وأعطت نصفها الى إسرائيل. وبعد أن كنا نقول تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، بدأنا نفاوض على حدود عام 1967، بل حتى الحصول على هذه باتت بعيدة جدا. كما خسرنا المراهنة في الموقف نفسه أيضا في العراق، الذي لم تشفع القرارات والمواقف الدولية له من الوقوع ضحية الغزو والاحتلال وكذلك في ليبيا، على الرغم من أنهما دولتان مستقلتان وذاتا سيادة. إذن أننا أمام حقيقة واضحة للعيان وهي أن النظام الرسمي العربي بات غير قادر على حماية أرضنا، وأنه أصبح يشتري بها عمرا من الولايات المتحدة، كي يطيلوا له فترة وجوده في السلطة، كما فعلها عبيدالله الصغير في الأندلس. فلو نظرنا إلى الجولان علي سبيل المثال، التي يمكن رؤية دمشق منها، والتي لا تبعد عن العاصمة السورية سوى 60 كم، والتي تمثل ثلث حاجات إسرائيل من المياه العذبة والغنية بالاراضي الزراعية، وأن من يسيطر عليها يهدد العمق العسكري والأمني الإسرائيلي، ومن الجهة المقابلة تهدد أمن دمشق وسوريا كلها. ومع ذلك وبكل هذه المواصفات الاستراتيجية لم يطلق النظام السوري على قوات الاحتلال فيها رصاصة واحدة، منذ 52 عاما، حين أاحتلت وحتى اليوم. كما لم تضع كل الأمة العربية أي خطة على المدى المتوسط أو البعيد أو الأبعد لتحريرها. وهذا ينطبق على كل الأراضي العربية الاخرى المحتلة، التي مازالت ترزح تحت الاحتلال. إذن من يتحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية والوطنية، هو الانظمة العربية وليس المجتمع الدولي.
كان سقوط بغداد هو سقوط جدار برلين العرب، الذي بعده يُعاد تشكيل خريطة الوطن العربي
لقد تربعت هذه الأنظمة على عروش الحكم منذ الاستقلال الوطني وحتى اليوم، لكنها فشلت جميعها في لعب دور تسترجع به أراضينا أو تحافظ على الاراضي التي باتت تحكم فيها. كما أنها لم تلعب دورا مستقلا يحمي مصالح الامة وارتضت، من أجل البقاء في السلطة، أن تبقى ألعوبة وفق الادوات السياسية الخارجية للولايات المتحدة الامريكية ولباقي دول الغرب. وهذا هو الذي وضعها رهن دور مرسوم لا يمكن أن تتخطاه. وهو السبب الرئيسي في جعل إمكانيات الامة معطلة حتى اليوم، لأن التزامات الأنظمة العربية تجاه الغرب هي أكبر من التزاماتها تجاه شعوبها، لذلك وفي هذا العالم الكبير المتغير لم نجد مكانا لنا فيه حتى اليوم، وبقيت كل المراكز العليا في بلداننا من دون رؤية وعقل سليم، ولم يرى أي حاكم عربي أن الثروة الحقيقية في شعبه. لذلك توقفت دائرة الحياة وسقطت الأمة في مستنقع الهروب من الأزمة وليس مواجهتها. وبذلك بتنا نمر في مرحلة سقوط الدولة. حكومات لا تحكم مع اعتبار الدولة أداة للسيطرة والحكم غير الديمقراطي. وتسخير الثروة الوطنية لحساب الحاشية والأعوان والانصار. وعودة الى ما قبل سايكس بيكو، حيث القبيلة والمذهب. مع أزمة نظام، وأزمة حكم، وأزمة طوائف وأعراق.
من الغريب حقا أن تبقى هذه الامة تجد نفسها في، التحولات العالمية الكبرى، هي دائما من يدفع الثمن. ففي الحرب العالمية الاولى تقسمت المنطقة وفق سايكس بيكو، فكان من نتائجها ظهور أزمة الهويات، هل نحن من الشام؟ أو من الخليج؟ أو من شمال إفريقيا؟ ومازلنا نعاني من هذا الجدل حتى اليوم. وبعد سايكس بيكو، تشكلت الدولة أو الأمة، فظهرت معادلة لوم الغرب الذي قسّمنا، فتحرك الشعور القومي من أجل الوحدة، ثم رجعنا وقاتلنا من أجل الحدود بعضنا بعضا، وهو أمر يقود إلى حالة شبيهة بانفصام الشخصية. وفي الحرب العالمية الثانية دخلنا في صراع الحرب الباردة، فانقسمنا مع أو ضد هذا المعسكر أو ذاك. ثم جاءت حرب عام 1948 وتكونت إسرائيل، فانقلب العسكر وشكلوا حكومات. وجاء التحول الآخر، وهو سقوط الاتحاد السوفييتي وإعلان بوش النظام الدولي الجديد، الذي كان من نتيجته سقوط العراق، ثم بداية عصر ما يسمى الحرب على الإرهاب الذي باتت ساحته الرئيسية الوطن العربي. وحال الأمة هذا ينطبق عليه قول مفكر إغريقي يقول «على الضعيف أن يفعل ما يجب عليه أن يفعله، وعلى القوي أن يفعل ما يريد أن يفعله».
لقد كان سقوط بغداد هو سقوط جدار برلين العرب، الذي بعده يُعاد تشكيل خريطة الوطن العربي. وها نحن أمام إعادة تشكيل الخريطة السياسية والخريطة الجغرافية معا. هنالك تغيير عميق في المنطقة وتهديد لحدود اتفاقية سايكس بيكو، خاصة أن الدول التي وضعتها لم تعد موثرة حاليا في الشرق الاوسط. أمام هذا الوضع الراهن ما الذي يمكن أن يقدمه مؤتمر القمة العربي الاخير، وهو يجمع كل من أوصل الأمة الى هذا المستوى التاريخي من الانحطاط والشلل التام ؟
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
السياسة في البيت كالسياسة بالخارج! فكلما تنازل الزوج للزوجة, تمادت هي بالطلبات!! وهذا المثل ينطبق على بعض قادة العرب وترامب!!! ولا حول ولا قوة الا بالله
ملاحظة: أين علم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المحتلة ؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
يا أخ داود أنا صحراوي مغربي ولا أعرف أين توجد هذه الجمهورية التي تتحدث عنها رغم أني من أهل مكة وأهل مكة أدرى بشعابها
تحية للدكتور مثنى
لقد اختلط الحابل بالنابل الان كما يقال فلا احد يميز بين الحق والباطل فالانتماءات العرقية والدينية والطائفية هي التي تحدد ما هو صحيح او ما هو خطا فاي شيعي متعصب سييدافع عن ايران وسيادتها على الاحواز واي سني متعصب او من الاخوان المسلمين لو ذكرت له لواء الاسكندرون سيدافع عن تركيا ويجد لها المبررات لضمها له وسيمنحها الموصل كذلك فالوطن لدينا هو حكم الطائفة او الحزب او الاقلية وليس للجميع ولهذا فرط صدام بكثير من اراضي ومياه العراق من اجل بقاء حزبه في السلطة وسيفعلها كل الحكام العرب لانها ثقافة موروثة فينا. لاحل الا بالعلمانية الحقيقية في بلداننا التي تساوي بين الجميع دينيا وعرقيا كمواطنين
كلامك صحيح اخي الكروي فالحكام العرب لهم نفس النظرة لشعوبهم فهذه الشعوب بالنسبة لهم كالزوجة فان تنازلوا بامر ما لشعوبهم يتمادى الشعبب اكثر ويطلب المزيد !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!