عمان – «القدس العربي» : مسألتان في غاية الأهمية أصبح من الصعب تجاهلهما عندما يتعلق الأمر بتفكيك ألغاز وخفايا التصعيد الأردني السياسي الملموس في قضية القدس حصرياً، الذي بدأ يثير ضجة داخلية وحزمة تساؤلات لا تقل أهمية عن الضجة الإقليمية والدولية.
المسألة الأولى ظهرت مع الشغف الشديد داخل الأردن وفي كواليس القمة العربية، تحديداً في فهم ما الذي جرى وحصل ودفع القيادة الأردنية لإعلان حرب سياسية حقيقية على سيناريو الإدارة الأمريكية المطروح كأمر واقع بخصوص القدس.
تساؤلات في الوسط السياسي و«مدد شعبي» مع الملك في المواجهة
وفي المسألة الثانية، يحتاج المراقب إلى معرفة الخطة التي تدور في ذهن مركز القرار الأردني ومعرفة ما إذا كانت لديه سيناريوهات وتصورات مرتبطة بـ «مخارج استراتيجية» مفترضة أو محتملة في حال تأزم الموقف لاحقاً، وانتقال الضغط الذي يتحدث عنه الملك عبد الله الثاني على بلاده إلى مرحلة متقدمة أكثر يمكن أن تؤدي إلى صدام محتمل وكلفة أكبر، خصوصاً في الجانب الاقتصادي.
هنا مجدداً، يكمن الشيطان في التفاصيل، ويتحدث سفراء ودبلوماسيون أجانب عن دور أوروبا في مساندة المنطق والخطاب الأردني دون ضمانات المساندة العلنية. وأيضاً عن وجود نسختين من الأردن؛ الأولى في المسرح الدولي لأغراض التسويق والترويج لنموذج الاعتدال الأردني.
وصوت المملكة الذي يحذر من الانفلات والعودة إلى مربعات واختبارات سيئة جداً بعنوان الإرهاب، في حال الإصرار على سياسة قضم الأرض لصالح اليمين الإسرائيلي، خصوصاً بعد قرارات ترامب بشأن ملفي القدس والجولان، وما يثيره بعض المجتهدين من مخاوف حول إسقاط محتمل لقصة اعترافات ترامب بسيادة إسرائيل على جزء من الضفة الغربية لاحقاً إذا لم يسقط بنيامين نتنياهو في الانتخابات.
تلك ستكون محطة في غاية الإحراج إذا ما وصل لها الأردني. بكل حال يميل البعض إلى قراءة التصعيد الأردني، حيث الصورة الثانية على أساس أنه نتاج طبيعي لواحد من خيارين لا ثالث لهما.
الأول، يتعلق بتوفر معلومة هذه المرة عن صفقة القرن و»ضمانة» للدور الأردني الوصي على أوقاف القدس، الأمر الذي يعني تلقائياً بأن أغراض التصعيد العميقة هنا تنحصر في تحسين الموقع التفاوضي، وبالتوازي ولادة مشروع بعنوان لملمة وضبط الإيقاع الداخلي الأردني.
والخيار الثاني مرتبط بنظرية لها علاقة بالإحباط الناتج عن تراكم سلسلة تجاهلات للأردن ودوره ومصالحه، مرة عبر الجبهة الأمريكية، ومرات عبر اليمين الإسرائيلي المتحرش، ومعه اليمين العربي السعودي، تحديداً الجديد، الأمر الذي تطلب بالنتيجة وبالتالي تذكير الجميع مجدداً بأن الأردن من الصعب تجاهله وإنكاره على هذا النحو.
وهو ما قاله بوضوح الملك عبد الله الثاني في جملته الشهيرة: «لنا صوت ولنا موقف»، وبصرف النظر عن الاحتمالين أو الخيارين فمن المرجح أن اللعبة السياسية الأردنية قررت المجازفة دفاعاً عن الذات والمصالح والدور، وعلى أمل لفت نظر القوى الدولية الأساسية لصعوبة واستحالة الموافقة على تمرير أي خطة تسوية تعبث بمسألتين في القدس، هما الواقع التاريخي والديني للأماكن المقدسة، والجزء الشرقي من المدينة.
تعلم المجسات الأردنية بخبرتها العميقة بأن التصعيد على هذا الأساس، وخلافاً للمألوف الأردني، ينتهي ببعض المكاسب، وإلى جانبها الكثير من الكلف وبعض الخسائر، مما يفسر احتفاء فعاليات أردنية باحتمالات التنويع الوشيكة بالعلاقات التحالفية السياسية. وهو تنويع وفرت له الحركة الإسلامية قبل يومين فقط الغطاء السياسي والشعبي عندما اقترحته مباشرة ولأول مرة في وثيقة سياسية إصلاحية جديدة اقترحها على جميع الأطراف حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع الأهم لجماعة الإخوان المسلمين.
التلويح واضح هنا بانفتاح أكبر وأكثر عمقاً على روسيا وعلى النظام السوري، ولاحقاً على الطرف الخصم بالعادة في معادلة لبنان والعراق، مع توجيه رسائل للمحور التركي القطري والإيراني. وطبعاً لا يستطيع بلد مثل الأردن الذهاب إلى هذا المدى من التبديل في تحالفاته حتى وإن رغب في ذلك.
لكن الجديد في الداخل هو تحول هذا التنويع إلى مطلب شعبي يتجه نحوه البرلمان ويطالب به الأخ المسلم، ويصفق له الشارع، والأهم يتم تسويقه من قبل نخب وشخصيات بارزة في طبقة رجال الدولة.
في المقابل، من الصعب توقع انتقال سريع إلى محور مضاد. لكن من السهل القول بأن الأردن مفتوح على الاحتمالات اليوم، لأن اللعبة التي تجري في القدس ويمكن أن تجري لاحقاً في الضفة الغربية تمس مباشرة ليس فقط بمصالحه ودوره، ولكن بهويته السياسية والدينية وعمقه التاريخي، وهي الهوية التي دفعت الملك وعدة مرات للإعلان عن الخط الأحمر الأردني في القدس.
وبالتوازي، يحذر بعض العقلاء من عناصر المجازفة والمغامرة، لكن عندما يتعلق الأمر بالموقف السياسي بعد رحلة الملك الأخيرة إلى الولايات المتحدة ثم فرنسا وإيطاليا والمغرب، لا يوجد التباس أو غموض، ومن الطبيعي الافتراض بأن الكلفة مدروسة في العمق.
ملك الأردن اتخذ موقفاً، وواجب المؤسسات والأفراد الاتجاه نحو العمل والشغل والالتفاف حول المؤسسة وتمتين الجبهة الداخلية وتصليبها.
وهو الأمر الذي ينبغي أن يتدشن قريباً ضمن خطة إصلاح وتغيير جادة تفتح بعض الملفات المسكوت عنها في الداخل، حيث احتياجات التصليب ومتطلبات تمتين الجبهة الداخلية.
هذا على الصعيد الخارجي ماذا عن الداخلي ماذا الاصلاح السياسي وانهاء مهزلة اختطاف القلة للبلاد وماذا عن محاربة الفساد.
اذا اردت الاعداد للحرب عليك ضمان جبهتك الداخلية ومن دون الاصلاح السياسي ومكافحة الفساد لن المعركة سهلة …الناس بدها تكل خبز الي سلبه الفاسدية ومن اختطف وطن.