هجمة “أيباك” على إلهان عمر .. مسعى لوأد طموح الأقليات

حجم الخط
0

إسطنبول- طارق الشرقاوي: عقدت لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية “أيباك”، مؤخرا مؤتمرها السنوي وسط اضطرابات سياسية في كل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
ولا يخفى على أحد الدور الكبير الذي تلعبه “أيباك” في السياسة الأمريكية، حيث تحظى الأحداث التي تنظمها جماعة الضغط تلك، وخاصة مؤتمرها السياسي السنوي، بحضور كبير بشكل عام من قبل كبار الشخصيات السياسية في واشنطن وخارجها.
وخلال مؤتمر هذا العام، تم توجيه انتقادات شديدة إلى العضوة الديمقراطية المسلمة بالكونغرس، إلهان عمر.
وكان من ضمن المنتقدين، نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، حيث قال مشيرًا إلى عمر: “في الآونة الأخيرة، كرر عضو ديموقراطي جديد في الكونغرس عبارات معادية للسامية”.
وأضاف أن “أي شخص يشوّه أولئك الذين يدعمون هذا التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة وإسرائيل يجب ألا يكون لهم مقعد على الإطلاق في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي”، وهي اللجنة التي تنتسب إليها إلهان عمر.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن النائبة “عمر” لم تعبر عن تصريحات معادية للسامية بما تعنيه الكلمة، فمجرّد إدلائها بتعليقات على تويتر حول طبيعة تأثير “أيباك” في واشنطن، تم تشويه تصريحاتها وإخراجها عن السياق.
ويبدو أن حملة التشهير الموجهة ضد “عمر” هي مجرد محاولة لخنق هذه الموجة الجديدة من النشاط السياسي للشباب، والتي مهدت الطريق لتمثيل أكبر لجماعات الأقليات والنساء.
ففي مقابل النفوذ المتزايد للأقليات في المجال السياسي، ينظر الحزب الجمهوري بقلق إلى فقدانه المراكز الحضرية وضواحيها أمام مرشحي الأقليات.
فهذه الديناميات الجديدة ربما تعمل على تغيير ميزان القوى على المدى الطويل، لأن التركيبة السكانية الحالية التي جلبت النصر الانتخابي للحزب الجمهوري تعتمد بشكل أساسي على مجموعة من كبار السن من البيض المحافظين.
هذا التحول يؤثر بالفعل على السلوك الانتخابي؛ فعلى سبيل المثال، عقب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 ، نجح الديمقراطيون في انتزاع أغلبية 223 مقعدًا في مجلس النواب.
وفي هذا السياق، أصبحت كل من إلهان عمر (وهي لاجئة صومالية) ورشيدة طليب، أول امرأتين مسلمتين يتم انتخابهن في الكونغرس.
والأمر المثير للاهتمام أن يتم الإشارة بالتحديد إلى كل من إلهان ورشيدة في الجدل الحالي الذي أثير حول “أيباك”.
فعلى سبيل المثال، اتهمهما آدم ميلشتاين، أحد أكبر مقدمي التبرعات لـ”أيباك” بأنهما تمثلان جماعة الإخوان المسلمين، وقال إن “قيمهما تتعارض مع القيم الأمريكية”.
هذا الوابل من الاتهامات يدل على تنامي نفاد صبر مراكز السلطة في الولايات المتحدة التي اعتادت على السيطرة بقوة على العملية السياسية وتشكيل معالم النقاش السياسي بلا منازع.
وفي المقابل فإن ظهور خطابات قوية مضادة من قبل منظمات ذات قاعدة شعبية، يعطل الوضع القائم الحالي ويكشف عن مغالطاته.
فالداخلون الجدد إلى المجال السياسي في البلاد لهم وجهة نظر مختلفة عن الولايات المتحدة ودورها في العالم، فهم يدعمون المُثُل الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان في الداخل والخارج بينما يعارضون السياسات العسكرية للولايات المتحدة.
وعلى المدى البعيد، يمكن أن يهز هذا الموقف القواعد التي تأسس عليها التحالف الأمريكي الإسرائيلي.
وتقوم الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل أساسًا على المصالح المشتركة بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بمصالحهما الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، هناك أيضًا حجر الزاوية الأيديولوجي الراسخ الذي تم بناء هذا التحالف عليه؛ وهو يتألف من مزيج من عقيدة المحافظين الجدد وتحيزات المستشرقين.
وتستند هذه العلاقة، على حد تعبير الأكاديمية الأمريكية رباب عبد الهادي، إلى “كراهية العرب والمسلمين، والتماهي مع إسرائيل، والعنصرية تجاه شعوب “العالم الثالث المنهكين في الجنوب العالمي، والذين يُنظر إليهم على أنهم أقل شأنا وبدائيين ومتخلفين”.
لذلك، فإن توجيه آلة الإعلام ضد إلهان عمر وغيرها، ليس أمرا مفاجئا، إنه مجرد جزء من استجابة السلطة المؤسسية للتطورات الجديدة بالمشهد السياسي.
وعلى هذه الخلفية، يمكن أن تتخذ مضايقة قادة الرأي والأكاديميين والصحافيين والناشطين أشكالًا متعددة، مثل حملات الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات المضادة لهم وتصيد أخطائهم وتوجيه رسائل ومكالمات هاتفية وخطب ضدهم، بل ورفع دعاوى قضائية ضدهم.
ومن بين الأجهزة الخطابية المستخدمة لتخويف إلهان عمر والسياسيين المشابهين لها في التفكير، هو الربط بين نقد إسرائيل ومعاداة السامية.
مثل هذه التحركات المضللة تساعد في تأطير النقاش بطريقة تخفي الأجندات السياسية ومحاولة إظهار أنه لا توجد داعمة سليمة للآراء التي يعبر عنها مثل هؤلاء السياسيين الجدد.
ولا علاقة للجدل الحالي بمعاداة السامية، وإنما يتعلق بحماية إسرائيل من النقد وخلط الصهيونية باليهودية.
وخلاصة القول هي أنه ليس من الممكن إسكات أولئك الذين يشككون في الأساس المنطقي للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، خاصة في عصر المعلومات المتاحة للجميع.
وعلى نفس المنوال، من الضروري أن تتمتع منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة بحضور إعلامي أفضل، ليس فقط لدفع رواياتها ولكن أيضاً لمنع انتشار الباطل داخل المجال العام. وسيعزز هذا الأمر السياسة الديمقراطية والصحافة المسؤولة. (الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية