بيروت ـ «القدس العربي»: مرة جديدة، وجد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التاريخ الذي يعتقد أنه مناسباً للإعلان عن قرار مفصلي جديد في التعامل مع الجمهورية الإسلامية في إيران، في الحرب التي أعاد فتحها منذ إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي. بعد يوم الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، الذي اختاره لإعادة فرض العقوبات الأقصى ضدها، والذي يتوافق مع اليوم الذي قامت به مجموعة من حرس الثورة الإسلامية، باحتلال السفارة الأمريكية، في طهران عام 1979. وبالتزامن مع احتفال إيران باليوم الذي أطلقت عليه اسم «يوم حرس الثورة»، عاد ترامب ليوجه للنظام الإيراني ضربة جديدة، وإن حاولت قوى النظام، والقوى السياسية الإيرانية من التقليل من أهميتها، عبر الإعلان عن إدارج هذه المؤسسة العسكرية على لائحة المنظمات الإرهابية.
وفي الإجراء الأول، عمدت إيران إلى رمي الكرة في حضن رئيس الجمهورية، حسن روحاني، بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للأمن القومي، لاتخاذ قرار الرد بالمثل على القرار الأمريكي، وذلك بناء على توصية رفعها له وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، استناداً إلى قانون «الرد بالمثل ونقض حقوق الإنسان، والمغامرة، والإرهاب الأمريكيين في المنطقة» الذي سبق للبرلمان الإيراني أن أقره، ودعا لاعتبار قيادة السنتكوم وقواتها المنتشرة في غرب آسيا عناصر إرهابية. في حين لوح البرلمان الإيراني إلى اللجوء لاصدار قانون جديد بصفة معجل مكرر يعيد التأكيد وتخصيص هذه القوات بالصفة الإرهابية، في حال لم تقدم الحكومة على تفعيل القانون الخاص بهذه الحالة.
الرد بالمثل
دخول البرلمان على خط الضغط على الحكومة لتفعيل قانون الرد بالمثل، والتلويح بالتدخل المباشر، يحمل على الاعتقاد بوجود شكوك لدى جزء من الطبقة الحاكمة في النظام الإيراني بإمكانية أن لا تقوم الحكومة باتخاذ الإجراء اللازم، إلا أن تدخل وزير الخارجية مع الجهة المخولة بالتنفيذ، أي المجلس الأعلى للأمن القومي، وإصداره هذا البيان، قطع الطريق على دخول الحكومة في معركة جانبية تتهمها بالتقاعص والتردد في التصدي للضغوط الأمريكية.
تتفق الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية الإيرانية أن السبب الرئيس الذي يكمن خلف قرار الرئيس الأمريكي يعود إلى بعيدين أساسيين؛ الأول، يعود إلى الدور الذي لعبه الحرس في إفشال المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، والثاني لدور الحرس في الدفاع عن الثورة الإسلامية وتثبيت استقرارها على مدى العقود الأربعة الماضية.
ويعتقد المحلل السياسي الإيراني، عبدالله كنجي، المقرب من الحرس الثوري، أن القرار الأمريكي لم يكن مفاجئاً أو متسرعاً، بل نتيجة «مسار من الفشل المستمر لمدة 40 سنة» في التعامل مع المطامع الأمريكية في إيران ومنطقة غرب آسيا،» مضيفاً أن الحرس الثوري هو «السبب في إخراج أمريكا من الشرق الأوسط، وإفشال المشروع الإرهابي في المنطقة الإسلامية».
أوساط مقربة من الحرس حاولت التقليل من التداعيات السلبية للقرار الأمريكي، فأشارات إلى أن العقوبات الاقتصادية على هذه المؤسسة ليست جديدة، اذ عمد الكونغرس الأمريكي، عام 2017، إلى إصدار قانون «كاتسا» الذي ساوى التعامل الاقتصادي مع الحرس بالتعامل مع أي منظمة إرهابية، وفرض عليه عقوبات كالتي يفرضها على أي جماعة إرهابية، لذا فإن الآثار الاقتصادية سبق أن واجهتها هذه المؤسسة من خلال امتناع الشركات والدول التي تتأثر بالقرار الأمريكي من التعامل مع الاقتصادي معها، أما تلك التي لا تخضع للضغوط الأمريكية ليس لديها مصالح اقتصادية مع أمريكا وأوروبا فقد استمرت بالتعامل وستستمر مع صدور هذا القرار الجديد. وعليه، حسب اعتقادها، فان هذا القرار لن يكون له اي اثر أو تأثير اقتصادي الى حد بعيد.
ولا تخفي هذه الأوساط آثار سياسية وأمنية، قد تظهر في التعامل مع حرس الثورة بعد إلصاق تهمة الإرهاب به، إذا أخذنا بعين الاعتبار الأسلوب الذي يتعامل بها الجيش الأمريكي مع الجماعات الإرهابية، وإضافة الحرس إلى هذه المجموعات قد يستدعي ظهور توترات ومسائل سياسية وأمنية في المنطقة، قد تواجه الحرس والفصائل المتحالفة معه وحتى القوات الأمريكية.
القرار حرب نفسية
ولمواجهة هذه التطورات وتداعياتها، تؤكد هذه الأوساط أن النظام الإسلامي وكل الطبقة والنخب الحاكمة ستستنفر كل طاقاتها لمواجهة هذا القرار الذي وصفته «بالظالم» والرد عليه بما يتناسب، حتى بالحد الأدنى في حال كان القرار حرباً نفسية «ويجب أن تشمل كل الشرق الأوسط». وفي هذا الإطار، إضافة إلى ما سبق، تأتي الخطوة التي قام بها 255 نائباً في البرلمان الإيراني بتقديم مشروع قانون معجل مكرر يعتبر «القوات الأمريكية في منطقة غرب آسيا ـ سانتكوم هي قوات إرهابية»، ردّاً على ما اعتبروه «اعتداء أمريكي على الخطوط الحمر للجمهورية الإسلامية في الأمن القومي والقوات المسلحة» حسب وصف نائب رئيس البرلمان، مسعود بزشكيان.
الأوساط السياسية: القرار الأمريكي بوضع الحرس على لائحة الإرهاب نتيجة لإفشاله المشاريع الأمريكية في المنطقة
وعلى الرغم من أن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية، حشمت الله فلاحت بيشه، قد اعتبر أن من حق بلاده إصدار قوانين مماثلة من أجل الدفاع عن حرس الثورة، وأن إقرار القانون ضد الجيش الأمريكي «يضعه على اللائحة التي تضم تنظيم داعش للمنظمات الإرهابية»، إلا أنه أعرب عن اعتقاده بأنه «لا يجب اللعب في ملعب التطرف الأمريكي» مؤكداً في الوقت نفسه أنه يجب على إيران «الرد بالمثل وأن تقوم بمواجهة الإرهاب».
وإذا كان فلاحت بيشه قد حذر من الانجرار إلى معلب الإرهاب الأمريكية، فإن أوساطاً مقربة من الحرس أكثر تطرفاً، رأت أنه في حال قدم هذا القرار مسوغا للجانب الأمريكي القيام بهجوم على مراكز وقواعد الحرس الثوري، في داخل وخارج إيران، فإن الرد الإيراني عليه، قد يستهدف كل نقاط انتشار القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، معتبرين أنه «يجب الاعتراف بهذا الحق الإيراني». وأن شرط هذا الرد المقابل «أن لا نخاف من العدو». خصوصا، وحسب هذه الأوساط، أن «التفاوض وصل الى طريق مسدود».
ولا تخفي الأوساط السياسية الإيرانية اعتقادها بأن الخطوة الأمريكية تصب في اطار المعركة المفتوحة بين الحرس الثوري بما يمثله من نفوذ إيراني اقليمي والادارة الأمريكية واسرائيل وحلفائهما العرب في المنطقة، وأنه كلما تقدمت إيران نقطة على حساب مصالح ونفوذ واشنطن وتل أبيب والحلفاء، تعمد واشنطن الى التصعيد وفرض مزيد من العقوبات على إيران.
قاسم سليماني
وأعربت هذه الأوساط عن اعتقادها بأن واشنطن تبدو أنها دخلت في معركة مباشرة مع اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس، خصوصاً وأن المسؤولين الأمريكيين لا يترددون في اعتبار سليماني هو المسبب في هذا القرار من خلال نشاطاته «الإرهابية والمزعزعة للاستقرار في المنطقة».
ولا تستبعد هذه الأوساط ان يكون القرار الأمريكي استكمالا للمطالب الصادرة عن اجتماع مجموعة G7، الذي ركز على ضرورة تخلي إيران عن قدراتها الصاروخية وانهاء نفوذها في منطقة غرب آسيا، وأن تتخلى عن الدور المزعزع للاستقرار في المنطقة، وأن توقف دعمها للجماعات الإرهابية، وتعمل على تعزيز رعايتها لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهي مطالب تصب حسب اعتقاد هذه الأوساط، في إطار استكمال تجريد إيران من مصادر قوتها بعد أن تمكنت هذه الدول إجبارها على الدخول في اتفاق حول برنامجها النووي. وهذا يعني تخلي إيران عن مصادر أمنها واستقرارها، وبالتالي موافقتها على توجيه ضربة لاستقرار الاقتصادي الوطني، انطلاقا من ان التخطيط الاقتصادي بحاجة الى الامن والهدوء الداخلي وهذا لا يتحقق الا ان اذا امتلكت إيران قدرات تمكنها من ذلك وتمنع تعرضها لاي اعتداء او استهداف داخلي وخارجي.