السودان يتخلَّص من أمراضه التاريخية على طريقته والثوار امتلكوا الخبرة والزعماء خارج التغطية

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: لا بضاعة مزدهرة في العواصم العربية في الوقت الراهن، سوى ترويج اليأس ودفع الأغلبية لرفع الراية البيضاء أمام العدو التاريخي للأمة، وتشهد الفترة الراهنة تهافتا من قبل عدد من الكتّاب الذين يضبطون إيقاعاتهم دوما حسب رغبة صناع القرار، وقد جاءت دعوة المسؤول العماني مؤخرا، التي طالب فيها العرب بطمأنة إسرائيل، لتفتح شهية بعض الكتاب من أجل السير على هوى المسؤول العماني، بينما شمّر آخرون عن سواعدهم منددين بريح التطبيع التي عادت لتهب بقوة على المنطقة.

الجماهير لن تقبل تسليم فلسطين بشيك على بياض والصحافيون يبحثون عمن ينقل شكاواهم لأولي الأمر

وجسد الفرح المقبل من السودان بسقوط الطاغية، الذي مكث على صدر شعبه ثلاثة عقود، بوابة الأمل للطامحين في التغيير، أولئك الذين يفتشون عن الأمل على الخريطة العربية. واهتمت الصحف المصرية الصادرة أمس الجمعة 12 إبريل/نيسان بتطورات الأوضاع في السودان، بعد إعلان وزير الدفاع هناك الفريق أول عوض بن عوف، اعتقال الرئيس السابق عمر البشير، والتحفظ عليه في مكان آمن، وبدء فترة انتقالية لمدة عامين. وأكدت الخارجية المصرية على دعمها خيارات الشعب السوداني الشقيق.
كما سلطت الصحف الضوء على التدريب البحري العابر الذي تنفذه عناصر من القوات البحرية المصرية والفرنسية في نطاق الأسطول الشمالي في البحر المتوسط. وتابعت الصحف استعدادات الحكومة للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ونقلت وقائع اللجنة الرئيسية لمتابعة المشروعات التي يتم تنفيذها في العاصمة الإدارية استعدادا للانتقال إليها. كما ركزت الصحف على مقتل 11 إرهابيا خلال تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في العريش قبل تنفيذ مخططات التخريب والفوضى. وفي التفاصيل، أفردت الصحف صفحاتها الرئيسية والداخلية لمتابعة الجولة الخارجية التي يقوم بها الرئيس السيسي.

انقلاب ليس إلا

قال الدكتور هاني رسلان، رئيس بحوث السودان وحوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في تصريحات لـ«المصري اليوم»: «إن قرارات الجيش السوداني «أقرب إلى انقلاب قصر للتخلص من حكومة الرئيس عمر البشير، ويعيد إنتاج النظام القديم». وأضاف رسلان يوم الخميس أن «البشير معتقل الآن، وهو قيد الإقامة الجبرية، ولا يتضح حتى الآن كيف ستتعامل معه القوات المسلحة». وتابع: «تجمع المهنيين رفض بيان الجيش، لأن المجلس الانتقالي يتكون من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ومن المتوقع أن تنفرد بكل القرارات بدون مراعاة مطالب المحتجين». فيما قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان لها، إن القاهرة تتابع عن كثب وببالغ الاهتمام التطورات الجارية والمتسارعة التي يمر بها السودان الشقيق في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه الحديث، وتؤكد في هذا الإطار دعم مصر الكامل لخيارات الشعب السوداني الشقيق، وإرادته الحرة في صياغة مستقبل بلاده، وما سيتوافق حوله الشعب السوداني في هذه المرحلة المهمة، استنادا إلى موقف مصر الثابت بالاحترام الكامل لسيادة السودان، وقراره الوطني. كما تعرب مصر عن ثقتها الكاملة في قدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني الوفي على تجاوز تلك المرحلة الحاسمة وتحدياتها، بما يحقق ما يصبو إليه من آمال وطموحات في سعيه نحو الاستقرار والرخاء والتنمية. كما تؤكد مصر عزمها الثابت على الحفاظ على الروابط الراسخة بين شعبي وادي النيل في ظل وحدة المسار والمصير التي تجمع الشعبين الشقيقين، بما يحقق مصالح الدولتين الشقيقتين».

ربيع حقيقي

من بين المهتمين بالسودان جلال دويدار في «الأخبار»: «أيمكن وصف ما جرى في السودان الشقيق سوى أنه ربيع عربي حقيقي. إنه بعيد تماما وفقا لمجريات الأمور عن أي تدخلات أو مؤامرات خارجية، مثلما حدث عام 2011 وأدى إلى خراب وتدمير عدة دول عربية. ما حدث في السودان ما هو إلا تحرك شعبي ركيزته الإصرار والتصميم على مواجهة تدهور الأوضاع السياسية والمعيشية في هذا القطر الشقيق. المظاهرات الشعبية تواصلت لتنتهي تجمعاتها أمام قيادة الجيش السوداني، الذي كان يراقب ويتابع. اتسمت المظاهرات الجماهيرية الحاشدة بالحضارية، وعدم الإخلال بمقتضيات الحفاظ على المصالح الوطنية. لم يكن أمام الجيش السوداني بقياداته الوطنية سوى أن يتجاوب في النهاية مع هذا الإصرار الشعبي بإعلان انتهاء حكم عمر البشير الذي استمر لما يقرب من ثلاثة عقود. ما حدث يعد إنجازا شعبيا سودانيا يحتاج إلى خطوات استكمالية في الأيام المقبلة، لإعادة الحياة إلى طبيعتها المدنية. كان المحور الأساسي لهذه الغضبة الشعبية.. التعبير عن المعاناة من تدني الأحوال المعيشية والتطلع إلى مزيد من الحرية والحياة الديمقراطية. جاءت هذه الغضبة الجماهيرية وليدة الإدراك الشعبي بأن بلدهم غني بكل مقومات الازدهار والرخاء. في هذا الشأن فإن ثروته من الأراضي الصالحة للزراعة تتجاوز عشرات الملايين من الأفدنة، يضاف إلى ذلك العديد من الثروات الطبيعية الأخرر. لا جدال في أن الإقدام على استغلال هذه الثروة يجعل من السودان سلة غذائية إقليمية ودولية تُعظم توفير الحياة الكريمة لشعبه.. وهو ما لم يحدث. المتوقع وفقا للتطورات والبيانات الصادرة من الخرطوم.. فإنه سيكون هناك تشكيل لمجلس رئاسي يتولي السلطات الرئاسية. هذا المجلس سوف يتخذ خطوات وإجراءات عاجلة لإجراء انتخابات تشريعية تستهدف إرساء الحياة الديمقراطية».

الوجوه نفسها

يبدو عبد اللطيف المناوي، كما يشير في «المصري اليوم» قلقا على مستقبل السودان: «شاهدت وجوه السودانيين عندما قام البشير بانقلابه قبل 30 عاما، وقتها والرجل يتلو تصريحاته، ويظهر في لقاءاته. شاهدت وجوها تحمل التعبيرات نفسها التي تحملها الوجوه الآن من قلق وتوتر وخوف من المصير المجهول. ربما أرى الآن إصرارا على تفادى التجربة التي عاش بسببها الشعب السوداني في أزمات طوال الـ30 عاما الماضية. ربما أرى الآن وجوها في ذاكرتها ما حدث في السابق، بعد أن نجح نظام البشير في البقاء ثلاثة عقود، معتمدا على استخدام كافة الوسائل الأمنية الصارمة، والتضييق على الممارسة السياسية، وإضعاف وإنهاك القوى السياسية في المجتمع، لتعجيزه عن القيام بأي رد فعل. لم يدرك البشير أن المعادلة تغيرت من حوله، حيث بدا هذا من بيان عوض بن عوف، الذي أشار إلى إصرار البشير على الممارسات القديمة نفسها، ومحاولته الالتفاف على الواقع وتحقيق هدفه بالبقاء حتى لو كان على حساب شق صف الجيش ووقوع آلاف من القتلى. المشهد حاليا نموذجي لشكل الانقلاب، كما عهده الكثير من الدول، من بينها السودان ذاته، لكن الأمر المشكوك فيه أن يكون هو المشهد الأخير، فيما يشهده السودان منذ عدة أسابيع. الجميع يخشى من وقوع السودان في حالة فوضى في حالة سقوط البشير بدون بديل، وهذا اتضح من الموقف العالمي والإقليمي من الاحتجاجات، ومنها مصر التي خشيت تحول الجار الجنوبي إلى دولة منقسمة ممزقة، تتحول إلى عبء إضافي على الدولة. لكنني أثق في الشعب السوداني، وأنا أرى وجوهه التي تعتريها ملامح التعلم من أخطاء الماضي».

يفهمون متأخرا

«لا تعرف هالة فؤاد، كما تتساءل في «المشهد»، لماذا لا يجيد الحكام العرب فهم شعوبهم؟ أو بالأدق لماذا يصمون الآذان عن سماع صيحات غضبهم.. يتجاهلونها.. لا تثير قلقهم.. لا تفزعهم.. لا تحرك فيهم ساكنا، كأنهم على يقين من أن تحرك الشعوب لا يزيد عن كونه فقاعة هواء ما تلبث أن تتلاشى بدون أثر. يأخذهم الغرور الأعمى لأقصى درجات الثقة، فلا يتوقفون كثيرا عند مشهد الحشود الغاضبة، ولا ينصتون لصيحاتها الهادرة، يتابعونها بنصف اهتمام وبنصف تركيز، وبدون أدنى إحساس بالخوف، يدركون أن قبضتهم الحديدية لن تسمح إلا بتمرد محسوب ومحكم السيطرة عليه، أو ربما لا تفزعهم صيحات غضب، لن تخرج في تقديرهم عن نوبات تنفيس لشحنة زادت عن حد الاحتمال، فتركوا لها مجالا للانطلاق محددا ومحسوبا، ما تلبث بعده أن تخرج عصا أنظمتهم لتكبحه، وترده لطريق الخنوع. هكذا دائما يكون تصورهم الخاطئ، وتأتى حساباتهم غير الدقيقة. وتفاجئهم ثورة احتجاج يزداد هديرها، ويعلو سقف مطالبها لتطيح برؤوسهم غير مأسوف عليهم. الغريب أن تكرار السيناريو لا يردع أحدا من هؤلاء الحكام، ولا يدفع أيا منهم لتجنب غضب شعبه، وكأنه على يقين من أن قوته وإحكام قبضته وسيطرته لن تسمح بمجرد التفكير في الخروج عليه والمطالبة برحيله. غرور أم غباء أم كلاهما. الأرجح أنه غرور غبى أو غباء الغرور هو ما يدفعهم للنهاية نفسها، «إرحل يعني إمشي». انفجرت الحناجر المصرية بها في ثورة يناير/كانون الثاني، ساخرة كأنها تشرح لمبارك بما يتناسب مع ضيق أفقه وتصلب عقله. تكرر السيناريو في اليمن وليبيا، بشكل أكثر دموية، ثم جاءت ثورة الشعب الجزائرى الذي احتاج رئيسه لأكثر من أربعين يوما ـ حتى يفهم، مقاصد شعبه «إرحل». هل ظن عمر البشير أن العقود المستبدة، التي حكم فيها السودان بالحديد والنار، ستنجيه من المصير نفسه».

العكس هو الصحيح

بداية جديرة بالتفاؤل يلفت أنظارنا إليها عبد العظيم حماد في «الشروق»: «لو كان ممكنا كسر المقاومة الفلسطينية نهائيا وإلى الأبد، كما وعد نتنياهو ناخبيه، لكان ذلك قد تحقق من البداية، بل إن العكس هو ما حدث، إذ ظهرت المقاومة الفلسطينية، وحصل الشعب الفلسطيني على اعتراف العالم بحقه في تقرير المصير، وأقام مؤسساته السياسية، وأشعل الانتفاضة تلو الأخرى، بل يمكن القول إن الاحتلال الإسرائيلي للضفة وغزة هو الذي أنقذ الهوية الفلسطينية من الذوبان في المشروع الأردني الهاشمي، وبكلمات مركزة ما الذي ستفعله إسرائيل مع أربعة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال، لضمان كسر مقاومتهم إلى الأبد، بدون ترحيل أو منحهم وطنا بديلا، في وقت تجمع فيه الشعوب العربية على رفض فكرة الوطن البديل، ما يشجع الحكومات على رفضها أيضا؟ لكن الدهشة من مفارقة تطوع مسؤولين وكتاب عرب بالدعوة إلى طمأنة إسرائيل لا تنتهي عند كل ما تقدم ذكره، بل إنها تمتد لتشمل صدور هذه الدعوة في أسبوع الحسم السابق على يوم الانتخابات الإسرائيلية العامة، وكأنها دعوة للناخب هناك لإعادة انتخاب اليمين المتشدد بقيادة نتنياهو، الذي كان قد تلقى في الوقت نفسه هدية الاعتراف الأمريكي بالسيادة على الجولان، وهدية نقل رفات جندي إسرائيلي. وتسابق مسؤولون وكتاب عرب على البحث عما يطمئن إسرائيل، وعلى إقناع حكوماتنا وشعوبنا على تقديمه لها بكل سرور، وبدون إبطاء، يأتي في وقت يتراجع فيه تأييد السياسة الإسرائيلية الحالية في كل الدوائر الليبرالية واليسارية في أنحاء أوروبا وأمريكا، سواء كانت هذه الدوائر حزبية أو برلمانية أو بحثية أو إعلامية، وذلك بعد سفور الوجه العنصري لهذه السياسة، من خلال قانون يهودية الدولة. أليس مما يدعو للأسى أن تقرر جنوب إفريقيا تخفيض مستوى تمثيلها الدبلوماسي في إسرائيل، احتجاجا على عنصرية وعدوانية اليمين الحاكم فيها، في الأسبوع نفسه الذي دعينا فيه إلى طمأنتها بما نعرف وما لا نعرف من وسائل؟».

البؤساء في الأرض

أوضاع الصحافيين باتت لا تخفى على أحد، وها هو أسامة الألفي في «الأهرام» يعترف بالحقيقة المرة: «كان العمل بالصحافة أمنية كثيرين من أبناء جيلي، الذين عاشوا زمنا كانت البطاقة الصحافية تفتح لصاحبها كل الأبواب المغلقة، وكان الصحافي يعامل حيثما حلّ معاملة الكبراء، ويعتبر أقوى من الوزير وأكثر تأثيرا، فهو ممثل السلطة الرابعة سلطة الشعب، ولم يحل تأميم الصحف دون استمرار هذا التقدير للصحافيين، ماديا ومعنويا، إذ كانوا الأعلى أجرا بين الجامعيين في الوزارات والشركات المختلفة. ومرت الأيام وتبدلت أحوال الصحافيين، حتى صار سعيد الحظ مِنْ خريجي أقسام الصحافة في كليات الإعلام مَنْ يتمكن من التوظف في جريدة توزع 100 نسخة مقابل 300 جنيه، وبدل التكنولوجيا، فقد بات سوق العمل مكتظا، وأغلقت الصحف القومية أبواب التعيينات فيها، بعدما غصت بالعاملين، ولم تعد للبطاقة الصحافية هيبتها التي كانت، وتحولت أحوال الصحافيين المادية من عز إلى فقر. المفارقة أن المواطن حين يحتاج إلى مَنْ يساعده على إيصال مشكلته إلى المسؤولين، فإن أول ما يخطر على باله هو اللجوء إلى الصحافة، فالصحافي من وجهة نظر المواطن له علاقات متشعبة بأهل القمة، تتيح له إيصال أي مشكلة لهم، ويفعلها الصحافي عن اقتناع بأن دوره في خدمة الشعب. لكن مَنْ ينقل مشكلات الصحافيين لأولي الأمر؟».

هل يستجيب؟

«عدة مطالب يرجو عبد الغني عجاج من الرئيس السيسي تلبيتها، كما يبين في «المشهد»، أصدر تعليماتك لكل من يهمه الأمر، بعدم قصر التنويه عن مواقيت الصلاة بإذاعة الأذان بصوت مؤذن مسجد الفتاح العليم فقط.. اشتقنا فخامة الرئيس لسماع الأذان بصوت مشايخنا وسفرائنا لكل العالم الإسلامي، وفي مقدمتهم قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفى إسماعيل وعبدالعظيم زاهر ومحمود خليل الحصري وعبدالباسط عبدالصمد والنقشبندي ونصر الدين طوبار ومحمد عمران وغيرهم الكثير. أصدر تعليماتك فخامة الرئيس بنقل صلاة الفجر خلال شهر رمضان من مسجد مولانا الإمام الحسين، ومسجد رئيسة الديوان السيدة زينب، ومسجد نفيسة العلم السيدة نفيسة، ومسجد السلطان أبو العلا، كما اعتاد التلفزيون، وكما جرت السوابق الرمضانية، ولتقطع الطريق فخامة الرئيس على من يظنون أنهم سينالون رضاك بنقل الصلاة من مسجد الفتاح العليم في العاصمة الإدارية الجديدة فقط. أعلم أنك صاحب قلب كبير، وأعلم أنك مرهف الحس رقيق المشاعر تفيض عيناك بالدموع، وهذا ما يشجعني لأطلب منك التكرم بإصدار أكبر حركة عفو عن السجناء قبل حلول شهر رمضان المبارك، وستنال الدعوات الصادقة من آباء وأمهات وزوجات وأبناء، بأن يحفظك الله ويسعدك كما أسعدتهم.. فخامة الرئيس أصدر توجيهاتك بالإفراج عن كل من ليس له صلة مباشرة أو غير مباشرة بإراقة الدماء.. أصدر تعليماتك بالإفراج عن كل من لم يثبت أنه سرق أموال الوطن.. أصدر تعليماتك بالإفراج عن كل من تاب وأناب واعترف بأنه أخطأ في حق نفسه وحق المجتمع. أتمنى عليك فخامة الرئيس ألا تكتفي بحفلات الإفطار الرسمية.. فكر فخامة الرئيس في تناول الإفطار مع أسر مصرية بسيطة وفي بيوتهم».

حينما كنا كبارا

ينتاب فاروق جويدة الحنين كثيرا لزمن مضى كما يبوح في «الأهرام»: «على استحياء احتفالات ثورة 1919 وهي بكل المقاييس من الفترات المضيئة في حياة المصريين، ويكفي أنها فتحت الطريق نحو صحوة شعب استطاع أن يلحق بالعصر، رغم كل الظروف التي صنعها الاحتلال الإنكليزي وتركها على وجه الحياة في مصر. لم تكن ثورة 19 منطقة الخلاف الوحيدة في تاريخ مصر الحديث، لقد اختلفنا حول ثورة عرابي وهل كانت ثورة أم كارثة؟ ورغم أنها انتهت نهاية مؤسفة بسجن زعيمها ونفيه خارج بلاده، وكان الاحتلال الإنكليزي هو الثمار المرة التي جناها المصريون إلا أن إدانة عرابي تاريخيا كانت قاسية، حتى أن أحمد شوقي أمير الشعراء هجاه في قصيدة قاسية عند عودته من المنفى وهو يعاني خريف العمر وشيخوخة الزمن، وهزيمة الفرسان. لم يكن الخلاف حول عرابى فقط، فقد اختلفنا حول مصطفى كامل ومحمد فريد ووصل التشكيك إلى وطنية هذه الرموز ومواقفها.. إلا أن الخلاف الأكبر كان حول زعيم مراحل ثورة 1919 سعد باشا زغلول، رغم أن هذه الثورة من أعظم مراحل التاريخ النضالي في حياة المصريين.. إن ثورة 19 هي التي جاءت بواحد من أفضل دساتير مصر وهو دستور 23، وهذه الثورة هي بداية تحرير الإرادة المصرية واتفاقية 1936 وهي التي مهدت لتحرير المرأة المصرية وخروجها من زمن الحصار إلى زمن الحريات والتعليم والحياة الاجتماعية، وكانت ثورة 19 أكبر فرصة تاريخية وحدت المصريين، مسلمين وأقباطا، في إرادة شعبية حملت كل مشاعر الوطنية وأن الدين لله والوطن للجميع.. اختلفنا على ثورة 19 وزعيمها سعد زغلول، وقيل فيه ما قيل، ورغم أن هناك كتابات كثيرة أنصفته، وكتابا كبارا دافعوا عنه وكان في مقدمتهم عباس العقاد، إلا أن سهاما كثيرة أصابت زعيم الأمة في شخصه وسلوكياته ومواقفه».

بل نعانق السماء

يبدو عبد الرازق توفيق، كما يشير في «الجمهورية»، أكثر تفاؤلا من غيره: «من أهم نتائج ما أفرزته قمة القاهرة ــ واشنطن، أن قطار الحقائق والثوابت دهس الأكاذيب وشائعات التشويه، ليتأكد للجميع أن مصر تظل هي الكبيرة ومركز الثقل والمكانة الدولية والإقليمية، وأنها لا تتحدث إلا بلغة واحدة. وأن «مصرــ السيسي» شيدت مفاهيم جديدة للعلاقات الدولية تقوم على التعاون والمصالح المشتركة، والاحترام المتبادل والندية مع الجميع.. وأقامت شبكة علاقات دولية خاصة مع القوى الكبرى تقوم على هذه المبادئ.. علاقاتنا محل إرادتنا ومصالحنا أينما كانت. في قمة «السيسي ــ ترامب» مواقف ثابتة ورؤى جديدة وتقدير كبير، وإدراك لمكانة وثقل القاهرة، لا أحد يزايد على مصر.. فهي الدولة العريقة صاحبة التاريخ والمواقف والمبادئ، والتضحيات من أجل الحق والعدل.. ولا يستطيع أن ينتقص من دورها، فهي الرقم الكبير في المعادلة. وهي المحور والعمود وحجر الزاوية وركيزة أمن واستقرار المنطقة، وهي الكبير الذي يعول عليه في منطقة هي الأخطر والأهم، لعالم ينشد الأمن والاستقرار ويواجه شبح الإرهاب الأسود.. ومخاطر الهجرة غير الشرعية.. ولا أحد يستطيع أن يتجاهل مصر، فهي الحاضر في جميع الملفات والقضايا في المنطقة والتنسيق والتشاور معها أمر حتمي وضروري. يضيف الكاتب «مصر – السيسي» أو دولة 30 يونيو/حزيران صنعت لنفسها أمجادا وشموخا وكبرياء وطنيا فريدا.. لا تمتثل سوى للحق والعدل وإرادة شعبها العظيم.. عادت وبقوة تعرف أهدافها، وتؤمن بدورها المحوري في المنطقة.. بعد أن تبنت تجربة أزالت عنها وهن الماضي وتداعياته وتقلص الدور والتأثير».

مفيش فايدة

«التحولات التي أحدثتها ثورة يوليو/تموز 1952 في الخريطة النفسية للمصريين فاقت كما يؤكد محمود خليل في «الوطن» غيرها بكثير، يمكننا الزعم أيضا بأن الآثار التي خلّفتها هذه الثورة على التركيبة النفسية والمزاج العام وثقافة المصريين، لم تزل باقية وراسخة في نفوس الكثيرين حتى الآن، وما زالت تواصل عملها في تحديد بوصلة المواطنين البسطاء من ناحية، والنخب من ناحية أخرى إزاء الأحداث التي تجرى والقضايا التي تتفاعل في الواقع. فالسياسات التي تبناها قائد الثورة – جمال عبدالناصر- والكثير من القرارات والإجراءات التي اتخذها، غيّرت كثيرا في ملامح الخريطة النفسية للمصريين. وظني أن الرصد المتأني لهذه التغيرات عظيم الفائدة في فهم الكثير من معطيات الواقع المعيش، لأنها ما زالت مؤثرة وفاعلة فيه، كما ذكرت لك. خلال فترات تاريخية معينة تشعر الشعوب بأن حدثا جللا يبدو في الأفق. المسألة هنا لا تتعلق بحدس شعبي أو قدرة من جانب المجموع على كشف ستر الغيب والتنبؤ بما هو مقبل، بل تعود في جوهرها إلى تراكم تأثيرات مجموعة من الأحداث الكبرى الخطرة في نفوس الناس، تؤدي إلى تكوُّن إحساس لديهم بأن الأخطر مقبل. كان ذلك – على وجه التقريب- هو إحساس المصريين قبل ثورة يوليو/تموز 1952. فقبل هذا الحدث بعشر سنوات (فبراير/شباط 1942) شهدت مصر واقعة فارقة حين تحركت القوات الإنكليزية وحاصرت قصر عابدين، وأجبرت الملك فاروق على تكليف مصطفى باشا النحاس، زعيم الوفد، بتشكيل الحكومة. كان الحدث جارحا بدرجة كبيرة للكبرياء المصري، حين وجد المصريون الزعيم الوطني وتلميذ سعد زغلول وكبير المطالبين باستقلال مصر عن إنكلترا يقبل الحكم على أسنّة الحراب الإنكليزية. مؤكد أن لسان المصريين لهج وقتها بالعبارة الزغلولية الشهيرة «مفيش فايدة» تعبيرا عن تمكُّن أعلى درجات اليأس من نفوسهم».

هل تعلم؟

نبقى مع «الوطن» حيث يطرح محمد الزهار أسئلة مهمة : «هل تعلم عزيزي القارئ أن نصيب المواطن من ميزانية وزارة الثقافة لا يتجاوز جنيها واحدا أو جنيهين في أحسن الأحوال؟ هل تعلم عزيزى القارئ أيضا أن 90٪ من ميزانية وزارة الثقافة تذهب أجورا ومرتبات للعاملين في الوزارة؟ الأرقام الصادمة عن القصور الحادث في منظومة العمل الثقافي تقول أيضا إن مخازن وزارة الثقافة فيها تلال من الكتب، تقدر نفقات إنتاجها بما يقرب من 30 مليون جنيه! وزارة الثقافة لديها أكثر من 594 مركزا وقصر ثقافة في مصر، هناك عدد كبير منها متوقف عن النشاط منذ أكثر من عشر سنوات، بعد حادث حريق مركز ثقافة بني سويف، لعدم استكمال إجراءات الأمن والسلامة والحماية المدنية، إضافة إلى أن نحو 17 قصر ثقافة تهدمت بعد زلزال 1992، ويعوق إعادة البناء عدم وجود اعتمادات، ما دعا وزارة الثقافة إلى المطالبة باعتماد مبلغ 274 مليون جنيه لإعادة البناء والترميم والتأهيل في العام المالي 2017/ 2018 ولكن تم تخصيص 66 مليون جنيه فقط! أيضا دور المسرح التابعة للدولة، أو بالأحرى التابعة لوزارة الثقافة، هناك عدد كبير منها لا توجد فيها أنشطة والبعض مغلق، قطاع الفنون التشكيلية ليس أسعد حالا، وصندوق التنمية الثقافية، تقلصت بشكل كبير الميزانية المخصصة له، ويكاد يتوقف نشاطه تماما، بعد أن فقد التمويل الأساس الذي كان يعتمد عليه في أغلب أنشطته، بعدما انفصلت الثقافة عن الآثار، وكانت الآثار تموله بـ10٪ من إيرادات ودخل المتاحف والمزارات، أما عن المشكلات في المجلس الأعلى للثقافة فحدث ولا حرج».

مشكلة مزمنة

مازالت الأزمات التي تواجه العملية التعليمية تتزايد، وهي القضية التي يهتم بها كامل عبد الفتاح في «الوفد»: «وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور طارق شوقي من العقليات الجديدة، حين تفكر وتخطط وتنفذ. ومازلنا نشجعه على المضي قدما في رؤيته الخاصة بتطوير التعليم.. لكن للأسف في مصر داء قديم أننا إذا لمسنا في مدير أو وزير إشارات نجاح نحمله مسؤوليات مضاعفة وننسى أن هناك طاقة بشرية وقوانين إنسانية تنطبق على هذا المسؤول مثلما تنطبق على أي شخص عادي. المشكلة التي نحن بصددها أنه غير معروف حتى الآن هل حملت جهات عليا الدكتور طارق شوقي مسؤوليات جديدة؟ أم هو الذي حملها لنفسه؟ أم جذبه إليها نائبه للتعليم الفني الدكتور محمد مجاهد.. في مصر لمن لا يعلم هيئة قومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، أنشئت بموجب القانون رقم (82) لسنة 2006 في رئاسة الجمهورية كهيئة تتبع مباشرة رئيس مجلس الوزراء، وأنها المسؤولة عن منح كل مؤسسات التعليم الجامعي وما قبل الجامعي ومؤسسات التعليم الأزهري والتعليم الفني شهادات الاعتماد والجودة، وفق معايير تتفق في مجملها مع أعرق المعايير الدولية، لأكبر هيئات الجودة والاعتماد في أوروبا وأمريكا. وقد نجحت هذه الهيئة خلال ثلاثة عشر عاما من نشأتها في توقيع عشرات الاتفاقيات مع مؤسسات دولية مرموقة، ونالت أكثر من اعتراف دولي بها لفتح مجالات العمل أمام خريجينا من الشباب المصريين، بدون الحاجة لمعادلة شهاداتهم.. المهم أنه فجأة وبلا أدنى مبرر أعلن الدكتور محمد مجاهد نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفني عن إنشاء هيئة ضمان جودة واعتماد خاصة بالتعليم الفني في وزارة التربية والتعليم».

استقواء

نتحول نحو قضية فنية أغضبت عبلة الرويني في «الأخبار»: «مؤسف.. ومؤسف جدا انسحاب المخرجة كاملة أبو ذكري من المسلسل الدرامي «وراء الشمس» رغم أنها انتهت من تصوير ما يقرب من نصف حلقاته. مؤسف للعمل الفني خسارته لمخرجة بحجم وقيمة وإبداع كاملة أبو ذكري، كواحدة من أهم المخرجين الدراميين الآن. الأكثر أسفا وألما وخسارة هي أسباب الانسحاب، بما يكشفه من هيمنة لشروط السوق ومعايير الاستهلاك في السيطرة على الفن. بديهي أن المخرج هو صاحب السيادة على العمل، صاحب الرؤية والتصور، وهو بالطبع الأقدر على اختيار الفنانين الأنسب للعمل ولتحقيق رؤيته… بعد أن اختارت المخرجة كاملة أبو ذكري مؤلف الموسيقى التصويرية للمسلسل الذي تقوم بإخراجه، وهو من صميم عملها.. فوجئت بتدخل عمرو دياب، وإصراره على أن يقوم هو بتأليف الموسيقى التصويرية للعمل، واتفاقه مع الشركة المنتجة للمسلسل (المدهش والفادح والمؤسف أن عمرو دياب يتدخل، ويقرر تقديم الموسيقى التصويرية للعمل، ويفرض نفسه على العمل الدرامي، وعلى مخرجة العمل، بدون أدنى علاقة له بالمسلسل سوى أنه زوج دينا الشربيني بطلة العمل). طبعا احتجت كاملة أبو ذكري على التدخل في عملها، وفرض عمرو دياب نفسه على المسلسل (وليس له رصيد كمؤلف موسيقى تصويرية) إضافة إلى أن رؤيتها واختياراتها مختلفة لعمل الموسيقى التصويرية للمسلسل، ولم يكن أمامها إلا الانسحاب، والاعتذار عن استكمال العمل، ورفع اسمها حتى عن الحلقات التي قامت بتصويرها.. احتراما لنفسها وللعمل الفني، الذي تحول إلى بلطجة واستقواء».

البحث عن وعي

«علينا أن ندرك والكلام لشكري القاضي في «الجمهورية»، أن صخب الفضائيات لا يمكن أن يغني عن أقلام تضيء العقول. وتغذي الوجدان. ولذا فقد أشار الرئيس أكثر من مرة إلى ضرورة صياغة وعي حقيقي للمشهد في عقول المصريين. فالحل لا يكمُن في الالتفاف حول الحقيقة. ولكن يكمُن في الرأي القويم الذي يقوم على الحُجة. ويستند إلى الدليل بدون أن ينزلق إلى مدارج البذاءة والتجريح، إلى حد إطلاق أوصاف الخيانة والعمالة على الآخر حاكما كان أو محكوما، وإذا كانت الحكومة بأجهزتها التنفيذية والتشريعية قد أقرت اللجوء إلى التعديل في بعض مواد الدستور. فلابد أن يتعامل الشعب مع القرار بواقعية، بما يكفل له الدستور من حرية رأي في تحديد موقفه من هذا القرار، بشرط أن يطَّلع بنفسه ويقرر بنفسه. ولا ينقاد لآراء من هنا أو هناك. فلا يعقل أن يسلم الشعب آذانه إلى فضائيات معادية تهدف إلى إسقاط الدولة. ولا يصح ولا يليق أن يذهب البعض إلى اتهام الحكومة بالخيانة. أو يصف المجلس التشريعي بـ«المطية» لأن مثل هذه الاتهامات البشعة أو الأوصاف الباطلة في حق أصحاب القرار، قد تؤدي إلى إحداث بلبلة بين الجماهير. وتعرض الوطن للفوضى. وما أدراك ما الفوضى. فهي البيئة الخصبة للإرهاب. وعلى المواطنين الاستماع إلى صوت ضمائرهم أمام صناديق الاستفتاء. فالتحفظ على تعديل مادة أو أكثر يمكن تجاوزه مادامت التعديلات في مجملها لا تمس الحقوق والحريات. لا مجال للطاعة العمياء سوى في ميادين القتال. لأن الخطأ في الميدان قد يعرض الوطن لكارثة. لكن في السياسة فإن كل الآراء تحتمل الصواب والخطأ. وكما تخضع للنقاش. فهي تخضع أيضا للرفض أو القبول. وعلينا أن نتذكر أن الرئيس، أعرب عن أمنيته في الاستماع إلى كل من له رأي آخر. وفي المقابل علينا أن ندرك أن شبكات التواصل الاجتماعي قد وضعت العامة بالإكراه في مركز صناعة القرار. وهي مؤثرة بلا شك. وإذا كنا نؤمن بالفعل أن الشعب هو مصدر السلطات. فإن واجب الحكومة أن تكاشف الشعب بكل الحقائق حتى تقطع الطريق على كافة المنافذ المغرضة التي تعمل ليل نهار لبث الكراهية وإشعال الفتن وتقويض الاستقرار، خاصة في ظل تخبط بعض موجهي الرأي العام في التعامل مع الآخر».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية