غداة الانتخابات الإسرائيلية.. “جاي يا غلمان جاي” فزعة برلمانية داخل أراضي 48.. هل انتهى تاريخها؟

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:
شهدت انتخابات الكنيست الإسرائيلي الواحد والعشرين جدلا صاخبا غير مسبوق بين صفوف فلسطينيي الداخل، بين من يقاطع لاعتبارات أيديولوجية أو احتجاجا على أداء الأحزاب العربية والرغبة بمعاقبتها لتفكيكها القائمة المشتركة، وبين من دعا للتصويت رغم العتب والغضب من أجل المساهمة في إسقاط حكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة، والذي تم تكليفه أمس مجددا بتشكيل حكومته الخامسة. المتفق عليه بين كل الجهات أن “فزعة” المصوتين العرب عند المساء في الساعات الثلاث الأخيرة من يوم الانتخابات تلبية لتوسلات الأحزاب العربية عبر مكبرات الصوت في المساجد وفي الإعلام هي التي أنقذت القائمتين العربيتين من السقوط.

وقد بدأت ظاهرة “الفزعة” لدى المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل في انتخابات الكنيست مبكرا، حينما كانت عربية – فلسطينية تأتي من الخارج قبل أن تكون محلية في محاولة لزيادة عدد النواب العرب وربما لإنقاذهم من خلافات المحاصصة والتشرذم.

و”الفزعة” المتداولة في الأوساط الإعلامية والسياسية داخل أراضي 48 بشكل واسع منذ انتهاء الانتخابات، من فَزِع بمعنى خاف، وأيضا أغاث، وتعني نصرة المستغيث أو الخائف الملهوف، وفي هذه الحالة، حملت معنى سياسيا كما يؤكد الكاتب محمد علي طه.

على خلفية حرب لبنان الثانية عام 1982 وبداية نمو فكرة المصالحة الفلسطينية- الإسرائيلية مجددا، كان عام 1983 واحدا من محطات هذه “الفزعة البرلمانية” يوم شجعت منظمة التحرير الفلسطينية المحامي محمد ميعاري لتشكيل كتلة عربية لجانب الحزب الشيوعي الإسرائيلي لـ”خدمة القضية الفلسطينية” وهكذا ولدت الحركة التقدمية للسلام. وفي انتخابات الكنيست 1984 حازت على مقعدين.

يشار إلى أنه حينما بدأت انتخابات الكنيست عام 1992 كانت تجري خلسة مداولات “أوسلو” ورغبت منظمة التحرير الفلسطينية بمساعدة حزب “العمل” للفوز تمهيدا لتوقيع اتفاق سلام معه.

عبد الوهاب دراوشة
وقتها شهدت القاهرة وتونس والبلاد عدة لقاءات غير مثمرة برعاية منظمة التحرير بمشاركة قادة من فلسطينيي الداخل أمثال عبد الوهاب دراوشة ومحمد ميعاري وإبراهيم نمر حسين ثم محمد زيدان وغيرهم (ولاحقا اتصالات مع أحمد الطيبي) لتشكيل قائمة عربية مشتركة دون جدوى.

وحسب رواية النائب السابق عبد الوهاب دراوشة لـ”القدس العربي” تشاركت مصر ومنظمة التحرير بمحاولات توفيق العرب في قائمة مشتركة لجانب الحزب الشيوعي الإسرائيلي: “سافرت ومحمد ميعاري وسميح القاسم وإبراهيم نمر حسين ونزلنا في فندق نبيلة في القاهرة، وهو فندق متواضع كي لا نجذب الانتباه. هناك التقينا مع أبو مازن وأسامة الباز وبواسطتهما وواسطة رئيس لجنة المتابعة العليا الراحل إبراهيم نمر حسين، توصلنا لاتفاق بإقامة قائمة مشتركة بين الديموقراطي العربي وبين الحركة التقدمية على أساس أن من يأخذ الموقع الأول يأخذ الثالث ومن يأخذ الثاني يأخذ الرابع. قلت إنني موافق. وطلب ميعاري الثاني والثالث فقبلت أيضا واتفقنا. وأبو مازن كتب اتفاقا بخط يده وطلب أن نوقع. عندما هممت لأوقع قال لي أبو مازن: تمهل قليلا فنحن نعرف أنك ستوقع.. ودعنا نرى ميعاري أبو يسار، فقال إنه يريد استطلاع رأي اللجنة المركزية في حركته فقالوا له: لقد قلت إنك قادم مفوض من اللجنة المركزية فقال: أريد مراجعتها مرة أخرى. فقالوا له: طيب روح شوف اللجنة المركزية. لكن ميعاري هرب بنفس الليلة من الفندق وعاد للبلاد والتقى بالصحافي الراحل لطفي مشعور صاحب الصنارة، وعملوا البيان الذي هاجموا فيه منظمة التحرير وقالوا فيه إنهم يرفضون التحالف”.

محمد ميعاري
لكن ميعاري يرفض هذه الرواية ويقدم رواية أخرى يقول فيها: “رتب اللقاء بيننا سعيد كمال مندوب منظمة التحرير في القاهرة. هناك دعونا لتشكيل كتلة مشتركة بجانب الحزب الشيوعي. فقلت: ما الهدف؟ فقالوا نريد التعاون مع حزب العمل. فقلت: أنا لا أتعامل مع حزب العمل فهو أساس النكبة الفلسطينية ونحن كسياسيين لنا مواقف وموقفنا الأساسي التصدي له. ثم سألني أبو مازن عن رابين؟ فقلت إنه فاشي يتغطى بالاشتراكية. فقال: أنا أسألك عن رابين لا عن شامير. فكدت أصاب بالجنون واستفزني السؤال. اقترحوا علي أن أكون بالمكان الثاني بعد عبد الوهاب ويتلوني طلب الصانع فرفضت لأنني طلبت أن يكون المرشح الأول دراوشة والمرشحان الثاني والثالث لحركتنا التقدمية أو بالعكس. هذا مقترح خطي قدمه أبو مازن بخط يده. ولما رفضوه رفضت”.

الكتلة المانعة
في تلك الانتخابات عام 1992 فاز الحزب الشيوعي بثلاثة مقاعد والحزب الديموقراطي العربي بمقعدين، فيما سقطت كتلة الحركة التقدمية للسلام برئاسة محمد ميعاري لعدم تجاوزها نسبة الحسم. ومع ذلك تمكن النواب الخمسة (توفيق زياد، تمار جوجانسكي، هاشم محاميد وعبد الوهاب دراوشة وطلب الصانع) من تشكيل “الكتلة المانعة” التي حققت إنجازات مطلبية إضافة لدورها الحاسم بمصادقة الكنيست على اتفاق أوسلو.

عقب اغتيال رابين وإجراء الانتخابات بعد نحو عام، في ربيع 1996 رفضت حركة “المستقلين” برئاسة محمد زيدان الانضمام لقائمة الحزب الديموقراطي العربي لعدم احترام اتفاق تناوب بين زيدان وبين طلب الصانع بعد انتخابات 1992، فجرت محاولة لضمه لقائمة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة من خلال “فزعة خارجية”.

في انتخابات 1996 انتدب محمود عباس مسؤول ملف إسرائيل في منظمة التحرير وجيه القاسم ( أبو مروان) سفير فلسطين في الرباط في مهمة لترتيب أوراق الأحزاب العربية. لكن جهود المنظمة فشلت في ضم قائمة “المستقلين” لقائمة الجبهة التي شملت لاحقا عزمي بشارة في المكان الخامس، وفازت فعلا بخمسة مقاعد فيما سقطت كتلة “المستقلين”.

في تلك الانتخابات عام 1996، جرت للمرة الأولى انتخابات مباشرة لانتخاب رئيس وزراء في إسرائيل، وخسر شيمون بيريز أمام بنيامين نتنياهو بفارق 30 ألف صوت فقط وفازت الجبهة- التجمع بخمسة مقاعد.

فزعة تلفزيونية
في تلك الانتخابات ساهمت “الفزعة” الخارجية في تشكيل كتلة وحدوية بين الحزب الديموقراطي العربي، وبين الحركة الإسلامية الشق الجنوبي، وولدت ” القائمة العربية الموحدة”. ثم تركزت “الفزعة” في محاولة دعم بيريز وإنقاذ “أوسلو” بعد اغتيال رابين بتوصية وتشجيع منظمة التحرير الفلسطينية.

في ظل عتب وغضب على بيرس لارتكابه مجزرة قانا الأولى في جنوب لبنان، أحجمت أوساط واسعة من المجتمع العربي عن التصويت لبيرس رغم المناشدات من أجل إنقاذ السلام ومنع نتنياهو من الفوز بسدة الحكم.

وقتها لم تكن وسائل الإعلام متوفرة وتقتصر على بعض قنوات التلفزة والصحف المطبوعة. عند ساعات العصر وفي محاولة لإنقاذ الموقف إزاء نسب تصويت متدنية لدى المواطنين العرب تمت للمرة الأولى مناشدتهم العاطفية من خلال مكبرات الصوت في المساجد. وعندما تكشف حجم التراجع عن التصويت بادر النائب عبد الوهاب دراوشة بمخاطبة المواطنين العرب من خلال بث مباشر من التلفزيون الأردني الذي تميز بنسب مشاهدة عالية في أراضي 48.

ويوضح دراوشة أن التلفزيون الأردني منحه وقتها ما أراده من وقت بمبادرة من سفير مصر في تل أبيب محمد البسيوني، ومن القصر الملكي عن طريق النائب الأردني حمادة الفراعنة، لكن بيريز سقط رغم “الفزعة” وهناك من يقول إنها كانت واحدة من “سقطات” الأحزاب العربية في الداخل.

مسار التايتنيك
تكررت “الفزعة” الداخلية عبر مكبرات الصوت في جولات انتخابية لاحقة لكنها بلغت أوجها وكانت الأخطر والأهم في 2019. ويجمع مراقبون أنه لولا “فزعة المساء” من قبل أوساط عربية جاءت بعد توسلات الأحزاب العربية لكانت قد سقطت.

وترى أوساط داخل الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة أنها بحاجة هي الأخرى رغم فوزها بستة مقاعد للمراجعة والتقييم والتصليح كتلك الفائزة بأربعة مقاعد فقط لأن سهام الغضب طالتها هي الأخرى وكذلك أسعفتها “الفزعة” وأنه من غير اللائق لحزب يحترم ذاته أن يتعرض لهذه المخاطرة.

العبرة الأهم
ويوضح الناشط السياسي ثابت أبو راس لـ”القدس العربي” أن الأهم من هذه التجربة السؤال هل يَعتَبِر قادة الأحزاب العربية؟ هل خبروا كيّا للوعي من قبل المجتمع العربي الذي رغب بالمعاقبة على فضيحة المحاصصة والتناوب وفك المشتركة دون تمييز بين كل مركباتها؟

وواصل التساؤل، هل ستصدق الأحزاب العربية أن هذه البطاقة الصفراء ستستبدل في المرة القادمة ببطاقة حمراء تخرجهم من اللعبة البرلمانية أم سيستخفون بها؟ مرجحا أن “الفزعة” لن تنقذ أحدا في الانتخابات القادمة لأن المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل يكبر وينضج كما وكيفا، ويرغب بأن يكون مسؤولا عن مصيره من خلال سفرائه ومندوبيه، ولم يعد رعايا للسلطان وينتظر عملية إصلاح شامل للأداء والأدوات وسلم الأولويات وكل الرؤية.

عبد الوهاب دراوشة مع الراحل ابو عمار

وجيه القاسم، سفير فلسطين الأسبق في الرباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية