تونس ـ «القدس العربي»: يواجه قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال الذي تتم مناقشته حاليا داخل المجلس التأسيسي التونسي انتقادات كثيرة في ظل عدم التوافق حول بين النواب حول فصولها، ومطالبة البعض بمواصلة العمل بقانون 2003 الذي يعود لعهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مع مراعاة مبدأ احترام حقوق الإنسان.
وقرر المجلس الأربعاء تأجيل المصادقة على الفصل 13 بسبب عدم اكتمال النصاب اللازم للمصادقة عليه، ويثير الفصل المذكور جدلا كبيرا كونه يقدم تعريفا «ملتبسا» للجريمة الإرهابية، حيث يساوي من مرتكبي القتل وملحقي الضرر بالبعثات الدبلوماسية والممتلكات العامة والبيئة من حيث الفعل (جريمة إرهابية)، لكنه يفرق بينهم من ناحية العقوبة التي تنص على إعدام الفئة الأولى (القتل) والسجن لسنوات طويلة للفئات الأخرى.
وكانت الحكومة طالبت مؤخرا بتعليق التصويت على القانون إثر رفض مقترحها حول تعديل الفصل الثامن المتعلق بالعقوبات المستوجبة للمنتمي الى تنظيم إرهابي حيث ينص القانون على رفع الحد الأقصى للقوبة إلى السجن لعشرين عاما، فيما تطالب الحكومة ممثلة بوزير العدل حافظ بن صالح برفع العقوبة إلى الإعدام، وهو ما تم رفضه من قبل النواب.
وكان المجلس أسقط مؤخرا الفصل الخامس المتعلق بالتحريض على الإرهاب لأنه لم يحظَ بأصوات كافية لإقراره وخاصة بعد رفض جميع مقترحات تعديله.
وإلى جانب الاختلاف حول مضمون القانون، يحذر البعض من سقوط القانون بشكل كلي نتيجة الغيابات المتكررة للنواب، واحتمال عدم التزام المجلس بآخر أجل حدده للمصادقة على المشروع والذي ينتهي في الرابع والعشرين من آب/أغسطس الحالي.
وكان بعض السياسيين عبروا في تصريحات سابقة لـ»القدس العربي» عن دعمهم لقانون الإرهاب الجديد، مشيدين في الوقت نفسه بالإجراءات الحكومية للحد ن ظاهرة الإرهاب في البلاد.
من جانب آخر، طالبت إحدى نقابات الأمن رئاسة الحكومة إلى سحب مشروع قانون الإرهاب من المجلس التأسيسي، مشيرة إلى أنها السلطة الوحيدة المؤهلة لتنقيحه.
ودعت نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل الحكومة إلى مواصلة العمل بقانون 2003 الذي تم سنه في عهد بن علي، مع مراعاة مبدإ احترام حقوق الإنسان، مؤكدة رفضها تمرير المشروع بصيغته الحالية.
وقال المستشار القانوني للنقابة محمد كريم النفاتي في تصريحات صحفية إن مشروع القانون الحالي لا يتلاءم مع خطورة الجرائم الإرهابيّة في البلاد، و»لا يحتوي على الطابع الزجري والصرامة المطلوبة في أحكامه، خصوصا مع تنامي الإرهاب والتطوّر النوعي في العمليات الإرهابية وما خلفته من ضحايا في ظل انتشار الفكر التكفيري المتشدّد».
وأكد أن «قانون بن علي الذي كان يلقّب بالقانون «السيّء الذكر» هو الوحيد القادر على مجابهة مخاطر الجرائم الإرهابية إذا أُحسن تطبيقه»، منتقدا «البطء والتراخي في مناقشة مشروع القانون من قبل أعضاء المجلس التأسيسي، إضافة إلى عدم اطلاعهم على فحوى قانون 2003 الذي اعتبره أكثر جدوى وصرامة من القانون الحالي».
من جانب آخر دعا الباحث الأمني مختار بن نصر الحكومة إلى تعديل مشروع قانون مكافحة الإرهاب قبل تطبيقه نظرا لما يحتويه من نقائص، وقدم عدد من المقترحات منها استبدال اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب بهيئة وطنية مستقلة لمكافحة الإرهاب وإحداث «مكتب تحقيق مجلسي» والتمديد في مدة الإيقاف.
ويبدو أن الحكومة استجابت الخميس لهذه المقترحات، حيث تم الإعلان عن إحداث مكتب تحقيق مجلسي يضمن من خلال تركيبته التي تضم 3 قضاة تحقيق، تكريس مبدأ القضاء الجماعي في الكشف عن الحقائق في القضايا الإرهابية.
وكان بن نصر أشاد في تصريح سابق لـ»القدس العربي» بالإجراءات الحكومية للحد من الإرهاب، وأضاف «نحن اليوم في معركة حقيقية مع الإرهاب وكل إجراءات تدفع نحو الأمن والاستقرار هي مطلوبة».
لكنه أشار إلى أن تعارض هذه الإجراءات مع الحرية الشخصية مبررا في الوقت الحالي، وأوضح بقوله «مواضيع الحرية والديقراطية نحترمها ما لم تتعارض مع الحق الأعلى وهو الحق بالحياة والأمن، لأن الحرية بلا أمن تفقد مقوماتها وتصبح مهددة للأمن العام، ما معنى أن أكون حرا وأنا مهدد في حياتي».
يذكر أن رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر حسم الجدل القائم بين النواب حول طبيعة مشروع قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، مؤكدا أنه «قانون أساسي» يجب المصادقة عليه في أقرب الآجال لأنه «منتظر من طرف الرأي العام الدولي، وليس الرأي العام الوطني فقط».
وكان بعض المراقبين حذرا من احتمال تحويل المشروع إلى «قانون عادي» (هامشي أو غير دستوري ويمكن تغييره في كل وقت) بسبب الخلافات الكبيرة حول موضمونه وضعف الحضور المتكرر للنواب.
حسن سلمان