قد تتوقف الشعوب مرحليا عن طلب الحرية تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وقد يساوم المواطنون على حقوقهم السياسية نظير الوعد بتحسين ظروفهم المعيشية. يحدث ذلك في منطقتنا العربية وقريبا منها وبعيدا عنها، حين يشوه وعي الناس بحيث يخلطون بين طلب الحرية وبين خطري الفوضى وغياب الاستقرار وحين تتمكن حكومات غير ديمقراطية من توظيف الخوف لإبعاد المواطن عن شؤون السياسة وقضايا الحقوق ودفعه إلى قبول الأمر الواقع وليس به سوى طغيان لحكم الفرد وغياب للتداول السلمي للسلطة ووعود غائمة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. يحدث ذلك أيضا، حين تعمل حكومات غير ديمقراطية أدوات العنف في الناس وتجبرهم تحت وطأة القمع إما على التسليم صاغرين باستحالة التغيير أو تزج بهم إلى مواقع عنف مضاد. يحدث ذلك ثالثا، حين تعجز الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الداعية إلى الحرية عن إقناع قطاعات شعبية مؤثرة بقدرتها على تقديم بدائل فعلية للحكومات غير الديمقراطية.
في منطقتنا العربية، اختبرت بلدان الانتفاضات الديمقراطية 2011 هذه الحقائق بقسوة وانتهت الأمور، مرحليا، إما إلى فشل التداول السلمي للسلطة والارتداد إلى حكم الفرد كما في مصر أو إلى تفجر الحروب الأهلية وتفكك أجهزة الخدمة العامة ومؤسسات الدولة كسوريا وليبيا واليمن أو إلى تحول ديمقراطي متعثر يراوح الناس فيما خصه بين التخلي عنه والتمسك به كما هو حال تونس.
في منطقتنا العربية، دللت التجارب السلبية لبلدان الانتفاضات الديمقراطية 2011 على استحالة التخلص من السلطوية هنا والاستبداد هناك في غضون سنوات قليلة وكذلك على استعداد قطاعات شعبية مؤثرة للانسحاب من طلب الحرية والالتفاف مجددا حول حكومات تعد بالخبز والأمن والاستقرار بينما هي تسفه من حقوق الناس السياسية وتعلمهم باستحالة التداول السلمي للسلطة هنا وتهددهم بالعنف والقمع الممنهجين هناك. في منطقتنا العربية، اكتشفت بلدان الانتفاضات الديمقراطية 2011 من جهة أن الدساتير والقوانين لا تشكل الضمانات النهائية للحريات والحقوق وأنها تظل إما سهلة التغيير والتعديل وفقا لرغبات الحكومات أو مجرد واجهات خالية من المضمون ومحدودة التأثير، وتبينت من جهة أخرى أن انتصار المؤسسات التشريعية والقضائية للحريات والحقوق يصعب توقعه إن في ظروف طغيان الحكومات السلطوية والمستبدة أو حين ينفض الناس من حول التحول الديمقراطي المتعثر.
يشوه وعي الناس بحيث يخلطون بين طلب الحرية وبين خطري الفوضى وغياب الاستقرار وحين تتمكن حكومات غير ديمقراطية من توظيف الخوف لإبعاد المواطن عن شؤون السياسة وقضايا الحقوق ودفعه إلى قبول الأمر الواقع وليس به سوى طغيان لحكم الفرد
ثم كان أن جاء خروج الناس في الجزائر والسودان 2019 ليذكرنا جميعا بالوجه الآخر لتوقف الشعوب مرحليا عن طلب الحرية واستعدادها إما للالتفاف حول حكومات غير ديمقراطية أو للصبر عليها أملا في الخبز والأمن والاستقرار. جاء خروج الناس في الجزائر والسودان 2019 ليذكرنا جميعا بكون الشعوب تعود إلى طلب الحرية حين تمعن الحكومات في التسفيه من حرياتها وحقوقها السياسية وتتلاعب بالدساتير والقوانين وتكوين المؤسسات التشريعية والقضائية كيفما شاءت أو حين تضيع كل آمال الناس في غد أفضل تحت وطأة شيوع الفساد وغياب قيم الشفافية والمساءلة والمحاسبة.
بل أن خروج الناس في الجزائر والسودان 2019 جاء ليدلل على قدرة شعوب المنطقة العربية على التعلم من التجارب السلبية لبلدان الانتفاضات الديمقراطية 2011، إن لجهة إدراك أن التخلص من السلطوية والاستبداد لا يتحقق بمجرد إجبار الحكام السلطويين والمستبدين على الرحيل أو فيما خص التحسب من الآثار السلبية لخطري الفوضى وغياب الاستقرار على تمسك الناس بطلب الحرية. ليس هذا فقط، بل أن المواطنين الجزائريين والسودانيين الذين يواصلون الخروج إلى الفضاء العام بمطالب سياسية محددة يظهر الكثير منهم وعيا حقيقيا بكون تشريع أبواب بلادهم على تحولات ديمقراطية مستدامة لا يرتبط بتغيير وتعديل الدساتير والقوانين ولا بتعجل إجراء الاستفتاءات والانتخابات، بل بالبحث عن صيغ آمنة وتوافقية لتجاوز حكم الفرد دون السقوط في خانات الصراع المفتوح بين نخب «النظام القديم» وبين نخب الحراك الشعبي وكذلك دون السقوط في غياهب الحروب الأهلية وتفكك مؤسسات الدولة.
تسمع تلك الأصوات العاقلة في ساحات الحراك الشعبي في الجزائر والسودان، مثلما تسمع أيضا أصوات أخرى تظن أنها قادرة على صرع «النظام القديم» بالضربة القاضية ومن غير احتياج للبحث عن صيغ الانتقال الآمنة والتوافقية التي يسفهون منها. إلا أن حضور الأصوات العاقلة في البلدين والرشادة التي تطرح بها مطالب الحد من نفوذ رموز فساد النخبة القديمة في الجزائر ومطالب نقل السلطة إلى حكومة مدنية في السودان يقطعان بتعلم الشعوب العربية من بعضها البعض وبقدرتها على القراءة الواعية لأحداث وتقلبات ما بعد 2011 وفهمها النقدي للخانات التي منها نفذ فشل التداول السلمي للسلطة أو غرقت البلاد في الحروب الأهلية أو تعثرت عمليات التحول الديمقراطي وفقدت القبول الشعبي.
وعلى هذه العناصر، التعلم من تجارب بلدان الانتفاضات الديمقراطية 2011 والقراءة الواعية لأحداثها والفهم النقدي لتقلباتها، ينهض الأمل المتواضع في مسارات أكثر نجاحا للموجة العربية الثانية للحراك الشعبي وطلب الحرية 2019. ليس الخلاص من السلطوية والاستبداد بالأمر الهين لا في منطقتنا ولا قريبا منها أو بعيدا عنها، ويظل الارتداد المصري إلى حكم الفرد ماثلا أمام الأعين مثلما يحضر أمامها الانهيار السوري والليبي واليمني في دوامات الحروب الأهلية والتعثر التونسي المستمر. غير أن الأمل أيضا ليس بغائب وفرص نجاة الجزائر والسودان من أزمات ما بعد الانتفاضات الديمقراطية قطعا قائمة.
كاتب من مصر
استكمالا للتعليق فضلا…
—————————————
•«بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن، تصبح الكتابة مكاناً له ليعيش فيه».-
ثيودور أدورنو.
————————————-
•«لولا الكتب، لكنت قد مت قبل مدة طويلة». –
إيميلي نوثو
«عندما يحرقون الكتب، أو يقذفون
بها بعيدا كارهين لها، فإنهم بذلك يحرقون أنفسهم،
ويحرقون البشر أيضا».-
شيموس هيني.
وتفضل أستاذ حمزاوى بعمل بحث
لتخرج بإحصائية لعدد القراء فى
المجتمع.
فضلا متابعة…
استكمالا للتعليق فضلا…
بالأمس (تحديدا)، أقف بمتجر لبيع
الهواتف المحمولة، لإصلاح أزرار اللمس
بهاتفى، دخل رجل يحمل هاتفه الذى
لا يقل سعره عن 5 ٱلاف جنيه،
قائلا للبائع:«هات لى الفايسبوك على
الهاتف، أنا اشتريت التليفون عشان
الفايسبوك»!!!
يا خبر مش فايت يا اولاد!! هاتف
ب5 ٱلاف جنيه خصيصا عشان
الفايسبوك الذى سيسقطنا جميعا؟!!
وسيادتك أستاذ حمزاوى فى كل مقالاتك
تقريبا تمنحنا كشعب شهادة براءة!!
أظن يعنى يا أستاذ حمزاوى أن الرجل
ابو هاتف ب5 ٱلاف جنيه، يستحيل
لم يكن سمع عن معرض الكتاب الدولى،
وليكن حتى من التلفاز، ويستحيل أنه
لا يعرف القراءة، بدليل أنه يطلب
الفايس بوك خصيصا!!
فضلا متابعة…
استكمالا للتعليق فضلا…
وأخيرا:
فما بالك بما شاهدته أمام لجنة استفتاء
بمساكن الشروق ونفصل بين مدينة الشروق، ومساكن الشروق للعلم، ذلك الحي الطويل العريض العشوائي المجاور لمناطق عباس العقاد ومكرم عبيد ويقع خلف منطقة فرع النادى الأهلى الجديد الراقية؟
رجل الكاميرا المحمولة على الكتف
المرسل من تليفزيون الدولة يقف
يصور لجنة انتخابية بمنطقة عشوائية
الأهالى أقاموها بأيديهم هاربين
من القوانين المنظمة وبقوة عددهم
يستقوون على النظم والقوانين…
فضلا متابعة…
استكمالا للتعليق فضلا…
لا
يعترفون بالجمال والتنسيق المعماري
الحضاري، المساحة الواسعة أمام
اللجنة الانتخابية تتناثر فوقها فضلاتهم!
عجلات السيارات المتحركة تحمل
الأتربة وتقذفها نحو أجسامهم ووجوههم، تقذفها نحو الكاميرا المحمولة على كتف الرجل الغالية الثمن!!
أرجوك أستاذ حمزاوى لا تمنحنا شهادة
براءة كشعب، هذا واقعنا المؤلم ورضينا أم أبينا فلابد أن نكشفه وعلى العام.
وعلى الإعلام العربي أن يتقدم وينشر
لنا الحقائق التى نكشفها، فقد أصبح
الوطن العربي اليوم في سفينة واحدة،
وليس أمامنا اليوم غير الإعلام العربي
المستقل بعد أن أوصد إعلامنا أبوابه
في وجوهنا ويرفض كشف حقيقتنا.
ومن لم يعجبه كشفنا لأخطائنا وحقيقتنا فليتفضل أن يغادرنا.
شكرا لك، وشكرا للقدس العربي الكبير