نيويورك تايمز: هجوم سريلانكا رسالة جديدة من تنظيم”الدولة”: لا حاجة للسيطرة على مناطق لكي تكون خطيرا

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن-“القدس العربي”:
كان التفجير الذي تسبب به انتحاري ملتح سار بهدوء في ساحة كنيسة سانت سيبستيان في العاصمة كولومبو قويا بدرجة أنه حطم سقف الكنيسة. وأطلق التفجير موجة من الهجمات الأخرى التي نفذت في مناطق بالعاصمة واستهدفت كنائس وفنادق وتركت وراءها 250 قتيلا.
وتظهر التفجيرات كما تقول روكميني كاليماتشي وإريك شميدت في صحيفة “نيويورك تايمز” مدى تأثير تنظيم “الدولة” الذي أعلن مسؤوليته عن المذبحة. وعلقت الصحيفة على أن الهجمات كانت قاتلة وتتفوق على تلك الهجمات التي نفذها أتباعه في باريس وقتل فيها أكثر من 150 شخصا. ويعلق الكاتبان “بعد أربعة أسابيع من محو خلافة تنظيم الدولة في العراق وسوريا وأربعة أشهر من إعلان الرئيس دونالد ترامب عن هزيمة التنظيم ذكر الجهاديون العالم انهم لا يحتاجون للسيطرة على المناطق لكي يمثلوا تهديدا كبيرا”. وكتب ليث الخوري مدير “فلاشبيونت” المؤسسة التي تقيم التهديدات الإرهابية العالمية “ليس مفككا ولم يهزم”. وأضاف في تغريدة له “ليست منظمة تقوم على المنتمين لها وهي ماهرة في إعادة تنظيم نفسها وتكييف استراتيجيتها لكي تتناسب مع المناخ الأمني المتغير حول العالم”. ويقول الخبراء إن التنظيم يتجه نحو استغلال المصادر المتوفرة والسمعة التي صنعها من ماركته الدولية. ومع حالة الضعف التي أصابت القيادة في العراق وسوريا فقد تحول التنظيم إلى جماعة أقل مركزية وصار يعتمد على الجماعات الموالية له في مناطق أخرى لنشر رسالته وخرابه. ونقلت الصحيفة عن تشارلي وينتر، الزميل في المركز الدولي لدراسات التشدد بكلية كينغز كوليج- لندن “مع حالة الضعف التي أصابت جوهره أصبحت الجماعات الهامشية أكثر خطورة”. وتعامل تنظيم “الدولة” مع الخلافة كمشروع دولي واستمر في توسيع رسالته خارج حدوده التقليدية التي خسرها هذا العام. ويسير التنظيم على خطى تنظيم القاعدة الذي صار يعتمد بعد خسارته قاعدته في أفغانستان على الفروع الأخرى في العراق واليمن وشمال أفريقيا لتنفيذ استراتيجيتها. وبخلاف القاعدة لدى التنظيم فروع عدة منتشرة حول العالم وآلة إعلامية ضخمة وألافا من المقاتلين الذين تلاشوا وذابوا في السكان بعد خسارته معاقله السورية والعراقية. وبدأ التنظيم عمليات التمدد الخارجي عام 2015 الذي أخذ فيه يحث أتباعه على البقاء في بلادهم أو الرحيل إلى المناطق التي أقام فيها فروعا له. وفي تطور لم ينتبه إليه المسؤولون المحليون بدأ بالتعاقد مع الجماعات المحلية في مناطق بعيدة. ونقلت عن ريتا كاتز، المؤسسة المشاركة لموقع “سايت” الاستخباراتي “بدلا من بناء أتباع من الصفر اختارت الجماعة عناصر من الجماعات المتشددة الموجودة أو قامت بالتعامل مع الجماعة بشكل كامل”. ففي الفلبين جند أتباعا من جماعة أبو سياف لخلق ما أطلق عليها ولاية شرق آسيا وهي المجموعة التي نفذت هجوما على كاتدرائية في كانون الثاني (يناير) قتل فيه 23 شخصا. وفي أفغانستان ابتلعت ولاية خراسان كما يطلق عليها وحدات كاملة من حركة طالبان. وأعلن قبل فترة عن ولاية جديدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية من خلال تجنيد أفراد من القوات الديمقراطية المتحالفة، وهي جماعة متمردة تحصل على المال من ممول تابع للتنظيم. لكل هذا لم يشعر التنظيم بأي أثر لخسارته مناطقه في العراق وسوريا. ولا تحتاج فروعه للتواصل المستمر مع القيادة المركزية لأخذ الأوامر ذلك أن دعاية التنظيم تبث يوميا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول الخوري إن الفروع الخارجية تفهم المهمة داخل المناطق الجغرافية التي تعمل بها وهي القيام بعمليات ضد قوات الأمن والجيش وغير المسلمين والشيعة. ولدى هذه الفروع القدرة على تحديد مكامن الضعف في مناطقها. فبعد عقود من الحرب الأهلية ضد التاميل، ومعظمهم من الهندوس كان تركيز الحكومة عليهم لا التطرف الإسلامي. لكل هذا فالنقطة العمياء هذه هو ما جعل السلطات الأمنية تجاهل التحذيرات من المخابرات الهندية بطريقة رسمية وغير رسمية عن احتمال هجمات إرهابية. وقال كولين كلارك، الزميل في مركز صوفان إن الجمع بين معرفة وخبرات التنظيم التقليدية والخبرات المحلية يترك أثرا مدمرا. وباتت التنظيم الذي خسر مناطقه يعتمد بشكل متزايد على النموذج الذي صممه وبرع به في الخارج. واختفى زعيم التنظيم تحت الأرض ولا يتواصل مع أتباعه إلا من خلال الرسائل الشخصية أما هم فيتواصلون بحرية عبر الإنترنت عبر التطبيقات المشفرة. ورغم الإعلان عن نهاية التنظيم إلا أن دراسة جديدة لمعهد دراسات الحرب في واشنطن قالت إن زخمه يزداد في المناطق التي طرد منها. ووجد التقرير أن التنظيم زاد من هجماته على المقاتلين الأكراد في شمال سوريا وعاصمته السابقة في الرقة وكذا الموصل والفلوجة. ونفذ في الأسبوع الماضي عملية وسط سوريا قتل فيها على مدى يومين 35 جنديا للنظام السوري والميليشيات التابعة له. وبات يعتمد أكثر على الإعلام الذي يبث من خلاله دعايته حول العالم. وبات يعلن مسؤوليته عن كل هجوم يحدث حول العالم. وفي نفس اليوم الذي نفذت فيها هجمات سيرلانكا حاول جهاديون سعوديون تنفيذ هجوم ضد مقر للمخابرات الداخلية السعودية وهاجم أتباع آخرون وزارة الاتصالات الأفغانية في كابول. ويعلق الخوري “لأن إعلام تنظيم “الدولة” يستثمر كل مجال في العملية فهو ينظر لكل أتباعه الكثر على أنهم جماعة عالمية قوية” و “يتعامل الأتباع وبصدق مع انهيار خلافتهم في العراق وسوريا على مؤقت ومجرد ابتلاء”. وفي الوقت الذي تراجع فيه انتاج التنظيم لأشرطة الفيديو المتقنة إلا أن الدعاية المستمرة التي تنشر على مدار الساعة وحسب المواقيت الزمنية للدول وبلغات عدة يشير إلى أن التنظيم لديه شبكة من الكتاب والمحررين الدوليين. وقبل اسابيع قال المسؤولون العراقيون إنهم فككوا مكتبا إعلاميا في منطقة جبلية وزعموا أنه كان يصدر مجلة “النبأ” وبعد اسبوع صدرت المجلة في موعدها. ولديه ثروة كبيرة تمكنه من تمويل عملياته الخارجية. فبحسب الأمم المتحدة تتراوح ثروته ما بين 50-300 مليون دولار مخبأة في العراق وسوريا او تم تهريبها إلى الدول الجارة لتأمينها. ولا يزال يمارس عمليات الاختطاف من أجل الفدية ولكنه منخرط في أعمال تجارية شرعية مثل مزارع السمك وتجارة السيارات. والمشكلة هي اللامركزية تجعل من الصعوبة بمكان معرفة علاقة التنظيم بهجمات كتلك التي نفذت في سريلانكا. فرغم إعلانه عن المسؤولية إلا أن المحللين والخبراء لم يحددوا بعد مدى علاقته بالجماعة التي نفذتها وهي “توحيد جماعة” الصغيرة وغير المعروفة والتي كانت تستهدف التماثيل البوذية. وقالت المخابرات الأمريكية أن الهجمات ربما استلهمت من التنظيم نفسه، لكنه لم ينفذها إلا أن الخبراء يبحثون عن جماعة وسيطة كانت مسؤولة عن عملية ضخمة كهذه. ويرى أمارناث أماراسينغام الخبير في معهد الحوار الاستراتيجي إن “حقيقة معرفة المهاجمين أشخاصا في تنظيم الدولة وأرسلوا لهم شريط فيديو ليبث بعد العملية يعني أن هناك أكثر من الإلهام” و”هذا واحد من القطع التي تشير لهجومين”. وحتى الآن لا يوجد دليل يكشف عن ضلوع مباشر للتنظيم في هجمات سيرلانكا ولكن خبراء مكافحة الإرهاب الحاليين والسابقين يحذرون من أنه يعلم مرحلة جديد من هجمات تنظيم “الدولة”. ويقول كرستوفر بي كوستا، المدير السابق لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي ” يقوم المقاتلون السابقون والمتعاطفون بإعادة تشكيل أنفسهم أيديولوجيا مع بقية الإرهابيين”. والمسألة لم تعد عن شكل التنظيم بعد خسارته مناطقه بقدر ما سيكون عليه بعدما يعيد تشكيل نفسه. محذرا “وسنشاهد هجمات من هذا في المستقبل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية