مدريد-«القدس العربي»: تمر العلاقات المغربية-الإسبانية بتفاهم وحوار، ويستند التفاهم على مصالح مشتركة في ملفات أمنية بالأساس ومنها التصميم والتنسيق في مواجهة خطر مشترك يتجلى في «مغاربة حركة داعش» الذين يعتبرون بمثابة الموجة الرابعة من الجهاديين المغاربة. ويشهد تفكيك الكثير من الخلايا على مستوى التعاون المتين.
وقد اكتوى البلدان بنار الإرهاب، فقد كانت الدار البيضاء مسرحا لعملية إرهابية يوم 16 ايار/مايو 2013، وفي السنة الموالية، وبالضبط يوم 11 اذار/مارس، تعرضت مدريد لأكبر عملية إرهابية في مجموع أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية خلفت مقتل 192 شخصا وإصابة أكثر من ألف بجروح. ويسعى البلدان الى احتواء أي خطر مستقبلي، ولهذا يعتبر التنسيق بين مدريد والرباط متينا مقارنة مع التنسيق بين الرباك والاتحاد الأوروبي في ملف الجهاديين.
ومن العوامل التي تجعل مستوى التنسيق مرتفعا ومستمرا واستثنائيا بين البلدين، هناك في المقام الأول، الموقع الجغرافي في مضيق جبل طارق، حيث تحولت اسبانيا الى بوابة للمغاربة الراغبين في الهجرة نحو تركيا والالتحاق بسوريا والعراق بمن فيهم مغاربة مدينتي سبتة ومليلية التي تحتلهما اسبانيا. وفي المقام الثاني نوعية الخلايا التي تنشط بين المغرب واسبانيا وتقدم الدعم اللوجيستي.
وعلى علاقة بهذه النقطة الأخيرة، تكشف مصادر اسبانية متابعة لملف الإرهاب لـ «القدس العربي» «في الوقت الراهن يصعب السيطرة على عملية الاستقطاب لأنها تتم بفضل شبكة الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي ويمكن رصد البعض ولكن ليس الكل». وتضيف «لكن الأهمية تتجلى في رصد وتفكيك الشبكات التي تقدم الدعم اللوجيستي».
وعمليا، أغلب خلايا التطرف التي فككتها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية والإسبانية هي تلك المكلفة بالدعم اللوجيستي التي تسهل التنقل وجوازات السفر المزيفة للوصول الى تركيا ولاحقا سوريا والعراق. وجاء تفكيك هذه الخلايا في جنوب اسبانيا وسبتة ومليلية وفي مناطق شمال المغرب مثل إقليم تطوان. وهذا يؤكد الطابع الاستراتيجي لمضيق جبل طارق في تنقل مغاربة «داعش» بل ومن جنسيات أخرى.
ويجري تسمية مغاربة داعش في الموجة الرابعة من الجهاديين المغاربة. وكانت الموجة الأولى هي تلك التي توجهت الى أفغانستان في الثمانينيات لمحاربة الاتحاد السوفييتي. وستحدث الموجة الثانية من «الجهاديين المغاربة» في البوسنة والهرسك، حيث التحق عدد من المقاتلين المغاربة شأنهم شأن باقي الجنسيات بالبوسنة لقتال الصرب في الحروب الإثنية التي هزت العالم وقتها. وكان أغلب الملتحقين بالبوسنة والهرسك هم مغاربة المهجر.
وأتت الموجة الثالثة من «الجهاديين المغاربة» بعد التفجيرات الإرهابية 11 ايلول/سبتمبر في الولايات المتحدة، حيث التحق عدد من المقاتلين بأفغانستان لمقاتلة القوات الغربية وعلى رأسها الأمريكية. وستشهد هذه الموجة بداية الانخراط الفعلي والمكثف لبعض أفراد من الجالية المغربية من أوروبا في الموجة الثالثة بعدما كانوا في الماضي يدعمون بالمال فقط. وتعتبر مشاركة المغاربة في قتال القوات الأمريكية في العراق ضمن الموجة الثالثة لأن الفارق الزمني هو سنتين وجزء كبير منهم انتقل من أفغانستان الى العراق. وفي هذا البلد، سيكتسب المقاتلون المغاربة خبرة كبيرة على تفخيخ السيارات وتنفيذ العمليات الاستشهادية.
ويعتبر الملف السوري وتنظيم داعش بمثابة الموجة الرابعة من «الجهاديين المغاربة»، إذ ارتفعت مشاركة المغاربة بشكل لافت وأصبحت نوعية للغاية من خلال عمليات استشهادية وقيادة بعض التجمعات المسلحة. وسيشارك في هذه الموجة الرابعة مغاربة سبتة ومليلية المتجنسين، وأغلبهم أدى الخدمة العسكرية في الجيش الإسباني مما أكسبهم تدريبا غربيا على القتال وجعلهم يتولون تدريب المقاتلين في العراق وسوريا.
ويختلف الخبراء في تقييم خطر الملتحقين بداعش وخاصة بعد إعلان الدولة الإسلامية «الخلافة». إذ يوجد احتمال بأنهم «هاجروا بدون عودة» على الأقل في المدى القريب والمتوسط خاصة إذا لم يجبرهم تحالف دولي على مغادرة المنطقة. وترغب حركة داعش بعد إعلان الخلافة في تعزيز أركان الدولة المعلنة، ولهذا يرغبون في بقاء هؤلاء المقاتلين الى الأبد. وتفيد التقارير أن معظم الجهاديين الذين عادوا هم من سوريا هم صفوف النصرة الذين لا يشاركون داعش أطروحاتها.
وبهذا يكون ملف المقاتلين المغاربة سواء المقيمين في المغرب أو في جنوب اسبانيا قد ســـاهم في تقارب سياسي ودبلوماسي بين المــغـــرب واسبانيا، وجعلهما يتجاوزان مـــؤقتا الكثير من المشاكل من أجل تفادي مفـــاجآت مسلحة من طرف «مغاربة داعش». فداعش فرضت أجندتها على الرباط ومدريد.
حسين مجدوبي