فوجئ الرأي العام في تركيا بنص أطلقه رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، على صفحته على موقع فيسبوك، ودخل اليوميات السياسية التركية بصفة «مانيفستو» على ما أسماه أغلب من تناولوه بالتعليق والتحليل والنقد. نص طويل، بمعايير الصحافة في تركيا، بلغ 15 صفحة تناول فيه مؤلف «العمق الاستراتيجي» ومهندس السياسة الخارجية في مراحل سابقة من حكم «العدالة والتنمية» كل شيء من منظور نقدي، أي النقاط الرئيسية التي تتشكل منها سياسات الحكومة وممارسات الحزب الحاكم الذي ما زال داوود أغلو عضواً فيه، وإن كان خارج طاقم القيادة. ويأتي مانيفستو داوود أوغلو تحت عنوان تقييم نتائج الانتخابات البلدية التي خسر فيها الحزب الكثير من مواقعه السابقة، إما لمصلحة غريمه «حزب الشعب الجمهوري» أو حليفه «حزب الحركة القومية». كما يأتي في سياق تكهنات قديمة ـ جديدة تتحدث عن عمل مجموعة من الكوادر المهمشة من الحزب الحاكم على تأسيس حزب جديد بعد تآكل مطرد في شعبية ومصداقية «العدالة والتنمية» يتواتر فيها اسم داوود أوغلو إلى جانب أسماء أخرى كالرئيس السابق عبد الله غل ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان وغيرهما. وكان آخر التكهنات بهذا الشأن قد تحدثت عن انتظار مجموعة العمل هذه لانتهاء الانتخابات المحلية ليطلقوا حزبهم الجديد في أوائل شهر أيار/مايو.
من المحتمل إذن أن «المانيفستو» قد يكون ثمرة تداولات جماعية بين المجموعة التي تدور التكهنات بشأنها، وإعلاناً عن توجهاتها السياسية قبل إعلان تأسيس الحزب الجديد، على ما اقترح عدد من المعلقين في الصحافة التركية. وهناك من اعتبروها تمهيداً لـ«تبرئة الذمة» قبل إعلان الانشقاق، بالنظر إلى أن أردوغان وفريق القيادة في الحزب لن يتهاونوا مع هذا النقد العلني الذي لا يمكن لملتزم بعضوية الحزب أن يقوم به، بل هناك قنوات داخلية شرعية يمكن استخدامها لإبداء الرأي داخل الحزب. انتقد داوود أوغلو بوضوح النظام الرئاسي من حيث جمع شخص واحد بين رئاسة الحزب ورئاسة الجمهورية، معتبراً أن حزبية الرئيس لا مشكلة فيها، لكن قيادته للحزب والدولة معاً تترتب عليها مشكلات كبيرة تجعل من رئيس الجمهورية في حالة خصومة مع ما يقارب نصف المجتمع.
وانتقد ابتعاد الحزب عن قيمه المؤسسة وانغماسه في امتيازات السلطة من بحبوحة العيش والتشاوف على المواطنين والانفصال عن مطالب الشعب، كما عن الأهداف السياسية التي تأسس من أجل تحقيقها كالديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي وعضوية الاتحاد الأوروبي. وانتقد حالة القضاء المستتبع للسلطة التنفيذية، وغياب مبدأ الفصل بين السلطات، ومحاربة حرية التعبير والمعايير المزدوجة في مكافحة حركة فتح الله غولن.. وتطرق المانيفستو أيضاً إلى حالة الإعلام المزرية التي تحولت إلى مجرد جهاز بروباغندا في يد الحزب الحاكم.
كان لافتاً أن الإعلام الموالي تجاهل، عموماً، مانيفستو داوود أوغلو بهدف عزله وحرمانه من التأثير، سواء داخل الحزب أو في الرأي العام
يحار قارئ النص فيما إذا كانت الغاية منه إصلاح الحزب من الداخل بتخليصه مما علق به، على مدى سنوات، من مثالب البقاء المديد في السلطة، والعودة إلى المبادئ الأصلية التي شكلت مبرر تأسيس الحزب، أو «العودة إلى إعدادات المصنع» وفقاً للتعبير الشائع، أم أنه صادر عن يأس من إمكانية هذا الإصلاح، ليكون الهدف منه قول كلمة حق والمغادرة تمهيداً لمبادرة سياسية جديدة تطمح لأن تشكل البديل الذي طال انتظاره؟
فهل إصلاح الحزب من الداخل أمر ممكن بعدما تحول من «حزب القضية» إلى حزب السلطة، وأخيراً حزب الرئيس كلي السلطة ومحتكرها الحصري؟ ذلك أن نقد داود أوغلو هو نفسه، في مضمونه العام، نقد المعارضة والطبقة المثقفة التي ترى أن الحزب بات مجرد أداة في خدمة تفرد أردوغان بالسلطة، وسلماً لتسلق الانتهازيين ممن لا علاقة لهم بـ«القضية» أو المبادئ المؤسسة إلى جنة المنافع والامتيازات. فنقد داوود أوغلو، بهذا المعنى، هو نقد معارض تماماً، أي خارجي، يسعى لتقويض سلطة الحزب لا لتكريسها من خلال إصلاح مستحيل.
كان لافتاً أن الإعلام الموالي تجاهل، عموماً، مانيفستو داوود أوغلو بهدف عزله وحرمانه من التأثير، سواء داخل الحزب أو في الرأي العام. ومن المحتمل أن تجاهل أردوغان هو ما ألهمهم أن الوسيلة المثلى لإفشال الرجل هو تجاهله. أما القلة التي تناولت الموضوع فقد فسرته بدوافع شخصية لدى داوود أوغلو هي رغبته في استعادة مكانته التي فقدها في السلطة. وهذا تجنٍ واضح بالنظر إلى أن من يطمح إلى تلك الاستعادة إنما عليه أن يتملق السلطة ورأسها، ولا يقوم بانتقادها علناً، بدلالة أن حلقة المقربين لرأس السلطة هم مجموعة من المتملقين المصفقين الذين يتجنبون القيام بأي نقد أو تقديم أي نصيحة قد تكلفانهم مواقعهم وامتيازاتهم. فهم يدركون أن معيار الصعود هو الولاء المطلق وليس الكفاءة. هؤلاء هم من يعتبرهم داوود أوغلو، وغيره من نقاد الحزب من موقع الصديق، سبب تردي أحوال الحزب وابتعاده عن مبادئه التأسيسية.
حزب جديد إذن؟
الواقع أن التكهنات بهذا الشأن متواترة منذ أكثر من سنتين، وتتكاثر في مواسم الانتخابات. وشكلت خسائر الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية مناسبة أكثر إلحاحاً لعودة الحديث عن هذا الموضوع. لكن الشخصيات التي يشار إليها بوصفها «مطبخ» تأسيس الحزب الجديد، قدمت اختباراً فاشلاً، العام الماضي، أثناء حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية. فقد فشلت أحزاب المعارضة في الاتفاق على ترشيح عبد الله غل في مواجهة الرئيس أردوغان، واضطر غل إلى عقد مؤتمر صحافي أعلن فيه أنه لا نوايا لديه في الترشح للانتخابات الرئاسية في غياب توافق أحزاب المعارضة على ترشيحه. كما أعلن كل من بلند آرنج وأحمد داوود أوغلو رفضهما لترشح غل في مواجهة أردوغان، معبرين عن تمسكهما بمرشح الحزب. حتى لو تم تأسيس الحزب الجديد، فهو لن يعدو كونه انشقاقاً عن العدالة والتنمية، بالنظر إلى خلفيات الكوادر التي يتم تداول أسمائهم لتأسيس الحزب الجديد وقيادته. في حين فشل حزب المعارضة الرئيسي، «الشعب الجمهوري» في تشكيل البديل.
يقول بعض المحللين إن عدم تقبل السلطة لفوز أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول، والمحاولات المستمرة للطعن بهذا الفوز، قد حولا الشاب البشوش المغمور إلى بطل، ولمّعا نجمه فبات مرشحاً ليشكل البديل المنتظر في السنوات القادمة، وفي البال مسيرة أردوغان المظفرة التي بدأت من فوزه برئاسة بلدية إسطنبول.
كاتب سوري
حل مشاكل تركيا بانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة تنتج إدارة جديدة للسياسة والاقتصاد ومعاملة العرب والعالم وإلغاء دولة فوق الدولة وإلغاء تعديلات دستورية وقوانين وتفكيك أجهزة أمن تضطهد شعوب تركيا وخفض موازنة حكومة وجيش للربع لوقف تراكم مديونية فلكية ووقف تدريب وتمرير إرهابيين وغسيل أموال وسحب قواتها من الوطن العربي وترك مياه فرات ودجلة تنساب بلا عوائق لسوريا والعراق واعتماد ثقافة أول دولة مدنية بالعالم أنشاها محمد (ص) بوثيقة المدينة تحترم مكونات وحقوق إنسان ومرأة وطفل وتحمي نفس ومال وعرض وعدالة
عنوان (أوغلو والعودة إلى «إعدادات المصنع») وطريقة تحليل أكثر من رائعة، رغم اختلافي تماما، مع طريقة تفكير داود أوغلو وكاتب المقال بكر صدقي، لماذا؟!
الله يقول لا يعلم بالنيّات إلا الله، ولذلك يوم القيامة الحساب على النيّة، بينما في الدنيا الحساب على ما حدث على أرض الواقع.
وما حصل هو فشل إنقلاب الآلة/العالة غير المنتجة في تركيا يوم 15/7/2016، والسبب في فشل الإنقلاب هو الإنسان والأسرة والشركة المنتجة بغض النظر كان مواطنا أم مقيما أم من البدون، فالجميع شارك كأسرة إنسانية في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني.
استغلال الإنقلاب لتصفية الحسابات، كان أكبر خطأ من وجهة نظري، بالإضافة إلى الإصرار على عدم تجاوز النظام المالي الربوي والتأمين عليه، كما تجاوزته الصين (الشيوعية) حتى الآن؟!??
??????