“بلومبيرغ”: العلاقة بين أمريكا والسعودية تدفعها مصالح أكثر وقيم أقل

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن-“القدس العربي”:

المصالح الأمريكية تشير إلى وجوب علاقة قريبة مع السعودية لكن القيم الامريكية تشير إلى الاتجاه المضاد.

نشر موقع “بلومبيرغ مقالاً للمبعوث السابق إلى الشرق الأوسط دينيس روس تحت عنوان” لا يمكن الطلاق بين السعودية والولايات المتحدة”. وبنى مقالته على زيارة له للسعودية. وقال فيها إن هناك تحديات قليلة مثيرة للإنقسام والمضايقة أكثر من العلاقة مع السعودية اليوم. فالمصالح الأمريكية تشير إلى وجوب علاقة قريبة معها لكن القيم الامريكية تشير إلى الاتجاه المضاد. وبالنسبة للرئيس دونالد ترامب فالتركيز على صفقات السلاح والنفط لا يحتاج لقدر كبير من التفكير نظراً للطريقة التعاقدية التي ينظر فيها للأمور، أما الأمور الأخرى فليست مهمة. بخلاف الكونغرس الذي يدعو إلى دفع السعودية الثمن بسبب قتلها الصحافي المعارض جمال خاشقجي وكذلك سلوك السعودية في اليمن.
ولم ينجح الكونغرس في محاولاته معاقبة السعودية ووقف كل الدعم الأمريكي للحرب في اليمن حيث استخدم الرئيس الفيتو لوقف القرار. ويقول روس إن الرؤساء الأمريكيين سواء كانوا جمهوريين أم ديمقراطيين غضوا النظر عن السياسات القمعية الداخلية للسعودية مقابل الحفاظ على استقرار سوق النفط العالمي.
أما اليوم فالأمور مختلفة لسببين. الأول هو أن الإجماع داخل الكونغرس من ان السعوديين قد تجاوزوا الحدود والحماية التي يوفرها لهم ترامب ليست صحيحة. الثاني فيتعلق باستقلالية الولايات المتحدة في مجال الطاقة مما يغنيها عن النفط السعودي، وهو ما يدفع الكثيرين في الكونغرس للحديث عن رهانات أقل مع السعودية. ولكن موضوع الطاقة وإمكانية تأثر أسعار النفط لو تأثر الاستقرار في المملكة يظل ملمحاً واحداً في العلاقة وهناك ملامح أخرى تتعلق بالتحولات الجذرية التي تمر بها السعودية ومصادر شرعية النظام. فالعائلة المالكة لا تزال ممسكة بكل مفاصل السلطة إلا أن الوطنية والحداثة حلتا محل الوهابية التي غذت في تفسيرها الجامد للدين ظهور القاعدة وتنظيم الدولة وهجمات سريلانكا الأخيرة. وهي العقيدة التي تقاتلها الولايات المتحدة وحلفاؤها حول العالم. ويشير إلى أن المحرك للتغيير هو محمد بن سلمان الذي يقود ثورة من القمة ويحاول تقويض الراديكالية الإسلامية، بما في ذلك عزل آلاف من الأئمة والقضاة الذين يشك بتعاطفهم مع القاعدة. ويقول روس إن التغيرات الاجتماعية في السعودية واضحة لأي زائر، ففي المطاعم تختلط النساء بالرجال وهناك دور سينما وحفلات موسيقية تجذب الآلاف بل يشير روس إلى وجود مراحيض للنساء في القصور الملكية. ويقول “للأسف، فالاستبداد وقطع الرؤوس في الأماكن العامة وملاحقة المعارضين واعتقال وتعذيب الناشطات أمور عادة ما تسيء لقيمنا. ويطالب الكثير من النقاد الامريكيين للسياسة تجاه السعودية بالتخلي عن ولي العهد ورفض فكرة أنه ديكتاتور متنور. ويقول إن زيارته للسعودية قبل فترة جعلته يندهش من تناقض الموقفين، مشيراً لمواقف الجيل الشاب الداعم لولي العهد والدور الذي يلعبه في تشكيل مصيرهم ومصير بلدهم. ومن تحدث معهم من السعوديين عبروا عن الضيق من النقد الأمريكي لولي العهد السعودي. وقالوا إنه لو رفضته الولايات المتحدة فسترفض السعودية أمريكا. ويعلق روس أن تهديدات السعوديين قد تكون حقيقية، لكن هي واقعية؟ فالسلاح والتدريب والبنى التحتية الدفاعية كلها أمريكية. وتبلغ استثمارات السعودية في الولايات المتحدة 800 مليار دولار. وغالبية الطلاب السعوديين وعائلاتهم المبتعثين للخارج وعددهم 190.000 طالب يدرسون في الولايات المتحدة. وأكثر من هذا فغالبية الوزراء الثلاثين في الحكومة حصلوا على شهاداتهم من الولايات المتحدة وربما كانوا غاضبين من النقد إلا أنهم يحبون أمريكا. وفي السياق نفسه هل تستطيع الولايات المتحدة التخلي عن السعودية؟ فلو قللت من التداعيات الأمنية، ويجب أن لا تفعل، فهل امريكا مستعدة لمواصلة الطلب من السعوديين استخدام الدولار في التبادل النفطي. وفي وضع لا يمكن أي طرف التخلي عن الآخر فالسؤال هو عن كيفية إدارة العلاقات. وعلى إدارة ترامب ان تكون صادقة مع الكونغرس والسعوديين. والتأكيد على التزام بالأمن السعودي والاستثمار في عمليات التحول في المملكة وانتقادها حينما تحدث أخطاء. فقتل معارض وتحدي الأعراف الدولية يحمل مخاطر. وكذا ملاحقة المعارضة وعدم السماح لها النقد يقوض أهداف بناء مجتمع قائم على المعرفة. كما أن مواجهة الخطر الإيراني والتطرف السني مهم ولكن يجب أن يتم بتنسيق من اجل تجنب السياسات المتهورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أحمد عمر:

    ليس انفعالا وإنما هو تفاعل بتأمل إلى الوضع
    العربي الراهن. فلا نريد أن نكرر ما اقتبسناه
    وكتبناه منذ قليل ک تعليق على مقال د. حسن
    نافعة بموقعكم الموقر. تلك (بلومبيرج) وعنوانها: «العلاقة بين أمريكا والسعودية تدفعها مصالح أكثر وقيم أقل». ونحن اقتبسنا منذ قليل مقولة
    الراحل محمد حسنين هيكل يرحمه الله برحمته،
    بأن النفط رفع حجارة، وهبط بقيم.
    ليس انفعالا نكرر، ولا هو فرح منا أن تكرر بلومبيرج ما اقتبسناه وكتبناه منذ قليل، بل
    هو إذا جاز التعبير (عفوا)، هو واقع، ضحيته
    ملايين من الشعوب العربية تاهوا فى مفترق
    طرق. ومن الصعب صدقونى إعادتهم فى ظل
    السياسة العربية الراهنة. يستحيل السيطرة
    عليهم مرة أخرى. فلت العيار وانتهى الأمر،
    واتفاقية القرن على الأبواب، ولا عزاء للشعب
    الفلسطيني، والقضية الفلسطينية.
    شكرا لكم.

إشترك في قائمتنا البريدية