ابن خلدون وكيسنجر: ما اشبه اليوم بالبارحة
ابن خلدون وكيسنجر: ما اشبه اليوم بالبارحةيوظف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر التاريخ لاستلهام وتحليل تحولات العالم في القرن العشرين. وهذا ما يسميه ابن خلدون تطبيق الأحوال علي الوقائع. وحين نقارن وضع العرب حاليا بوضعهم في حياة ابن خلدون أجد تشابها مهولا، في عهد ابن خلدون دمر تيمورلنك بغداد سنة 1393م وزحف علي دمشق، سقطت جل مدن الأندلس بفضل وحدة الأسبان… الآن، بغداد محتلة ودمشق مهددة، أوروبا الموحدة تفاوض بلدان جنوب المتوسط فرادي، تقارير الأمم المتحدة تضع الدول العربية في ذيل كل قوائمها… الأنظمة العربية تنظم علاقتها بأمريكا وفق فقه السياسة الخلدوني من اشتدت وطأته وجبت طاعته . في ظل هذا الوضع، تمتلك مقدمة ابن خلدون راهنية مدهشة.لقد تم تأليف المقدمة في مرحلة تميزت بوقوع المشرق في يد المغول ثم الأتراك وانقراض ملوك الطوائف في الغرب الإسلامي وضعف الدولة المرينية… في هذه الظروف حدد ابن خلدون مهامه في الرد علي المؤرخين الغافلين عن تبدل الأحوال وفي التعريف بطبائع العمران ، وقد رتبها حسب الأهمية بالنسبة له، بدأ بفضل علم التاريخ وما يعرض للخليقة من البدو والحضر والتغلب والكسب والمعاش والصنائع والعلوم وختم بالموشحات والأزجال.وقد شخص المؤرخ العمران البشري وفي ذهنه هدفان، الأول هو نقد مناهج المؤرخين أو الإخباريين السابقين، يقول ولما كان الكذب متطرقا للخبر بطبيعته وله أسباب تقتضيه. فمنها التشيعات للآراء والمذاهب… ]و[ أيضا الثقة بالناقلين… ومنها الذهول عن المقاصد… ومنها الجهل بتطبيق الأحوال علي الوقائع… ومنها تقرب الناس في الأكثر لأصحاب التجلة والمراتب بالثناء… ومن الأسباب المقتضية له أيضا وهي سابقةُُ علي جميع ما تقدم الجهلُ بطبائع العمران .الهدف الثاني هو صياغة منهج علمي لتأسيس التاريخ كعلم مستقل، وكأن هذا علم مستقل بنفسه. فإنه ذو موضوع، وهو العمران البشري والاجتماع الإنساني، وذو مسائل، وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد أخري. وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو عقليا . عمل بهذا العمق، لن يفقد راهنيته أبدا، لأنه يمسك بالخصائص الرئيسية للدولة، يشخص علاقات القوي داخلها، يحدد المخاطر التي تتهددها، أندهش للتشبع الشديد لدي ابن خلدون، في كل جملة وسطر، بالفكر الدولتي. لهذا أقرأ المقدمة باستمرار، ولا أجد كتابا آخر أقارنه بها غير معلمة كيسنجر تاريخ الدبلوماسية . محمد بنعزيزرسالة علي البريد الالكتروني6