من أبرز الغايات النبيلة والأساسية، التي تتطلع إليها الكتابة، تحقيق مكسب تصالحنا مع ذواتنا. فمن خلال إنصاتها الحميمي إلى أسئلتنا الباطنية، تستطيع أن تتعرف على ما يتفاعل في دواخلنا العميقة من دوافع، ومن تصورات وقناعات وطبائع.
هذا التعرف، يؤثر بشكل مباشر في إضاءتها للأسس المساهمة في تدبيرنا لحياتنا المجتمعية والثقافية. ما يجعلها وسيلة ناجعة من وسائل الاستشفاء الذاتي المشترك. يتواطأ فيه كل من القارئ والكاتب على حد سواء، إذ بحكم سلطة التعرف الذي تتقاسمه كل من الكتابة والقراءة، تتكامل جمالية الإلمام بحقائق البنيات الذهنية والشعورية لدى الكائن، حيث يتم ذلك من خلال اقتراح الكتابة الشعرية أو السردية، لنماذجها المنتقاة بعناية فائقة من الواقع والمتخيل. ذلك أنها بموجب توظيفها التقني جماليا وإبداعيا، تمدنا بإواليات الكشف عن الملامح الحقيقية المحتجبة عادة خلف أقنعة الأعراف، والقيم المهيمنة، أي تلك التي تحتمي بها الذات في حياتها اليومية كي تنال رضا الآخرين، وكي تضمن لها مكانا محترما تحت شمس الوجود. علما بأن تجربة تمزيق أقنعة الأعراف ليست بالأمر الهين والسهل، باعتبار أن الذات من طول إلزامها، أو التزامها الطوعي أو القسري بوضع القناع، تجبر تدريجيا على الاستئناس به، ما يحفزها على الاقتناع بواجب تبنيه، كما لو أنه فعلا جزء لا يتجزأ من بنيتها الجسدية والسيكولوجية، خاصة حينما يؤمن لها وفي كثير من المواقف الحرجة، فرص التفاعل الإيجابي والمرن مع الآخرين، حيث يتحول استعماله في نهاية المطاف، إلى خبرة وإلى ممارسة واعية بذاتها. وفي حالات أخرى يتحول إلى ملكة يقتضي الإحاطة بها، توافر مستوى متقدم من الممارسة والتأهيل، لذا وتبعا لذلك، يجب الاعتراف بانــدراج المسلكيات الإنسانية المكتسبة في الفضاءات الخاصة والعامة، ضمن واجب امتلاك الحد الأدنـــى من الأقنعة، كلما اقتضت الضرورة توظيفها في اللحظة المناسبة والحاسمة.
ولربما كانت الحاجة إلى القناع حتمية، من أجل بث روح الاطمئنان لدى الآخر، وتشجيعه على تلقي الرسائل الواردة عليه من فعاليات محيطه في مختلف السياقات التي تستدعيها حيثيات وظروف التواصل. نخص منها، تلك التي تكون ملابساتها مدعاة للشك والريبة. فالقناع من هذا المنطلق، يأخذ شكل خطاب مسكوك يتضمن رسائل معينة ومحددة، حتى إننا في حالة محاولتنا القيام بتصميم أقنعة دقيقة، وبمعايير متطابقة مع مجمل الحالات الشعورية والذهنية التي يتحلى بها الكائن، فلسوف نكون ملزمين بفتح أوراش كبيرة دائمة الاشتغال. مع اقتناعنا المسبق بتعذر تغطية هذه الحالات، بمجموع ما تتضمنه من رسائل وإشارات. ولعل مرد ذلك، يعود أولا، إلى التعدد اللانهائي للأحوال البشرية. وثانيا إلى الغموض الكبير الذي يكتنف دلالاتها وأبعادها. فالإنسان كثيرا ما يجد نفسه عرضة لأحوال ووقائع، يستعصي عليه فهمها واستيعابها، كما أنه يصطدم بالكثير من الممارسات، التي يتعذر عليه وضع قناع دلالي ملائم لها.
توظيف القناع بوصفه تعبيرا مفتعلا عن بنية غائبة، غالبا ما يتخذ منحى وقائيا، تعتمده الذات في مواجهتها لتلك المواقف، التي تستشعر فيها حضور تهديد، يتجاوز حدود تحملها، وحدود مقاومتها.
في الوقت نفسه، ومن زاوية نظر مغايرة، كثيرا ما نواجه في حياتنا العامة بأقنعة نفشل في فك شيفرتها. ولعل ظاهرة الانفلات السلوكي، بما هي تعبير عن عجز الذات عن التحكم في جموح بعض نزوعاتها، أكثر تعبيرا عن تعقد وغموض غير قليل من الحالات التي تعتري الكائن في حياته الخاصة أو العامة. عموما، إن توظيف القناع بوصفه تعبيرا مفتعلا عن بنية غائبة، غالبا ما يتخذ منحى وقائيا، تعتمده الذات في مواجهتها لتلك المواقف، التي تستشعر فيها حضور تهديد، يتجاوز حدود تحملها، وحدود مقاومتها. والمنحى الوقائي، هو في جوهره منحى تضليلي، لأنه يقوم على مبدأ التحلي بمظهر مناقض للهوية الحقيقية التي تتميز بها الذات، أو بتعبير آخر، مناقض للصفة التي تفتقر إليها.
هذه المفارقة تفيد عمليا، اشتغال القناع ضمن ثنائية التضاد وجدليتها، ذلك أن تحجيب سلطة البطش، على سبيل المثال لا الحصر، يتم بقناع الديمقراطية والحوار. كما أن تحجيب الكراهية، يتم عبر قناع التسامح والتفاهم. أما بالنسبة لتحجيب الجهالة العمياء، فيتحقق عبر التباهي بوضع قناع الأنوار، وهكذا دواليك، إلى آخر قناعة، أو صفة في لائحة الطبائع والمسلكيات التي لا قرار لها. ولعل الخاصية التحجيبية التي يتميز بها القناع، هي الأكثر أهمية، قياسا بغيرها من خاصياته المتعددة. فثمة دائما ما ينبغي إخفاؤه، على حساب ما ينبغي إبرازه بدافع الحاجة الماسة إلى إيجاد تبرير مقنع ومنسجم، مع الضرورة الوقائية التي تضمن للكائن إمكانية النجاة والخلاص من خطر يتهدده، أو من مأزق يتربص به.
ولكي نقترب أكثر من التعقيدات الشائكة الملازمة للظاهرة، يكفي الاستشهاد بلعبة القناع، التي مارستها جميع شعوب الأرض منذ فجر التاريخ، والتي كانت وستظل موضوع مقاربات متعددة ومتنوعة، من حيث المنهجيات، والغايات والمرجعيات، بمختلف أبعادها الدلالية والجمالية. ما يؤكد قوة حضور سؤال القناع، منذ ليالي الأزمنة البعيدة إلى الآن، في ذاكرة جميع الحضارات، ودونما استثناء، خاصة منها الصينية واليونانية، أو الإفريقية، سواء كان عملا/ وجها، قائم الذات، يتم إلحاقه بالوجه البشري، أو مجرد رسم يوضع عليه، من أجل طمس ملامحه الحقيقية.
ومهما تعددت الوظائف والتأويلات التي دأبت هذه الحضارات على إسنادها إليه، بمختلف تلويناتها الشعائرية، السحرية أو المجتمعية، فإنها بشكل أو بآخر، تعكس عنف تلك الارتجاجات الروحية والسلوكية التي تعصف باختيارات الكائن، كلما اصطدم في حياته اليومية بحائط السؤال. كما تعكس في الوقت نفسه، قدرته على تقمص ما شاء له السياق من هويات، لا تكون بالضرورة منسجمة مع قناعاته واختياراته. فبفضل تجربة وضع القناع وخلعه، تتحول عملية تقمص القناعات والمواقف، إلى مجرد ردود أفعال آلية وعادية، وعلى درجة عالية من البساطة والمرونة. علما أن إدمانها يؤدي حتما، إلى تصنيع هويات هجينة وملفقة. كما يؤدي إلى فبركة هويات مزركشة بكل ما يطفح به كيل المجتمعات من ميول متضاربة ومتنافرة، ومفتقرة إلى الحد الأدنى من العقلانية.
فإلى عمق هذه المفارقات، تدلف شرارة الكتابة، كي تضرم جام لهبها، في حطب الفرق المندس بين الوجه والقناع، حيث تمارس طقسها التطهيري الذي لا تستقيم معه لعبة التقمص الأهوج، لاسم أو هوية.
٭ شاعر وكاتب من المغرب
عنوان (الكتابة ولعبة تمزيق القناع) يمثل وما ورد أسفله من وجهة نظري،
خلاصة مفهوم ثقافة الأنا أولاً ومن بعدي الطوفان في دولة الحداثة، لفلسفة الكتابة والتعبير والتدوين اللغوي،
ولذلك كانت هذه الفلسفة سبب الإفلاس الإقتصادي، الذي أدى إلى إنهيار ألمانيا الديمقراطية عام 1989 وبعد ذلك إنهيار الإتحاد السوفييتي في عام 1991 وأخيراً في عام 2008 إنهيار النظام المالي الربوي والتأمين عليه، وكانت إمارة دبي على وشك الإفلاس.
ولولا الفائض في سيولة أبو ظبي لما كنّا شاهدنا حتى برج خليفة مكتمل الآن.
فلذلك السؤال في عام 2019 هل كرسي وظيفة حوكمة الحكومة الإليكترونية، يجب أن تكون للآلة (الروبوت) أفضل وأكثر عائد اقتصادي، أم يجب أن تكون للإنسان والأسرة والشركة المنتجة أفضل وأكثر عائد اقتصادي للدولة؟!??
??????