السياسات الغربية تجاه الشرق الأوسط

الهيمنة الغربية أريد لها أن تكون شاملة، و»رقعة الشطرنج الكبرى» التي تحدث عنها بريجنسكي، ودُعمت بأطروحات منظري «صراع الحضارات» أمثال صموئيل هنتنغتون وبرنارد لويس ونيل فيرجسون، أثرت على أصحاب القرار السياسي في البيت الأبيض، وسبق أن عبر ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ضمن فترتي حكمه، أن «حكمة هؤلاء مطلوبة يوميا من قبل المسؤولين السياسيين والدبلوماسيين والأكاديميين، ووسائل الإعلام في هذا القرن».
وقد تُرجم ذلك بالفعل مع سياسات المحافظين الجدد، التي انتهت إلى حروب همجية ضد العراق وأفغانستان. ومنذ ذلك الوقت أصبحت أمريكا تُحمل حلفاءها «الأغنياء» مهام الإنفاق الرأسمالي من دون أن تتكلف أي أعباء مالية، سواء في الشأن العسكري أو التجاري أو غيره، في محاولة دائمة لضبط إيقاع العالم على طريقتها، باعتبار أن الهرمية الدولية هاجس الولايات المتحدة الأول التي تؤرقها على الدوام، خاصة مع بيئة النظام الدولي التي تظهر اليوم أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، وآليات إدارة النظام العالمي والتحكم في المتغيرات ليست سهلة كما كان معتادا لشرطي العالم.
وليس بالأمر المستغرب أن تؤدي الاستراتيجيات المتغطرسة للمحافظين الجدد منذ عهد «بوش الصغير» إلى اندحار»العم سام» وبداية أفول زمن الامبراطورية. فكلفة حرب العراق وكذلك أفغانستان التي بلغت ما يعادل 3 تريليونات دولار، حسب مؤشرات إحصائية حكومية وأكاديمية أمريكية بين الميزانية المقدرة، وكذلك فوائد الديون لتمويل الحرب أصابت الولايات المتحدة بتدهور مالي حاد يصعبُ الخروج منه إلا بصفقات كبرى، كالتي حدثت مع السعودية أثناء قدوم ايفانكا ترامب وأخذها مليارات الدولارات بجلسة مجاملة قصيرة، ومواصلة الرئيس الأمريكي ابتزاز السعودية لدفع الأموال بمجاهرة خطابية استهجانية، محملة بمضامين دعائية لكسب الولاية الثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومن البين ما تجده الولايات المتحدة من صعوبة في أن تهضم حقيقة تراجع تفوقها المطلق في المجال الاقتصادي، وكذلك المجال العسكري، الذي بات ملحوظا ميل كفته لصالح الصين وروسيا الاتحادية، خاصة في ميدان التكنولوجيا العسكرية الحديثة والمتطورة، ومع نشوء اتحادات سياسية، عسكرية واقتصادية انتهى عمليا التفرد الأحادي الذي جعل أمريكا تفعل ما تريد لما يناهز عقدين من الزمن، باستخدام كافة أشكال العنف العسكري والضغط الاقتصادي والتشويه الدعائي، جنبا إلى جنب مع دول أوروبية، تذيلت للسيد الأمريكي، وانتشت بآمال إبقاء العالم تحت هيمنة الحضارة الغربية، مع أن تلك الدول، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا، لم تسلم من تهديد الولايات المتحدة بتسليط العقوبات الاقتصادية على كل من يتعامل تجاريا مع إيران، خاصة إذا ما تعلق الأمر بتوريد النفط. وهي خطوات تتخبط من خلالها أمريكا في مجدها الذاتي المغرور، مستعملة الأذرع المالية العالمية إلى جانب مزايا الدولار الذي يغطي حوالي 60% من المبادلات التجارية العالمية.

السياسة الخارجية للغرب إزاء العالم الإسلامي مفلسة حتما، وتدفع نحو المواجهة والعداء

الوقائع المتسارعة في العقد الثاني من الألفية الثالثة تعبر عن تحولات جيواستراتيجية من شأنها إعادة تشكيل العالم المعولم، وفق تراتيب مغايرة للأحادية والتفرد بالتوجه تدريجيا نحوعالم متعدد الأقطاب. ومحاولات استيعاب المتغير الدولي دفعت الولايات المتحدة إلى اعتماد استراتيجية «القوة الناعمة» في عهد أوباما تحديدا، من حاصل إخفاق القوة العسكرية والسياسات الخشنة، التي كلفت الميزانية الأمريكية نفقات رهيبة، على حساب الداخل الأمريكي، ومتطلبات المنظومة الصحية وفرص العمل. إلى جانب تراجع القوة الاقتصادية بسبب الأزمات المتلاحقة استتباعا. ومثل هذا الاختيار للأداء السلمي ظاهريا يُخفي دوافع مضمرة، تهدف إلى مواصلة الهيمنة بطرق أقل تكلفة ماليا وبشريا. وفي الأثناء، يتواصل التصور المعوج للغرب في ما يتعلق بالشرق الأوسط، بتصعيد غير مسبوق تجاه إيران هذه الأيام، وليس بالجديد النظر إلى العالم الإسلامي من منطلق الصورة النمطية المكررة بأثر رجعي، فليس هناك أسهل من نعت ما هو مختلف بالخطير والمرعب، وجعله في الأخير «عنوانا لأفكار عنصرية مسبقة». وكل ما يحدث يُفهم ضمن مسارات الهيمنة والرغبة في التطويع، بدل احترام الشعوب وتحقيق التواصل الحضاري. وبالمحصلة النهائية السياسة الخارجية للغرب إزاء العالم الاسلامي مفلسة حتما، وتدفع نحو المواجهة والعداء، فهناك دوما نزعة لمجانسة وتحويل «الآخر» وجعله «كُتلة أحادية» بتعبير ادوارد سعيد، ومرد ذلك إلى الجهل والخوف في آن، لأن الجيوش العربية والاسلامية سبق لها أن اجتاحت أوروبا. والإسلام هو «الثقافة الوحيدة غير الأوروبية» التي «لم تُغلب»، وهو معطى غير قابل للنسيان. والمؤسف أن هناك من العرب من ينتظر حربا ضد إيران بلهفة تفوق إسرائيل، وقد أصيبوا بعمى البصيرة إلى درجة تناسي تاريخ أمريكا الموغل في سفك الدماء، وإذعانهم لمعسكر الهيمنة ودعاة الحروب والدمار ما هو إلا تزكية لمزيد من المعاناة والشقاء الإنساني، وإلحاق الظلم بالبشر.
كاتب تونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أحمد عمر:

     «في محاولة دائمة لضبط إيقاع العالم على طريقتها»!!.
    فقرة من مقال سيادتكم.
    الآن.. والآن بيدنا توجيه إنذار قوي
    لجميع سفراء الولايات المتحدة بالبلدان
    العربية، بمغادرة الأرض العربية خلال
    24 ساعة فقط، يعقبها قطع العلاقات
    معها، يعقبها فرض عقوبات اقتصادية
    (موجعة) لردعها ووقفها عند حدها،
    بعد أن تطاولت على جميع البلدان
    العربية دون استثناء واستصغرتنا.
    فورا والآن يتم توجيه إنذار لجميع
    سفرائها بمغادرة الأرض العربية فورا
    وقطع العلاقات، وتغور فى ستين
    داهية الأرصدة العربية لديها مش عايزينها.
    المهم رد اعتبار وقوي للمنطقة العربية.هذا إذا كنا جادين فعلا لوضع حد
    للمهزلة الأمريكية الإسرائيلية بالأراض
    العربية…
    فضلا متابعة…

  2. يقول أحمد عمر:

    استكمالا للتعليق فضلا…
    نتنياهو يا سيدى، تبجح وهو يقف
    فوق أرض عربية (الجولان) قائلا: ما أجملك يا أرض إسرائيل!!
    طيب يا سيدى، كلما كان حاكم عربى
    لا يوافق هوانا، قدمنا لإسرائيل
    هدية قطعة أرض عربية من بلده
    وعقدنا المؤامرات على دولته لتفكيك
    روابطها!!!
    ليس على طريقة أمريكا ولا إسرائيل
    يا سيدى، وإنما على طريقتنا نحن،
    والمشهد العربي أمامكم، فلا يجرؤ
    أحد على دخول بيتى إلا إذا فتحت
    أنا له ثغرة، أو ثمة مؤامرة تحاك
    ضدى من أهل الحى وتكالبوا عليّ.
    وفلسطين حيكت ضدها مؤامرة
    ومؤامرة خسيسة بريطانية فرنسية،
    وأهل الحي وقفوا يتفرجون على
    أرض فلسطين وهى تغتصب.
    وأهل الحي هنا يا سيدى هم البلدان
    العربية!!!
    مع تحياتى للبلدان العربية!!! عدا
    فلسطين لها حبى وفؤادى.

إشترك في قائمتنا البريدية