خبراء مغاربة: السلطة السياسية ما زالت تتحكم في الإعلام العمومي وتضع الخطوط الحمراء وتقلِّص هامش الحريات العامة

الطاهر الطويل
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: تحت عنوان «تحديات الإعلام وسؤال الديمقراطية»، نظم المكتب الإقليمي لحزب الاستقلال في مدينة القنيطرة المغربية، مساء أول أمس، ندوة فكرية بغرفة التجارة والصناعة والخدمات، شارك فيها الإعلاميون عبد الجبار الرشيدي وجمال حجام وإدريس عدار.
أوضح عبد الجبار الرشيدي (عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، المكلف بالإعلام) في بداية مداخلته أن الإعلام في الدول الديمقراطية يكون عادة مرتبطاً بمنظومة المجتمع وليس بمنظومة الدولة. ثم بسط أهم التطورات التي شهدها تاريخ الصحافة بالمغرب، مبيناً أن ظهير الحريات العامة الذي اعتمد منذ 1958 كان ليبرالياً بامتياز، وأنه كرّس حيزاً مهماً للصحافة. وذكر أن هذا المجال شهد باستمرار تدافعاً بين القوى الوطنية وبين الدولة التي قامت بإدخال تعديلات على الظهير المذكور سنة 1973، مما قلص من هامش الحريات، وأدى إلى توسيع هامش المقدس والخطوط الحمراء، وكذا توسيع صلاحيات وزار الداخلية، حيث بدأ مسلسل التضييق على الحريات العامة.
وأضاف أن المناظرة الوطنية للإعلام التي نظمت عام 1991 جسدت مؤشراً على بداية الانفتاح لدى الدولة، وهو ما تقوى في ما بعد بفعل نضالات المهنيين والحقوقيين والهيئات الحزبية الوطنية ذات المصداقية، حيث قلصت التعديلات التي أدخلت على قانون الصحافة والنشر سنة 2002 من العقوبات الحبسية في قضايا الصحافة، وإن رفعت من الغرامات المالية، إلى أن حذفت تلك العقوبات مع تعديلات 2016.
وشدد الرشيدي على أن القوى الوطنية كانت دائماً تطالب بالحد من هيمنة الدولة على الإعلام، مشيراً إلى أنه رغم حصول تحولات دستورية ومؤسساتية مهمة في المغرب، فإن الإعلام العمومي لم يواكبها وظل يجرّ إلى الوراء، واستدل على تلك الهيمنة بارتباط الإعلام العمومي بالحكومة والدولة، وعدم قدرته على تجسيد التعددية السياسية الموجودة، وندرة الاهتمام بقضايا المجتمع، وأيضاً عدم السماح بظهور قنوات تلفزيونية جديدة، واستمرار احتكار القطاع الإعلامي المرئي. مما يطرح معه سؤالاً عريضاً حول مدى استقلالية المرفق العمومي على المستوى المالي وعلى مستوى الخط التحريري، يقول الرشيدي.
واستحضر المتحدث الجهود التي بذلها الخبير الإعلامي الراحل محمد العربي المساري (حين كان وزيراً للإعلام) من أجل الرفع من مهنية الإعلام العمومي، لكنها قوبلت بالرفض من طرف المتحكمين في هذا الإعلام، مما جعله يتقدم بطلب الاستقالة من مهامه مرتين، دون أن يُقبل طلبه.
وختم عبد الجبار الرشيدي مداخلته بالقول إن الصحافة المكتوبة والإلكترونية في المغرب تواجه عدة تحديات على مستوى المهنية والاستقلالية وكذا على مستوى النموذج الاقتصادي ومستوى أخلاقيات المهنة. وتحدث جمال حجام (مدير جريدة «لوبينيون»/ الرأي) عن التلازم الموجود بين الديمقراطية والإعلام، وقال إن الإعلام محتاج إلى فضاء ديمقراطي وإلى حرية الصحافة والتعبير وتجسيد الرأي والرأي الآخر والحق في الوصول الى المعلومة. وبعدما أوضح أن الإعلام المغربي يواجه تحديات، بعضها ذو طبيعة مادية، والبعض الآخر أخلاقي، بالإضافة إلى تحدي التكوين والتكوين المستمر، طرح تساؤلات حول واقع الممارسة الإعلامية ونوعية الخطاب الإعلامي في المغرب، لا سيما بالنظر إلى موجات الوافدين على القطاع غير الملتزمين بشروط المهنية وأخلاقيتها، رغم وجود ترسانة قوية ومهمة من النصوص القانونية المنظمة (كقانون الصحافي المهني ومدونة الصحافة والنشر ودفاتر التحملات) ورغم وجود مؤسسات مختصة كالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.
وفي السياق نفسه، اعتبر حجام ميلاد المجلس الوطني للصحافة نقلة نوعية ومؤسسية مهمة في أفق تخليق الممارسة الصحافية في المغرب، وأعرب عن أمله في أن يكون المجلس المذكور نبراساً للمهنة والمهنيين وتجسيد احترام الأخلاقيات والالتزام بها.
وبعدما تساءل المتدخل عما إذا كان الإعلام العمومي المغربي بلغ سن الرشد ليصير سلطة مؤثرة بشكل إيجابي في المجتمع وفي المؤسسات، أجاب بالنفي بسبب وجود أزمة ثقة لدى المجتمع تجاه هذا الإعلام، وبسبب غياب الفكر النقدي.
ولفت الانتباه إلى أن ثمة كفاءات إعلامية نزيهة تقاوم زحف التردي، كما استحضر الدور التاريخي الذي قامت به الصحافة الحزبية في المغرب، مؤكداً أنها مهدت الطريق للصحافة الخاصة التي تعد مكسباً كبيراً للبلاد، وداعياً إلى ضرورة تجويد المهنية من خلال التكوين والتكوين المستمر ومن خلال أخلاقيات المهنة.
وكانت المداخلة الأخيرة للصحافي إدريس عدار (رئيس تحرير جريدة «النهار المغربية») الذي أبرز نسبية مفهوم الديمقراطية، كما تطرق إلى علاقة الإعلام بالسلطة السياسية، ومدى قدرته على تجسيد وظيفة القدرة على التأثير والتغيير، متسائلاً: متى يكون الإعلام فاعلاً ومتى يكون مفعولاً به من طرف السلطة السياسية؟
ولاحظ أن السلطة الاقتصادية أصبحت تتحكم في الإعلام ليس في المغرب فحسب وإنما في العالم ككل، ما أدى تراجع السلطة السياسية إلى المرتبة الثالثة. ثم توقف عند بعض الأعطاب التي تعاني منها مجموعة من التجارب الإعلامية المغربية حالياً، حيث وظفت التطورات التكنولوجية للاستثمار في الدجل السياسي والبؤس الاجتماعي وتدني مستوى المحتوى، علاوة على ترويج المغالطات والمزايدات والبحث عن الإثارة، حسب المتدخل، مما يطرح معه بحدة سؤال المهنية والمصداقية وأخلاقيات الصحافة وسؤال الأدوار التنويرية المطلوبة من الإعلام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية