لعنة الانتخابات تلاحق مرة أخرى الجزائر، أو بالأحرى النظام السياسي الجزائري المغرم لحد الهوس بتنظيم انتخابات لا دور لها إلا إعادة إنتاج الوجوه نفسها والسياسات والمؤسسات المرفوضة شعبيا. هوس وصل هذه المرة إلى تسويق حالة كاريكاتيرية فعلية، بعد ان غاب المرشحون عن انتخابات رئاسية حدد تاريخها بشكل تعسفي من طرف حكام جدد، فضلوا القراءة النصية والشكلية لمواد دستور ليس معنيا بإيجاد الحلول للحالة السياسية التي تعيشها الجزائر بعد انطلاق الحراك الشعبي، منذ ثلاثة أشهر.
انتخابات رئاسية تلغى للمرة الثانية في ظرف قصير، بعد الأولى التي كان ينوي الرئيس السابق الترشح فيها لعهدة خامسة، كان يفترض أن تحصل في انتخابات 19 إبريل/نيسان الماضي، لولا تدخل الجزائريين في آخر دقيقة لرفضها، بعد أن أحسوا أن هذه الانتخابات كانت إهانة وجهت لهم ولبلدهم. ليتم إبعاد الرئيس في السياق نفسه من على رأس السلطة التي تربع عليها لمدة عشرين سنة كاملة بأربع عهدات. رفض هذه الانتخابات للمرة الثانية، الذي سيدخل الجزائر حتما في مرحلة انتقالية غير مقبولة من قبل الكل، وغير مفكر فيها أصلا بالنسبة للبعض، يفترض أن تتسارع الأحداث بداية هذا الأسبوع لتنظيمها وانطلاق النقاش حولها، بين الفواعل السياسية الرسمية والشعبية، التي يمثلها الحراك والمعارضة السياسية. لتكون الطبقة السياسية بكل مكوناتها وعلى رأسها القيادة العسكرية أمام تحديات من نوع جديد، فكرية وسياسية، تفترض إعادة النظر في الكثير من القناعات ومساءلتها في وضع سياسي وأمني هش وحساس، يزيد من مخاوف الجميع.
انتخابات رئاسية يفترض ان تؤجل الى نهاية السنة الحالية، حسب التوقعات الأكثر احتمالا، ما يعني عمليا ان الجزائر ستمر قبلها بفترة انتقالية أولى، بعد انتهاء مدة حكم الرئيس المعين الحالي عبد القادر بن صالح المرفوض شعبيا، هو ورئيس الحكومة نورالدين بدوي، الذي تم تعيينه من قبل الرئيس المقال، لنكون بذلك أمام انتصار آخر يحققه الحراك الشعبي، بعد الانتصار الأول المتمثل في إبعاد الرئيس بوتفليقة وبطانته، التي كانت وما زالت تريد الاستمرار في الحكم عن طريق هذا النوع من الانتخابات الشكلية.
تكوين حكومة كفاءات وطنية بدل الحكومة الحالية المرفوضة، كما يطالب الحراك الشعبي بداية لمشاورات سياسية لإيجاد حلول توافقية مقبولة
إفشال مشروع انتخابات 4 يوليو/تموز التي سيتم الإعلان عن إلغائها رسميا في القريب العاجل، سيكون انتصارا إضافيا للحراك الشعبي، بعد إفشال مشاريع العهدة الخامسة والتمديد، يؤكد في الوقت نفسه سلسلة الخيبات التي مني بها مشروع القيادة العسكرية، التي تسلمت السلطة الفعلية بعد مغادرة الرئيس السابق. لنكون بذلك أمام فشل متعدد الأوجه في وقت سريع، يبقى في حاجة الى تفسير كمؤشر عن صناعة قرار وإخراجه داخل المؤسسة العسكرية، لا يعرف عنه الجزائريون الكثير من المعطيات، فقد فشل مشروع فرض رئيس مؤقت في شخص رئيس مجلس الأمة، تعامل معه الحراك كممثل للنظام المرفوض، وليس كحل دستوري. فشل ثان تم تسجيله في ما يتعلق بتعيين رئيس الوزراء، الذي رفض للسبب نفسه. الفشل نفسه الذي ساد عندما تعلق الأمر بندوة التشاور التي دعا لها الرئيس المؤقت وقاطعتها كل القوى السياسية، بما فيها القريبة من السلطة، ليصل الأمر أخيرا إلى الانتخابات الرئاسية التي رأي فيها الحراك الشعبي فخا سياسيا، كان يهدف الى إعادة النظام المرفوض نفسه.
سلسلة من الخطوات الفاشلة التي توحي بأننا أمام حالة تخبط سياسي يعتري أصحاب القرار الجدد، الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع هذه الساحة السياسية المضطربة، بعد احتلالهم لواجهة الأحداث، عكس ما كان حاصلا في السابق وهم وراء الستار. يتم كل هذا في وقت تعيش فيه مؤسسات القرار السياسي الأخرى حالة اضطراب مست رئاسة الجمهورية والحكومة ومخابرات الجيش، التي كونت على الدوام الذراع السياسي الأول للنظام السياسي في الجزائر، والتي استمرت من دون قيادة حتى الآن، بعد إدخال مديرها السابق إلى السجن بتهمة التآمر على الجيش. هذا الأسبوع إذن سيكون حاسما في الجزائر، فأما الذهاب الى حل توافقي بين أصحاب القرار الجدد الذين تمثلهم القيادة العسكرية ومن يفرزهم الحراك الشعبي والطبقة السياسية المعارضة، وأما الاستمرار في مسار التخبط والفشل لا قدر الله. حل توافقي يقتضي القبول بالدخول في مرحلة انتقالية، قبل انقضاء عهدة الرئيس المؤقت الحالي في 8 يوليو يتم قبلها انطلاق مشاورات سياسية واسعة لتحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية المقبلة، وشروط إجرائها، كبداية حل وعودة الى الشرعية الشعبية. بعد ان قرر الجزائريون أنهم ضد فرض تاريخ انتخابات رئاسية عليهم، كما كان حاصلا في السابق، لن يقبلوا بها في ظل الوجوه السياسية الحالية التي تمثل النظام السياسي، الذين يجرجون في مسيرات مليونية كل أسبوع للقول انهم يرفضونها. انتخابات مطلوب منها إن تمت في كنف التشاور والحوار أن تنتج رئيسا بشرعية وطنية ودولية، يكون قادرا على تطبيق برنامج إصلاحي تدعيما للمسار الانتقالي، الذي يمكن أن يشمل انتخابات تشريعية وبلدية ووضع دستور للبلد يتم تحت مراقبة الجزائريين والجزائريات هذه المرة، تجسيدا لدولة القانون والحريات التي يتوق اليها المواطن الجزائري، اذا اكتفينا فقط بالملف السياسي .
تجربة ستكون الأولى من نوعها في بلد ونظام سياسي لم يعرف عن نخبه السياسية الرسمية القبول بثقافة التشاور والقبول بالرأي الآخر، إلا كإجراء شكلي، لا يغير من مخرجات القرار الذي يبقى من احتكار المؤسسات الرسمية ونخبها التي حصلت على تنشئة سياسية أحادية، ليس من الصعب الإفلات منها وتغييرها في وقت قصير، فما بالك عندما يتعلق الأمر بقيادات عسكرية لم تتعود على الخروج إلى العلن كمركز قرار، كان دائما في حاجة إلى وجوه ومؤسسات تروج لها وتتحمل وحدها نتائج أي فشل.
تكوين حكومة كفاءات وطنية، كما يطالب بذلك الحراك الشعبي، بدل الحكومة الحالية المرفوضة يمكن أن يكون بداية لانطلاق مشاورات سياسية لإيجاد الحلول التوافقية المقبولة، في انتظار النهاية القريبة لعهدة رئيس الدولة الحالي، الذي اقترح أكثر من حل ليكون بديلا عنه لتسيير المرحلة الانتقالية، قد يكون المخرج الذي ينتظره الجزائريون وهم على بعد أيام من احتفالات عيد الفطر. فهل سيفعلها الجزائريون ويبهرون العالم من جديد بتوافقهم، بعد أن أبهروه بسلمية وقوة حراكهم؟
كاتب جزائري
أظن ان هناك حظوظ وفيرة ان تتلاقى الآراء بين ثيارات الحراك لتمرير المرحلة على خير ..
المؤشرات موجودة على الساحة .. كيف يتعامل الحراك مع محاولات فرق تسود .. هذا مؤشر
كبير على ضرورة البقاء ككتلة واحدة الى ان يمروا جميعا الى بر الامان بارساء اول لبنات الدمقراطية ..
.
و بعدها سيبدأ تمرين عسير طبعا .. لكن لا خوف منه، فاساس الدمقراطية موجود للاحتكام له.
.
فعلا، أرى ان النظام لم يشجع ثقافة التنازل و لا حتى الحوار بين الأحزاب و الثيارات الموجودة.
فعلى الشعب ان يعلم نفسه بنفسه إذا .. هذا هو التمرين. و هو ممكن طبعا .. ربما سيأخذ بعض الوقت.