رسائل أوجلان لأكراد تركيا وسوريا… مناورة انتخابية لأردوغان أم إرهاصات تحولات استراتيجية؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول ـ «القدس العربي»: في غضون أقل من شهر فقط، وجّه عبد الله أوجلان، زعيم تنظيم «العمال الكردستاني» (بي كا كا) المصنف «إرهابياً» في تركيا، رسالتين إلى أكراد تركيا وسوريا، وذلك عقب رفع الحظر المفروض على زيارة محاميه له في عزله الانفرادي في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة لأول مرة منذ عام 2011.
هذا التطور بالغ الأهمية فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات والتحليلات حول إن كان يتعلق بمناورة يسعى من خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لكسب جانباً من أصوات الأكراد في انتخابات الإعادة في إسطنبول المقررة في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران المقبل، أو أنها مقدمات وإرهاصات لتحولات استراتيجية للزعيم الكردي وسياسات أردوغان معاً، ما يمكن أن يفتح الباب مجدداً أمام مسار الحل السياسي للقضية الكردية في تركيا وصولاً إلى سوريا أيضاً.
وأوجلان، هو مؤسس وزعيم «بي كا كا» المصنف «إرهابياً» في تركيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي. والتنظيم يخوض صراعاً مسلحاً مع الحكومة التركية منذ عقود خلف أكثر من 40 ألف قتيل من الجانبين.
وفي الثاني من شهر مايو/أيار الجاري، تمكن اثنان من محامي أوجلان من زيارته في سجنه لينشرا لاحقاً في السادس من الشهر نفسه رسالة منه دعا فيها أكراد سوريا إلى الأخذ بعين الاعتبار «حساسيات تركيا الأمنية في سوريا»، والعمل على إيجاد حل سلمي مع تركيا عبر الحوار، لتكون هذه أول رسالة تخرج عن أوجلان منذ عام 2011.
وعقب ذلك بأيام، وبشكل مفاجئ، أعلن وزير العدل التركي، عبد الحميد غًل، أن تركيا رفعت الحظر المفروض على زيارة المحامين لأوجلان، قبل أن يعلن محامياه، الأربعاء الماضي، أنهما تمكنا من زيارته مجدداً عقب رفع الحظر الرسمي.
والأحد، نقل محاميا أوجلان رسالة جديدة منه دعا فيها إلى وقف الإضرابات عن الطعام التي يقوم بها سجناء أكراد في السجون التركية احتجاجاً على ظروف اعتقاله، ونقل عنه القول: «أنتظر وضع حد لتحرككم. الإضرابات عن الطعام حققت الهدف المطلوب منها. لذا، يجب وضع حد لها».
وعلى الفور، استجاب آلاف من المضربين عن الطعام لدعوة أوجلان وأعلنوا إنهاءهم الإضراب، ونقلت وسائل إعلام كردية بياناً قالوا فيه «نوقف إضرابات الجوع بطلب من أوجلان»، في استجابة سريعة تظهر أن زعيم التنظيم المعتقل منذ عام 1999 ما زال يحظى بتأثير كبير على أنصاره وقيادات «الكردستاني».
وبينما يجمع معظم المراقبون على أن أوجلان ما زال يعتبر بالنسبة لشريحة واسعة جداً من الأكراد بمثابة «الزعيم الروحي» ويمتلك قدرة كبيرة للتأثير عليهم، يرى آخرون أن تأثيره تقلص بشكل كبير لا سيما على قيادتي تنظيم «بي كا كا» وحزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي بسبب اعتبارهم أن ما يصدر لا يعبر عن مواقفه الحقيقية كونه معتقلاً وواقعاً تحت التأثير الفكري للمخابرات التركية.
وبينما لم تتضح بعد الدوافع الحقيقية لقرار الحكومة التركية برفع الحظر عن لقاء أوجلان مع محاميه في هذا التوقيت، ربط كثير من المحللون الأتراك بين هذا القرار وبين قرار إعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، وسعي أردوغان للحصول على جانب من أصوات المواطنين من أصول كردية، والذين يقدر عددهم بنحو ثلاثة ملايين في إسطنبول لوحدها وتمكنت أصواتهم من حسم النتيجة لمرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو بعدما امتنع حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي عن تقديم مرشح له في المحافظة وتوجيه أنصاره لدعم مرشح المعارضة.
وتحالف حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي بشكل غير رسمي مع «تحالف الأمة» المعارض الذي يتمكن من الفوز بعدد من المحافظات الكبرى في البلاد على حساب «تحالف الجمهور» المكون من حزبي «العدالة والتنمية» الحاكم و«الحركة القومية»، لكن أصوات الأكراد كانت الحاسمة لترجيح كفة تحالف المعارضة في المحافظات الكبرى، لا سيما إسطنبول.
لكن آخرين اعتبروا ما يجري ربما يكون محاولة جديدة من الحكومة التركية من أجل العودة لمسار الحل السياسي للقضية الكردية في البلاد عقب سنوات من تصاعد النزاع المسلح، وذلك في إطار التعديلات التي ينوي أردوغان القيام بها بناء على نتائج الانتخابات المحلية التي أُجيرت في البلاد نهاية آذار/مارس الماضي وتراجعت فيها أصوات حزب «العدالة والتنمية» الحاكم.
وسبق أن بدأت حكومة حزب «العدالة والتنمية» ما أطلق عليها «مسيرة السلام» مع أكراد البلاد، بعدما دعا أوجلان أنصاره لترك السلاح، لكن سرعان ما انهارت هذه المسيرة بشكل كامل عام 2015 عقب تفجير انتحاري وقع في محافظة سروج جنوبي البلاد ضد تجمع للأكراد أعقبته موجة جديدة من القتال تطورت لشن الجيش التركي أوسع عمليات ضد مسلحي «العمال الكردستاني» في داخل البلاد وشمالي سوريا والعراق تمكن خلالها الجيش من ضرب القوة العسكرية الأساسية للتنظيم داخل البلاد إلى درجة غير مسبوقة.
ويعتقد مراقبون أن الحكومة التركية ترى أن نجاح الجيش في كسر القوة الأساسية للتنظيم داخل البلاد يعتبر بمثابة نجاح عسكري يجب البناء عليه سياسياً عبر إطلاق عملية سلام جديدة، يمكن أن تصل إلى مرحلة أفضل من تلك التي وصلت إليها المفاوضات قبيل انهيار المباحثات عام 2015.
كما تأمل الحكومة التركية أن تساهم عملية سلام مع أكراد البلاد ورسائل أوجلان إلى أكراد سوريا، في التوصل إلى حلول مرضية حول مستقبل التواجد الكردي في شمالي سوريا بما يأخذ بعين الاعتبار مخاوف تركيا الأمنية والقومية وهو ما يمكن أن يساهم في نزع أكبر فتيل للخلاف التركي – الأمريكي، ويسحب الورقة الكردية من يد روسيا والنظام.
لكن، على الصعيد الداخلي، يبدو أن من الصعب جداً حصول أي تطور في ملف إعادة مباحثات السلام بين الأكراد والحكومة التركية، في ظل التحالف المتواصل بين «العدالة والتنمية» وحزب «الحركة القومية» المتشدد الذي تقول نتائج الانتخابات الأخيرة أنه كان المستفيد الأكبر من تحالفه مع «العدالة والتنمية» الذي تراجعت أصواته، وهو ما يدفع أردوغان لإعادة حساباته مجدداً على الصعيد الاستراتيجي والتفكير في فض هذا التحالف مقابل التقارب مع الأكراد والحصول على جانب من أصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وليس فقط الاستحقاق في إسطنبول، والذي سيجري عقب أقل من شهر فقط.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية